رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"مصانع موقوتة".. "الدستور" تفتح ملف ضحايا انتشار المصانع في المناطق السكنية

جريدة الدستور

جو ملبد بالغيوم، أدخنة متصاعدة وغبار يتطاير في الجو، سماء غلب عليها اللون الرمادي، الرؤية هنا معدومة، يكاد الجميع يختنق هنا، الأهالي تعاني من مشاكل صحية مختلفة فضًلا عن الأرق والضوضاء التي لا تنقطع ليلًا أو نهارًا.

بداية يقول، عبدالباسط سلامة، موظف، من سكان منطقة طناش حيث توجد شركة النصر للمسبوكات في منطقته: "بالرغم من أننا لنا حظ من رؤية النيل الذي تطل عليه المنطقة التي أعيش بها، إلا أن الكثيرين هنا يعانون من مشاكل في التنفس وذلك بسبب الرائحة التي تملأ الجو، والتي كان السبب الأول فيها مصانع المسبوكات الحديدية التي تنتشر في قلب التجمعات السكنية، حتى أني بمرور الوقت أصبحت أعاني من مشاكل في الجهاز التنفسي بسبب الأدخنة والرائحة التي تنتج من انصهار وتصنيع المواد الصلبة كالحديد والنحاس".

تابع: "نفتقد الهواء النقي على الرغم من أننا نطل على نهر النيل هنا، رائحة الحديد موحودة باستمرار، والسحب تملأ السحاب، بالإضافة إلى المواد الكيميائية التي تتخلف عن انصهار هذه المواد وتتشربها الأراضي التي نزرعها حولنا، جميعنا في هذه المنطقة لا نشعر بالاستمتاع بالجو الريفي حولنا، أفقدنا مصنع المسبوكات هذه الميزة، ونأمل في قرار يتم على أثره نقل هذا المصنع".

وفي هذا السياق، تقدم تادرس قلدس، عضو لجنة الطاقة والبيئة بمجلس النواب، بطلب إحاطة لمصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، بشأن خطورة انتشار مصانع منتجات البلاستيك في وسط التجمعات السكنية، والتي بدورها تتسبب أضرار وخيمة على صحة المواطنين.

وطالب "قلدس"، بإعادة توزيع هذه المصانع في مناطق منعزلة، ولفت إلى أهمية بنائها عكس تيار الهواء حتى لا يتطاير الهواء محملا بالأتربة المحملة بالعناصر الثقيلة التي تخلفها تلك البيئة الصناعية، مضيفًا أن الخطر ليس على السكان فقط، بل إن هذه المصانع لا تمتلك تراخيص مزاولة النشاط، ويعاني العاملون داخلها من عدم كفاية وسائل التهوية داخل بيئة العمل، وعدم ارتداء العاملين لمهمات الأمن الوقائية، وهو ما يتطلب فرض رقابة قوية ولجان تفتيشية مستمرة لحصر المخالفات، والتعامل السليم معها.

عبد الباسط لم يكن الضحية الوحيدة التي تعاني عشوائية انتشار المصانع في محيط المناطق السكنية، فهناك نماذج أخرى كثيرة من أمثلته عبد الباسط كنتيجة طبيعية لعدم التخطيط العمراني الجيد في قلب التجمعات العمرانية.

في منطقة شبرا أيضًا وتحديدًا بهتيم، تغطي الأدخنة السماء بسبب كثرة انتشار المصانع، فالأجواء ملبدة بغيوم كثيفة، ولا يشكو الأهالي هنا من أي أمراض سوى الصدر، وأحيانًا السرطان والوفاة.

"خالد" طفل صغير أحد سكان المنطقة، يقع منزله قريب من أحد المصانع، شعر منذ فترة وجيزة بآلام في صدره، وبدأ يسعل بلا انقطاع، في البداية تجاهلت والدته الأمر وأرجعته إلى تغييرات الجو المتتابعة.

إلا إنه تكرر أكثر من مرة، إلى حد أن الصغير ظل يسعل طوال الليل ولم يذق طعم النوم، وأصيب بانتفاخ بالغ في معدته؛ ما دفعها إلى الذهاب لطبيب لمعرفة ما به، حتى أخبرها الأخير أنه مصاب بسرطان رئوي وآخر في الدم، لكونه يعيش في بيئة غير نظيفة أو صالحة للحياة.

الطفل توفي بعد مرور 6 أشهر على ذهابه للطبيب، فقضت عليه تلك الأدخنة، وفشلت رحلة علاجه في مستشفى سرطان الأطفال. والدته تؤكد أن الأطباء خلال فترة العلاج التي استمرت 6 أشهر، طالبوها بضرورة تغيير المنطقة التي تعيش فيها، حتى يتنفس ابنها هواءً نقيًا، إلا أن ضيق اليد حال دون ذلك.

يحكم بناء المنشآت الصناعية في مصر، المادة رقم (28) من قانون البيئة الصادر عام 1994، والذي يحظر بناء منشأة صناعية (أي مشروع ﻏﺮضه اﻷﺳﺎﺳﻲ ﺗﺤﻮﻳﻞ اﻟﺨﺎﻣﺎت أو اﻟﻤﻮاد اﻷوﻟﻴﺔ إﻟﻰ ﻣﻨﺘﺠﺎت) في منطقة تبعد عن التجمعات السكانية بمسافة أقل من 5 كيلو متر.

ليس ذلك فحسب، بل حظر اختيار مواقع معالجة وتصريف النفايات الخطرة الخاصة بتلك المنشآت في منطقة تبعد عن التجمعات السكانية والعمرانية بمسافة أقل من ثلاثة كيلو مترات، وفقًا لقرار مجلس الوزراء رقم 338 لسنة 1995 الذي نُشر بالجريدة الرسمية وقتها.

الدكتور إبراهيم صقر، استشاري الصدر وأمراض الرئة، يؤكد أن استنشاق تلك الغازات من المصانع تؤدي إلى تهتك في أغشية الشعب الهوائية، وتملأ الرئتين بكمية من السوائل التي تسبب انسداد قنوات التنفس، كما تسبب حرقة في الأنف والحلق والفم ويصل لحد الوفاة.

وشدد على أن خطورة الأمر تكمن في استمرار التعرض لتلك الأدخنة، والتي قد تؤدي إلى الوفاة، أو الإصابة ببعض أنواع السرطانات مثل سرطان الرئة، وإذا كان أحد الأفراد مُصاب بالسرطان فإن استنشاقه لهذا الغاز يعجل بوفاته.

في إحصاء صدر عن منظمة الصحة العالمية عام 2016، بشأن انتشار المنشآت الصناعية في المناطق السكنية بمصر، أكدت فيها أن ارتفاع نسبة أمراض الصدر والحساسية بمصر إلى أكثر من 10% لاسيما في المناطق الصناعية التي يقطن فيها المصريون، وأن مرض المياه على الرئة هو الأكثر شيوعًا بها.

وأشار الإحصاء، إلى أن هناك حوالى 3 ملايين مصريًا يصابون بحساسية الصدر ومرض السدة الرئوية في السنة، نتيجة التعرض للتلوث والغازات الكيماوية، تنتج مضاعفات منها ضيق الشعب الهوائية المتكرر والالتهاب، متوقعة أنه في عام 2020 تكون أمراض الرئة ثاني أسباب الوفاة في مصر.