حكايات أحمد نعينع مع الشيوخ والرؤساء
قال الدكتور أحمد نعينع، أحد أعظم من قرأوا القرآن الكريم، إنه بدأ رحلته مع كتاب الله منذ أن كان تلميذًا فى المرحلة الابتدائية، إذ كان صاحب صوت مميز يختاره الأساتذة ليستهل الاحتفالات المدرسية، أو يزكيه المشايخ للقراءة فى الموالد والمناسبات الدينية.
وأضاف القارئ الطبيب، فى حواره مع «الدستور»، أن المواطنين هم من منحوه لقب «قارئ الرؤساء».
وتحدث الشيخ نعينع عن كواليس رحلته مع القرآن، وعلاقته بالرئيس السادات، ومرافقته القارئ الراحل الشيخ مصطفى إسماعيل.
■ كيف بدأت رحلتك مع القرآن الكريم؟
- فى طفولتى كنت أحفظ القرآن على يد الشيخ أحمد الشوا، فى قريتى بمحافظة كفر الشيخ، وكان عمرى وقتها ثلاث سنوات، وكنت أقلد القارئ الراحل الشيخ أمين أحمد هلالى، لأننى كنت أحب صوته، إذ كان يحس ما يقرأ، وهذا ما جذبنى إليه وأنا طفل.
وحفظت القرآن عن طريق التلقين حتى وصلت للمرحلة الإعدادية، ولم يكتشف أحد موهبتى، لأن الوالد كان تاجرًا، والوالدة ربة منزل، لذا فأنا لم أرث هذه الموهبة، ولكنها كانت هبة من الله.
وعندما تقدمت فى مراحل الدراسة الابتدائية والإعدادية والثانوية برزت موهبتى بشكل أكبر، وبدأت أقرأ فى الحفلات والمناسبات التى تقيمها المدارس مثل عيد الأم، والنصر، والمولد النبوى، والمسابقات الدورية.
وفى فترة الثانوية سمعت تسجيلات الشيخ مصطفى إسماعيل، وجذبتنى طريقته، لأن له طريقة خاصة فى التلاوة فبدأت أقلده.
■ كيف التحقت بالإذاعة المصرية؟
- عندما كنت قارئًا لمسجد سيدى على السماك فى الإسكندرية، التى سكنت بها بسبب دراستى الطب هناك وعملى بالمستشفى الجامعى، حضرت وحدة تابعة للإذاعة المصرية إلى المسجد فى المولد النبوى، وبرفقتها قارئ. كنت أجهز نفسى للقراءة، لأنى كنت قارئ المسجد، وكانت طقوس الاحتفال تتمثل فى الاستماع لتلاوة القرآن الكريم وبعض الابتهالات الدينية لمدة ساعتين، ثم تناول الطعام ثم يترك الناس المسجد.
عندما تقدمت لأجلس على كرسى القارئ أخبرنى مسئولو وحدة الإذاعة بأننى لا يمكننى القراءة من خلال الإذاعة، إلا إذا كنت قارئًا معتمدًا لديهم.
وقتها لم أكن أعرف معنى أن تكون قارئًا معتمدًا، فسألت عن تفاصيل الالتحاق بالإذاعة، وجهزت نفسى للحصول على هذه الإجازة.
وقلت لنفسى لا بد أن أمتحن فى الإذاعة، وأن تتم إجازتى، وعندما تأتى الإذاعة مرة أخرى إلى المسجد فى المولد، فأنا من سأقرأ وليس أى قارئ آخر.
كان هذا هو هدفى ولا شىء غيره لوقت طويل، وبالفعل قدمت طلبًا للإذاعة، ولم يرد أحد إلا بعد فترة، وتحديدًا بعد ما قرأت فى حفلة يوم «الطبيب» أمام الرئيس السادات.
وعندما انتهيت من القراءة وجدت الإذاعية الراحلة آمال فهمى أمام باب نقابة الأطباء فى انتظارى لتسجيل حوار إذاعى من خلال برنامجها «على الناصية».
وبالفعل أجريت معها الحوار، وهى من حركت طلبى الذى قدمته للالتحاق بالإذاعة المصرية قارئًا للقرآن، وناشدت السيدة صفية المهندس، وكانت رئيسة الإذاعة وقتها، بتحديد موعد لاختبارى.
وبعد إذاعة الحلقة بأسبوعين أخطرت بموعد الاختبار، وامتحنت وبالفعل حصلت على الإجازة من لجنة الاستماع التى كان يرأسها الشيخ خليل رزق، شيخ عموم المقارئ، وعدد من علماء الأزهر، فتم اعتمادى، وسجلت أول قراءة لى فى عام 1979.
