رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإمام محمد عبده.. الإصلاح الدينى أم تجديد الخطاب الدينى؟


الإصلاح الدينى عند محمد عبده هو «تنقية الدين الإسلامى من الشوائب التى طرأت عليه»
دُعِيت إلى حلقة نقاشية على إحدى الفضائيات، وطلب منى المذيع- وكان شابًا- الحديث عن الإمام محمد عبده، وبدأت حديثى عن الشيخ الإمام بأنه من زعماء الإصلاح الدينى فى العصر الحديث. وهنا ارتعد المذيع الشاب، ولم أفهم سبب حالة الوجوم التى ارتسمت على وجهه، وبعد صمتٍ قصير قال لى: تقصد أن الإمام محمد عبده كان من أنصار تجديد الخطاب الدينى. حاولت أن أوضِح له كمؤرخ أن المصطلح المتداول فى نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين هو «الإصلاح الدينى» و«مُصلِح دينى». ولكنه رد علىّ بحدَةٍ وخوف فى الوقت نفسه: كيف نقول «إصلاح دينى»، هل فسد الدين حتى نُصلحه؟ هذا تجرُأ على مقام الدين!.
ولأن اللقاء كان مُباشرًا- أى على الهواء كما نقول- ورفقًا منى بحماس المذيع الشاب وخوفه وحساسيته فى الوقت نفسه، حاولت أن أُوضِح له وللمشاهدين حقيقة الأمر وكيف نقرأ التاريخ فى إطار عصره، وليس تحت سيف الحاضر ومخاوفه غير الحقيقية والمُبالغ فيها أحيانًا كثيرة.
حاولت أن أُبيِّن أن مصطلح «الإصلاح الدينى» كان هو المصطلح الأساسى لحركة النهضة فى عالمنا العربى والإسلامى، ولم يرتعد أمامه أحد فى زمانه كما ارتعد المذيع الشاب، أصر المذيع الشاب على رفض مصطلح «الإصلاح» والتمسك بمصطلح «تجديد»، وهنا كان لا بُد أن أعود بالمشاهد إلى رحابة التاريخ، لكى نكتشف أننا أحيانًا كثيرة أسرى واقعنا الأليم، وقلت له إن أحمد أمين وهو من أهم مَن كتب عن تاريخ الإسلام، وتاريخ الفكر الإسلامى، فهو صاحب «فجر الإسلام»، و«ضحى الإسلام»، وله أيضًا كتابه الشهير «زعماء الإصلاح فى العصر الحديث»، الذى يتحدث فيه عن زعماء الإصلاح الدينى، وعلى رأسهم الشيخ جمال الدين الأفغانى والإمام محمد عبده، ولم تقم الدنيا على أحمد أمين!، ولكن للأسف لا يُطبَع الآن كثيرًا كتابه «زعماء الإصلاح».
كما أشرت إلى الكتاب المهم الذى صدر قديمًا للعلامة جرجى زيدان ضمن سلسلة كتاب الهلال تحت عنوان «بُناة النهضة العربية»، وفيه قسم عن «رجال الإصلاح» وهم عنده السيد جمال الدين الأفغانى والشيخ محمد عبده والسيد عبدالرحمن الكواكبى وقاسم أمين.
فاجأنى المذيع الشاب بتعليقه: لكن الأزهر لن يقبل مصطلح «الإصلاح الدينى». فقلت له: غير صحيح، المشكلة أنك تُفسر التاريخ تحت سيف الحاضر والخوف والتوجس عند الحديث فى الأمور الدينية، مع إن الإسلام فى حد ذاته كان ولا يزال ثورة إصلاحية دينية واجتماعية.
وهدّأت المذيع الشاب قائلًا له: هل سمعت عن العلامة الأزهرى الكبير الشيخ عبدالمتعال الصعيدى؟، فأجاب: لا. فقلت له: هل قرأت كتابه «تاريخ الإصلاح فى الأزهر»؟، فصمت المذيع الشاب. وبدأت فى التوضيح وبيان الفرق بين مصطلح «الإصلاح الدينى» و«تجديد الخطاب الدينى»، وأن مصطلح «الإصلاح الدينى» هو المستخدم تاريخيًا، وأنه الأشمل والأعمق، وأن تجديد الخطاب الدينى هو جزء من الإصلاح الدينى. وبدأت فى بيان مفهوم الإصلاح الدينى عند الأستاذ الإمام محمد عبده، إذ هو «تنقية الدين الإسلامى من الشوائب التى طرأت عليه، وتقريب المسلمين من أهل التمدن الحديث ليستفيدوا من ثمار مدنيته علميًا وصناعيًا وتجاريًا وسياسيًا».
وهكذا فإن تجديد الخطاب الدينى يعنى الجزء الثانى من الإصلاح الدينى، بينما تبقى الفريضة الغائبة، أى الجزء الأول «تنقية الدين الإسلامى من الشوائب التى طرأت عليه».
تحية للأستاذ الإمام محمد عبده.