رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أزمة «شيخ الحارة»


الحرية والجرأة لا تعنيان أن نقتات على أعراض الناس ونتسلى بحكاياتهم التى قد تكون مخزية، ولا تُعد موافقة البعض على الجلوس إلى كراسى الاعتراف وقص أطراف من حياتهم، أو الدفاع عن بعض ما صدر عنهم من تصرفات، قد تكون مخجلة، تحت بند ما تقاضونه من أجر عن هذه الاعترافات، مبررًا لأن تكون تلك الحكايات والأقاصيص نموذجًا نقدمه لمجتمع ما زال يعانى خللًا فى سلوكه وارتباكًا فى معتقداته، وكثير من مدخلات أخلاقه..
لذا، جاءت الأزمة التى فجّرها قرار المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام، برئاسة الكاتب الصحفى مكرم محمد أحمد، بشأن قناة «القاهرة والناس» بسبب برنامج الإعلامية بسمة وهبة «شيخ الحارة»، نتيجة منطقية لبعض محتوى عدد من حلقات البرنامج، خاصة حلقة ياسمين الخطيب، التى رأى المجلس، بعد أن لاحظ المشاهدون قبله، خروجها عن القيم والأخلاق والخوض فى الأعراض واستخدام ألفاظ وعبارات مسيئة تتنافى مع حق الجمهور فى مشاهدة إعلام هادف، ومخالفتها ميثاق الشرفى المهنى والمعايير والأعراف المكتوبة «الأكواد».
الأمر لم يقف عند حلقة ياسمين الخطيب، بل تعرضت حلقة الفنان ماجد المصرى، بنفس البرنامج لهجوم كبير بسبب عنصريته، بعدما حكى فيها عن موقف تعرض له من قِبل أحد زملائه، عندما طلب منه أن يقابل بنات معجبات به فى ميدان روكسى، عند الساعة الثانية صباحًا، ووافق ماجد على مفاجأة صديقه، ممنيًا نفسه بمقابلة ثلاث «مُزز»، ولكنه فوجئ بأن «الفتيات» أفارقة، قام بمعاملتهن معاملة سيئة، وأجبرهن على النزول من سيارته، مما أثار استياء رواد مواقع التواصل الاجتماعى متهمين ماجد المصرى بالعنصرية، خاصة أننا أبناء قارة إفريقيا، ومصر الآن رئيس للاتحاد الإفريقى.
بالتأكيد، لم يكن كل ما عرضته الشاشات فى رمضان شرًا مستطيرًا، بل كانت هناك جوانب إيجابية جاءت فى كثير مما عرضته شاشات القنوات، وهو ما أكده التقرير المعد من لجنة الرصد والتقييم الإعلامى بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام حول أداء الشاشات فى رمضان الحالى، حيث ناقشت بعض المسلسلات قضايا المجتمع ومشاكله منها «كلبش3» الذى سلّط الضوء على بطولات الجنود والضباط الذين يواجهون الإرهاب ورصد معاناة أسرهم، وهو ما يؤكد حاجة الشاشات إلى المزيد من هذه الأعمال خاصة أنها تحظى بأعلى نسب المشاهدة، ورأت اللجنة فى تقريرها أن هناك غيابًا إبداعيًا عن تناول قضايا الشهداء وبطولاتهم باعتبارها إحدى أهم قضايا وجود الوطن وتقدم القدوة والنموذج للنشء والشباب، مشيرة إلى أنها رصدت انخفاضًا ملحوظًا فى المشاهد التى تمثل إهانة للمرأة المصرية عن الأعمال التى تم بثها العام الماضى، رغم عدم وجود أعمال درامية تليق ببطولاتها وتضحياتها، كما ناقش برنامج «ورطة إنسانية» بشكل جديد ومتميز السلبيات فى المجتمع، مؤكدة أنها رصدت أن بعض الإعلانات هذا العام احتوت على أعمال إبداعية راقية قدمت النموذج والأمل والبهجة، وأنها رأت ضرورة توجيه الشكر إلى الكيانات الإعلامية الكبيرة التى التزمت بالمعايير وحذفت الكثير من الألفاظ والعبارات والمشاهد المسيئة التى تضمنتها الأعمال الدرامية هذا العام، وهو الأمر الذى حظى باستحسان المشاهدين. من ناحية أخرى، تم رصد 69 مخالفة فى سبعة مسلسلات، خلال الأسبوع الثانى من شهر رمضان تنوعت ما بين «ألفاظ مبتذلة، وإيحاءات جنسية، وإهانة المرأة، وتوظيف الدين سلبيًا، ومخالفة كود الطفل»، ونال مسلسل «مملكة الغجر» نصيبًا من اسمه، إذ تم رصد 17 ملاحظة بمخالفات فى الحلقة العاشرة، منها 16 لفظًا مبتذلًا منها «بتشم إيه، أفغانى على أبوه، إسفوخس عليك، رجالة غجر»، أما مسلسل «قمر هادى» فتضمن فى حلقته التاسعة 7 ملاحظات أبرزها إهانة الأب والمرأة، بينما كان هناك ترويج للمخدرات فى الحلقة العاشرة من «شقة فيصل»، فى مشهدى تدخين بانجو فوق سطح أحد البيوت ووزن أكياس البودرة، من إجمالى 13 ملاحظة.
صحيح أن عمل اللجنة اقتصر على متابعة مدى التزام الشاشات بالمعايير المهنية الإعلامية التى أصدرها المجلس ولم يتطرق عملها للنواحى الفنية الإبداعية داخل الأعمال الدرامية، إلا أن التركيز الشديد للإعلانات داخل الأعمال الدرامية وبمدد زمنية كبيرة تسبب فى إصابة المشاهدين بالملل وعزوفهم أحيانًا عن المتابعة، كما أفقد المسلسلات بريقها وجاذبيتها عند كثير من المشاهدين، باختصار كان رمضان مناسبة كبيرة لمحاولة إعادة قيم الولاء والانتماء لهذا البلد وتربية الأجيال الناشئة على القيم المصرية الأصيلة والأصول التربوية الصحيحة، ولكن خيرها فى غيرها.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.