رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لماذا لا نبنى على ما تقدم؟



ماذا لو أن أجدادنا وآباءنا فى ثلاثينيات القرن الماضى وحتى سنوات قريبة كانوا قد سلموا عقولهم لفقهاء تلكم الحقبة بدعوى أن «الكهرباء» من الشيطان، وأفتوا وحرضوا على تحريم إدخالها للبيوت؟.. أو استسلموا للتفسير الخرافى من قبل من شاهدوا دخول القطار بمقدمته مسرعًا على شاشة السينما لأول مرة، فهرولوا مسرعين خارج قاعة العرض باعتباره كأنه «عفريت وجن وشيطان»، وقالوا لا سينما جالبة العفاريت بعد اليوم، ولو أن بعض هؤلاء اعتبروا أن اللباس الرومى «سروال وفيستة أو جاكيت وسباط» ينبغى تحريمه فى المدن العتيقة المعروفة؟.. ولو صدقوا أن ظهور الطائرات فى سنوات الحرب العالمية فى البوادى والحواضر قد دفع الناس إلى اتباع دعوات الرحمة والاستعاذة بالله، والهرولة بالجلاليب للاحتماء فى الزوايا ودعاء اللطيف، حيث قالوا وأشاعوا أن الطائرة هى الشيطان عينه الآتى من السماء؟
أما وقد تجاوزنا تلك المفاهيم نحن أبناء وأحفاد بناة أعظم حضارة، وعبر كل إشراقات عصور التنوير أدركنا دور العلم وروعة الفنون وعبقرية البناء، فقد تيقنا عبر رسائل الأديان ذاتها- التى شوّهها من كان عليه تعريفها وتقديمها وتعليمها للناس- أنها لا تُعارض الاستفادة بمنجزات الحضارات وتبادل منافعها، والعمل على تطوير مكتسباتها العلمية وإبداعاتها الفنية والجمالية والتنموية البناءة.
منذ إطلالات حضارة المصرى القديم، وحتى عصرنا الحديث وعهد محمد على «مؤسس مصر الحديثة» وإلى زمن بناء السد العالى وحفر القنوات العظيمة، وبناء أساسيات دولة صناعية، وتحقيق العبور العظيم وانتصار ٦ أكتوبر الأسطورى، وروعة احتشاد شباب ٢٥ يناير ووحدتهم الوطنية قبل هبوط التنين الأسود الغبى على براح الميدان، وبعده ثورة أهل الثقافة والتنوير أمام مكتب وزير الثقافة الإخوانى، لتلتئم حشود الشعب بمليونياته العظيمة يوم ٣٠ يونيو، لصياغة فعل ثورى شعبى مدعوم بقوى جيش وطنى عظيم لاستعادة الهوية المصرية التاريخية الخالدة.. عبر كل تلك المحطات التاريخية العظيمة، كان لشعبنا العظيم أن يُحدث فى كل مرحلة طفرات عظيمة، ولكن للأسف كان يَحدُث بعد كل قفزة حضارية وإنسانية توقفٌ عن التصعيد وترقية الفكر والارتفاع بالبناء، ونُصاب بداء الانقطاع المعرفى والحضارى والإنتاجى، وبعض نوبات ذلك الداء العضال يعود لظروف تاريخية قهرية، والبعض منها للأسف قد يكون لحالات من الكسل العقلى أو تداعيات تسريبات فكر ومعتقدات أزمنة أصحاب التوكيلات الإلهية المزعومة والكاذبة.
■ عرفنا فى دولة «محمد على» يعنى إيه «دولة مدنية»، وتعليم البنات، وكتابة الدساتير وتشييد الجسور وأعظم أنظمة وأبنية الرى، وبداية العمل النيابى وإنشاء أول مجلس نيابى، والاستثمار فى العقول والتواصل مع أهل العلوم والتقدم العلمى فى كل الدنيا.. ثم كان التوقف وكانت الحركة فى المكان ووهم تحقيق الإنجازات.
■ عرفنا مع دولة «ناصر» يعنى إيه الذهاب لعصر الصناعة، وبناء السد العالى ذلك المشروع العملاق بتحدى كل المستحيلات، وبالذهاب لإعمال تطبيقات علوم ذلك العصر.. ثم كان التوقف والهبوط لمعتركات غبية ووصولًا لنكسة ٥ يونيو.
■ ولكن ومع «دولة ناصر» بعد الإفاقة كانت إعادة بناء الجيش الوطنى والأخذ بمعطيات العلم فى التجهيز العسكرى والتدريب وبناء المقاتل العصرى، ليتحقق لنا فى النهاية النصر فى أكتوبر ٧٣.
■ وكان لنا فى «دولة السادات» ما عرف بعبقرية روح أكتوبر، التى بدفعاتها المعنوية والشعبية عرفنا معنى حلاوة الإنجاز وتحدى كل المستحيلات.. ولكن بعدها اختفت روح أكتوبر.
■ عادت روح أكتوبر فى نفوس وضمائر شباب ٢٥ يناير وكانت لتجلياتها فى الميدان ما شهد به العالم كله.. أين روح يناير ولماذا لم تصمد فى مواجهة طاغوت أهل الشر حتى كانت وكسة «سنة حكم الإخوان» وما خلفوه لنا من خسائر فى البشر والحجر والوحدة الوطنية وحالة الاندماج الإنسانى والسلام الاجتماعى بين البشر على الأرض.
■ وتعود الروح الأكتوبرية إلى البدن المصرى من جديد، يتحرك ذلك البدن الجماهيرى بنبل وبسالة نحو استعادة الهوية وانتشالها من براثن جماعات التخلف والقهر الفكرى الديكتاتورى بدعم من قواتنا المسلحة بوطنية وعزم وولاء لشعب قدم الكثير عبر التاريخ.
■ الآن، ولا ينكر جاحد ما حدث ويحدث على الأرض من إنجازات خيالية مع قائد لديه حلم رائع لبلد عظيم، لا ينبغى أبدًا التوقف عند مقابلة أى تحديات، تعالوا للبناء على ما تقدم بالأخذ بأسباب العلم، فينك يا «مدينة زويل» وحلم إنشاء القاعدة العلمية.. ننتظر شباب جامعة النيل وإنجازاتهم العلمية.
■ فلنذهب إلى تفعيل وتحريك وتعظيم دور «القرية الذكية» وتوسيع دوائر تطبيقاتها، انشروا فى كل أنحاء المحروسة مراكز وبيوتًا للبحث العلمى واستطلاع الآراء.. افتحوا قنوات تليفزيونية ومحطات إذاعية ومواقع إلكترونية وجرائد ومجلات للبحوث العلمية ودعم أهل الاختراع.. أقيموا تحالفات وتشابكات إيجابية بين أهل التنوير الوطنيين وأهل العمل الروحى فى الكنائس والمساجد وجمعيات العمل المدنى، ليدشنوا معًا مدارس ومستشفيات ودور سينما وأوبرا ومسارح ومعارض فنون وتماثيل ميادين ومصانع ومزارع.. نوّروا دنيانا بفكر جديد مع فارس مسيرة مستنير له حلم ينبغى الاحتشاد معه وبجانبه لتحقيقه.. ابنوا على ما تقدم، فما تقدم عظيم ويستحق البناء عليه.