■ من أطلق عليك لقب قارئ الرؤساء؟
- الناس هم من لقبونى بذلك، وأطلقوا هذا اللقب عندما رأونى أقرأ أمام الرئيس السادات والرئيس مبارك، والمجلس العسكرى، وأمام الرئيس السيسى، والرئيس عدلى منصور، وعدد من زعماء الدول العربية والإسلامية مثل الراحل الملك فهد، والملك محمد السادس، وغيرهم من الملوك والزعماء، وأنا قرأت أمام الرئيس عبدالفتاح السيسى أربع مرات.
■ خصك الرئيس السادات بمكانة كبيرة لديه، ماذا عن كواليس هذه العلاقة؟
- سمعنى الدكتور حمدى السيد، نقيب الأطباء السابق، فى أكثر من مناسبة، فقال لى: استعد لتقرأ فى احتفالية يوم الطبيب 18 مارس فى عام 1979، أمام الرئيس السادات.
وبالفعل رتب مع نقيب أطباء إسكندرية وقتها، وذهبنا للحفل فى نقابة الأطباء، فقرأت أمام «السادات»، وكان فى هذا التوقيت يستعد للذهاب إلى كامب ديفيد بعدها بأيام.
كنت جالسًا أحضر نفسى والآيات التى سأتلوها لأنى كنت أعرف ميعاد الحفلة والأحداث، ووجدتنى أختتم التلاوة بهذه الآيات من سورة النمل: (إنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَقُصُّ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الَّذِى هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِى بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ).
وعندما أنهيت تلاوتى، نزلت من على المنصة مباشرة دون الالتفات خلفى، فوجدت من يقول لى: ارجع الرئيس وقف للسلام عليك، فرجعت ووجدت الرئيس يمد يده لى ليصافحنى فرحًا بالآيات، ثم قال الرئيس للدكتور حمدى: هل اخترت له الآيات؟ فقال له: لا.
وبعد اعتمادى فى الإذاعة فوجئت برئاسة الجمهورية تتصل بى وتقول إن الرئيس السادات يريدك فى السكرتارية الخاصة به طبيبًا خاصًا، وكان لديه أربعة أطباء غيرى فى السكرتارية.
وبعد أن التحقت بالسكرتارية الخاصة بالرئيس كانت زوجته السيدة جيهان تعرفنى، لأنها كانت تحضر فى عشرات الاحتفالات فى الإسكندرية، وكنت أقرأ أمامها.
بعد ذلك أصدر الرئيس قرارًا أنه بجوار عملى كطبيب، فأنا من عليه أن يفتتح كل الاحتفالات والمناسبات التى يحضرها بتلاوة القرآن الكريم.
■ هل هناك ذكريات ومواقف لا تنسى بينك وبين الرئيس السادات؟
- كان الرئيس السادات حافظًا للقرآن، وفى كل عام يذهب إلى وادى «الراحة» فى سانت كاترين جنوب سيناء، ليعتكف فى العشر الأواخر من رمضان.
وكنا نجلس فى العصارى فى الصحراء على الرمل فى مكان مرتفع، وكان يحب أن يسمع القرآن بعد صلاة العصر، وكنا نجلس فى استراحات خشبية متواضعة وهو كان يجلس فى فيلا صغيرة خشبية ويجلس على حصير بسيط.
وفى يوم كنت أقرأ القرآن ولم يسمعنى، وقال لى مازحًا: «انت ياللى بتقرأ ما تقرأ وتسمعنا»، وكان المكان هواء ولم يسمعنى وكنا نبعد عنه بـ60 مترًا، وكان هذا الموقف عام 1980، فذهب فرد ممن كانوا معنا واشترى ميكرفون ببطارية وظللت أقرأ فيه.
وكان يحضر قبل صلاة الجمعة بنصف ساعة يستمع لقرآن الجمعة، ومن خلال حضورى معه كان طيبًا رحيمًا محبًا للناس ولخدمتهم حافظًا للقرآن متواضعًا.
■ ماذا عن علاقتك بالشيخ مصطفى إسماعيل؟
- تعرفت على الشيخ مصطفى إسماعيل عندما كان قارئًا للرئيس السادات، فى عام 1970 وكنت وقتها طالبًا فى كلية الطب، وقرأت أمامه عن طريق أحد مستمعيه.
كنت أذهب للاستماع لتسجيلات الشيخ فى قهوة بحى المنشية بالإسكندرية كانت تذيع تسجيلاته مقابل شراء مشروب كل خميس.
وفى إحدى المرات، قال لى عم محجوب صاحب القهوة: «أنت بتسمع فى القهوة ليه؟.. ما الشيخ موجود فى اسكندرية فى حى اللبان»، ووصف لى المكان، وبالفعل ذهبت إلى الشيخ مصطفى، ووجدت عنده عم أحمد خليل وكان يعرفنى فقدمنى للشيخ وقرأت بين يديه، فأعجب بصوتى وضمنى إلى محبيه، واصطحبنى فى سيارته وجلسنا على القهوة التى كنت أستمع إليه فيها، وتناولت معه العشاء وأصبحنا أصدقاء ورافقته لمدة 8 سنوات منذ 1970 إلى أن لقى ربه عام 1978.
