رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الحب البرىء فى مواجهة قوى الشر


ينتمى مسلسل «حكايتى» إلى الدراما الاجتماعية التى تعتمد على التشويق والإثارة والصراعات المركبة والمستمرة.. وهو توليفة تكشف التناقض الشديد بين البراءة المطلقة والشر المفرط.. وتدور الأحداث فى شكل تتصاعد فيه الصراعات الضاربة والكراهية المقيتة والفساد الشديد طوال أحداث المسلسل من خلال قصة لعائلة صعيدية تدور فى دوائر لا نهائية من الكراهية والانتقام والثأر والتآمر وعبادة المال.
ووسط كل هذا فتاة شابة وحيدة تفقد أمها بسبب مرض خبيث، فتصبح وحيدة فى مواجهة هذا المناخ العائلى العدائى والمريض.. وقد استطاع هذا المسلسل أن يلفت انتباهى، رغم كثرة الإعلانات بين مشاهده بشكل مستفز.. كما استطاع هذا العمل أن يجذب الجمهور فى السباق الرمضانى، وأن يحتل لنفسه مكانة متقدمة.. خاصة أنه يقدم توليفة مضمونة النجاح.. هى الصراع الضارى بين قيم الخير فى مواجهة سطوة الشر.
وخلال الأحداث المتصاعدة، تحاول البطلة داليدا «ياسمين صبرى» أن تفلت وتهرب من قوى الشر التى تحيط بها من أقرب المقربين إليها مثل: أعمامها وأخيها وزوجة أبيها.. ورغم أنها «بطلة» تتسم شخصيتها بالبراءة التامة وتجسد قيم الخير والصدق والعفوية، فإن سطوة الشر تحاصرها فى كل مكان تذهب إليه وتطاردها من كل جانب.. وينقذها البطل «الشاطر حسن» أو «على» الذى يلعب دوره «أحمد صلاح حسنى» بالصدفة فى كل مرة تقع فى مشكلة بسبب حياتها العائلية المعقدة.. ثم يفاجأ هو ذاته بالصدفة البحتة بصدمة استحالة ارتباطه بها بسبب أن الفتاة البريئة الصعيدية التى يحبها.. هو أيضًا وجد نفسه فى نفس دائرة الشر من عائلتها، حيث يكتشف من خلال جده البارون «جميل برسوم» أن جد حبيبته قد قتل أباه.
وهذه صدفة لا تحدث إلا فى المليون.. صدفة غريبة مضافة إلى الصدف العديدة والمتتالية والمستمرة فى المسلسل.. وهذه ثغرة واضحة فى هذا العمل.. بينما على الجانب الآخر يشتد الصراع بين الأخوة الثلاثة «أحمد بدير وجمال عبدالناصر وإدوارد» على المال والسلطة.. فتذكرنا الكراهية بينهم برائعة الأديب الروسى دوستويفسكى «الإخوة الأعداء» أو الإخوة كرامازوف الذين يتصارعون ويكرهون بعضهم بسبب شهوة المال.. ويحتدم الصراع داخل مسلسل حكايتى مع كل حلقة بين الإخوة «الأعمام وأبنائهم» وبحثًا عن الفتاة «داليدا» التى هربت ليلة فرحها.. كما تواجه أيضًا بكراهية مصممة أزياء إسكندرانية «وفاء عامر» قاسية ومتعجرفة وتتأجج شرًا وكراهية لها، وتجتمع مع أم حبيبها «نهال عنبر» للقضاء على داليدا.. وتتصاعد الأحداث وتتشابك وتتعقد متزامنة مع قصة حب رقيقة أفلاطونية بين داليدا وعلى.
والحقيقة أن المسلسل قدم لنا عدة وجوه جديدة، فى مقدمتهم ياسمين صبرى فى أول بطولة مطلقة لها، حيث تدور حولها الأحداث، وواضح أنه قد تمت كتابة الدور من أجلها.. وهى وإن كانت تعتمد على جمال ملامحها وبراءة وجهها بما يتناسب مع الدور المكتوب من أجلها- كما نوهنا- ومع وله أحمد صلاح حسنى بها.. فإنها فى حاجة إلى أن تتفاعل أكثر مع المشاعر المطلوب تأديتها كالحزن والغضب والضياع.. وهى ممثلة صاعدة وجميلة الملامح وصاحبة حضور على الشاشة ولها جاذبية تؤهلها لأدوار بطولة قادمة.. لكنها ما زالت تفتقر إلى الأداء المتقن الذى تتطلبه بطولة مسلسل.