وكانت لنا ذكريات وقصص جميلة، وفى أثناء علاقتى بالشيخ مصطفى إسماعيل كنت قارئًا فى مسجد سيدى على السماك، وكنت أستضيفه للقراءة، وكان يأتى إلى المسجد أيضًا الشيخ عبدالحليم محمود، شيخ الأزهر وقتئذ، يحاضر بالمسجد ويجلس فى الضريح، وقرأت أمامه وأصبحت من المقربين له.
■ من مشاهير القراء الذين أثروا فيك؟
- الشيخ أمين هلالى، أثناء الطفولة، ثم بعده الشيخ مصطفى إسماعيل الذى كنت أقلد صوته قبل أن ألقاه، وتعلمت منه المقامات الموسيقية وطريقته فى التلاوة، وأحكام التلاوة، وتأثرت بالشيخ محمد رفعت، وهو من الجيل الذى كان يسبق جيل الشيخ مصطفى إسماعيل، والشيخ الشعشاعى ومحمود البنا، والحصرى والشيخ الطبلاوى.
■ هل عاصرت أحدًا من جيل الشيخ محمد رفعت؟
- التقيت مرة بالشيخ محمد صديق المنشاوى حينما كنت صغيرًا عندما جاء يقرأ فى مسجد سيدى أبوالعباس المرسى، ووقتها كنت أحفظ القرءات على يد الشيخة «أم السعد»، وفى أوائل عام 1969 قرأت أمامه وأعجب بتلاوتى وأحكامى فهذه كانت المرة الوحيدة فقط وسمعته فى عزاء مرتين بعدها دون رؤيته.
■ كانت هناك صداقة بينك وبين الشيخ محمود خليل الحصرى، ماذا عنها؟
- جمعنى بالشيخ الحصرى عزاء فى مسجد الدسوقى، وعندما كنت فى مسجد الشيخ على السماك جاء إلى المسجد، وقرأت فى حضوره وقال لى: «أنت ولد برعم ولك مستقبل فى التلاوة» وكان سعيدًا بأدائى، وعندما حضرت إلى القاهرة لأقرأ فى مسجد الحسين بعد اعتمادى فى الإذاعة أبلغونى بأنى سوف أقرأ أنا والشيخ الحصرى، وسوف يبتهل الشيخ نصر الدين طوبار، وكان هذا بعد فترة زمنية من لقائى به فلم يتذكرنى الحصرى فى البداية، وهو افتتح التلاوة وظل فى مكانه، وبعدها قدمنى المذيع فالتفت لى فقرأت وانبسط منى جدًا وتذكرنى، وسألنى عن مكان إقامتى فقلت له فى فندق، فأصر على أن يصحبنى لبيته لأقيم عنده.
وفى اليوم التالى كان ابنه الشيخ على يبتهل معى ويقدم لى طعام العشاء، ووقتها كان الشيخ الحصرى قارئًا لمسجد سيدنا الحسين وبعدها بفترة أصبحت أنا قارئ المسجد، وهو المكان الذى سبقنى إليه قراء كبار مثل الشيخ محمود البنا، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد.
ورحل الشيخ الحصرى عام 1980 بعد صداقة دامت أكثر من عامين، وفى عام 1982 عينت قارئًا لمسجد الحسين، باختيار الدكتور الأحمدى أبوالنور، وزير الأوقاف وقتها، وأصدر قرارًا إداريًا بذلك.
■ معظم قارئى القرآن يحرصون على ارتداء الزى الأزهرى، فلماذا ترتدى العباءة مع البدلة؟
- أنا لست أزهريًا لكى أرتدى الزى الأزهرى، لأننى درست فى مدارس التعليم العام، وأنا أول قارئ يرتدى العباءة على البدلة، فعندما كنت أستعد للقراءة من خلال التليفزيون قالت لى همت مصطفى، رئيسة التليفزيون وقتها، كيف ستظهر هكذا للناس بالبدلة فقط، وهم معتادون على رؤية القراء بالزى الأزهرى؟، فلبست العباءة العربية على البدلة.
■ سافرت إلى عدة دول.. ماذا تذكر من هذه الزيارات؟
- عندما كنت فى مدينة كيب تاون فى جنوب إفريقيا لقراءة القرآن، أسلم على يدى 11 شخصًا بعد أن جذبهم جمال القرآن، وبعدها ذهبوا إلى مجلس القضاء فى الدولة لتوثيق الشهادة، وكان هذا فى عام 1994، وبعدها زرت هذه الدولة مرة أخرى عقب فترة زمنية، فوجدتهم من أكبر حفظة القرآن.
وفى مدينة مانهايم الألمانية، التقيت مجموعة من النساء أردن الاستماع للقرآن وكانت معهم صديقة ألمانية، وعندما سمعت القرآن أسلمت ولقنتها الشهادتين.