كما قدم هذا المسلسل بطلًا جديدًا ذا ملامح مختلفة للبطل «الدون جوان» الذى عهدناه وهو أحمد صلاح حسنى، الذى يتمتع بجسد رياضى قوى، وهو يعكس ملامح «دون جوان» جديد يتميز بالرجولة والشجاعة والثراء وهو جنتلمان فى كل المواقف.. وما زال أحمد صلاح حسنى أيضًا فى حاجة إلى امتلاك القدرة على التعبير عن مشاعره المركبة.. والحقيقة أن هذا المسلسل قد اكتسب قيمته من وجود ممثلين من الوزن الثقيل فاستطاعوا بذلك أن يحققوا له التوازن المطلوب فى التمثيل، وهم أحمد بدير وجمال عبدالناصر وإدوارد ووفاء عامر ونهال عنبر، وجميل برسوم.. إن وجود هؤلاء الممثلين الكبار والمخضرمين قد جعل المسلسل يكتسب قيمة.. كما لفتت نظرى ممثلة جديدة شابة رقيقة الملامح ومتميزة فى أدائها، رغم قصر دورها هى سارة التونسى، ولفتت نظرى أيضًا ممثلة واعدة مصرية الملامح تتمتع بالقبول والبساطة فى التعبير هى هنادى مهنا.
وأما القصة فهى للمؤلف الشاب محمد عبدالمعطى، الذى أثبت أنه قادر على أن يخطو إلى نوع مختلف من الدراما، وهى الدراما الاجتماعية التى تحتوى على الإثارة والتشويق والرومانسية فى نفس الوقت.. كما يحسب له عدم الابتذال أو الفجاجة التى عانينا منها طوال السنوات العشر الأخيرة، وانحيازه للرومانسية التى جمعت بين داليدا وعلى. وإن كان فى تنفيذ القصة بعض الثغرات، منها تعدد الصدف فى المسلسل بشكل مبالغ فيه، والملل فى الأحداث التى كان يمكن أن تكون أسرع من هذا الإيقاع البطىء، رغم أن القصة تعتمد على الإثارة والتشويق.. كما قدم المسلسل مخرجًا متميزًا لديه قدرة على تحريك الممثلين بسهولة وتمكن، إلا أن المط والتطويل فى بعض المشاهد قد قللا من إيقاع التشويق والسرعة المطلوبين فى هذا النوع من الدراما.. ومنها لقطات وفاة صوفيا أم داليدا وجنازتها ومشاهد صامتة مطولة وعديدة ومتكررة تجمع بين داليدا وعلى.. كما غابت لقطات مهمة، مثل إحراق منزل داليدا، أو تفاصيل كثيرة عن ماضى عائلتها، فوجئنا بها فى الحلقات الأخيرة كما فوجئت هى بها.
من ثغرات المسلسل أيضًا أننا هذا العام شاهدنا اسم البطلة يكتب بشكل مقصود، حيث يكتب اسمها ياسمين صبرى فى، وذلك رغم أنها أول بطولة لها، حيث تكتب بمفردها ثم بعد ذلك تتم كتابة أسماء نجوم وممثلين كبار جاءوا بعدها بشكل غير مناسب لمكانتهم الفنية.. حدث هذا فى عدة مسلسلات هذا العام، مثل مسلسل دينا الشربينى ومحمد رمضان ومحمد رجب وحمادة هلال ومصطفى شعبان وياسمين عبدالعزيز وغادة عبدالرازق وأمير كرارة ومصطفى خاطر ودنيا سمير غانم، مما يعد شكلًا مفتعلًا ومبالغًا فيه يُكرس فكرة النجم الأوحد مرة أخرى، والتى عانى منها الفن المصرى فى السنوات الماضية، وأدى إلى ارتفاع مستفز فى بعض أجور الأبطال.. ومن المؤكد أنه شكل سيعانى منه الفن المصرى بعد ذلك خلال السنوات المقبلة.
إن الفن عمل جماعى وليس بطولة مطلقة تعتمد على نجم أو نجمة واحدة فقط، وخاصة الشباب الجدد الذين ما زالوا فى حاجة إلى تثبيت أقدامهم فى مجال التمثيل فى مصر.. فحتى الأفلام والدراما العالمية الحالية الآن تتجه إلى البطولات الجماعية لتجتذب الجمهور وتعطى كل ذى حق حقه.. ولا نرى بطلًا أوحدًا أو بطلة وحدها تكتب فى البداية وبعدها أسماء بقية الأبطال والنجوم والممثلين، وكأنهم يؤدون أدوارا ثانوية ليس لهم حق فى التألق والتركيز على أسمائهم، خاصة مَن لهم مسيرة متميزة ومكانة استحقوها بجدارة وجمهور يحب أعمالهم.