رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

خواطر أليمة فى حادث شبرا الخيمة


فوجئ المصريون بصفة عامة، والأقباط بصفة خاصة، صباح الإثنين 13 مايو 2019، بحادث قيام عامل بإحدى كنائس منطقة شبرا الخيمة بقتل كاهن الكنيسة بالرصاص داخل مكتبه بالكنيسة، وهكذا توالت عمليات القتل داخل الكنيسة القبطية، بعد مقتل أسقف ورئيس دير الأنبا مقار فى 29 يوليو 2018 بداخل ديره، أقول إن كل هذا نتاج ما حدث فى الكنيسة القبطية يوم الأحد 4 نوفمبر 2012 وأمام هيكل الرب، حيث ما زال صوت الرب يتردد صداه فى الكنيسة- والذى ردده على فم «يشوع» نبى العهد القديم «فِي وَسَطِكَ حَرَامٌ يَا إِسْرَائِيلُ، فَلاَ تَتَمَكَّنُ لِلثُّبُوتِ أَمَامَ أَعْدَائِكَ حَتَّى تَنْزِعُوا الْحَرَامَ مِنْ وَسَطِكُمْ»، وما زال غضب الرب على شعبه، ومنذ ذلك الوقت ما زالت الضربات متتالية على الكنيسة!! لكن من يفهم؟
هنا تحضرنى الواقعة الآتية، وقد كتبها شاهد الواقعة الذى تجاوز 65 عامًا وقت تسجيله الواقعة، فكتب ما يلى: «حدث أن زار البطريركية القديمة أسقف (يونانى) فى زيارة غير رسمية، واستقبله البابا كيرلس السادس فى مكتبه البسيط، فرأى هذا الأسقف عصا فى مكتب البابا وطلبها منه على سبيل البركة، وأعطاها له البابا المحب للجميع كهدية. وهذه العصا لم تكن عصا رعاية ولم تسلم له فى أى طقس كنسى، ولكنه أخذها كبركة من يد البابا كيرلس السادس، سمع بهذا أحد الأساقفة فثارت ثائرته وغضب واعتكف فى الدير، وتعمد ألا يلقى عظته الأسبوعية، فثارت جموع الحاضرين، وهرعوا لمكتب البابا كيرلس مرددين (... عايزين الأسقف فلان). عندما علم الرئيس عبدالناصر بتجمهر حوالى 30 شابًا على البابا كيرلس، أصدر أمره باعتقالهم جميعًا، وعلم البابا كيرلس بما حدث، فكتب رسالة- وكان هذا الشخص حاضرًا وقت كتابة الرسالة- وكان نصها: «سيادة الرئيس.. إن من اُعتقلوا هم أبنائى وإن أخطأوا، لكن اعتقالهم يمزق قلبى». فأفرج عنهم الرئيس مباشرة، فذهب الرجال للبابا كيرلس ليشكروه، فقابلهم بالحب والتواضع والأبوة المعروفة عنه، وقال لهم: «أنتم زعلانين علشان الأسقف فلان راح الدير، بكرة يقعد معاكم كتير..»، هذا نموذج رائع من الأبوة الصادقة، أما الآن- للأسف الشديد- أصبحت كلمة «أبوة» تقال على المشاع، دون إدراك حقيقى لمعنى كلمة «أب».
واقعة القتل فى الجريمة الثانية تشير إلى سلبيات كثيرة فى منظومة الأداء الكنسى بشكل عام، وفى منظومة الاهتمام الصادق بالفقراء بشكل خاص، فكاهن الكنيسة- كما هو حال «بعض» الكهنة فى الكنيسة القبطية- يضع فى يده كل شىء، وهنا لا بد أن يعرف الكهنة أن ما حدث يمكن أن يحدث فى كنائس كثيرة، ولن تكون الحادثة الأخيرة، حيث يتعامل «بعض» رجال الدين مع الكنيسة على أنها مشروعه التجارى هو وأسرته و«بعض» رجال الدين أيضًا «ينتهجون سياسة التربح من أموال الكنيسة»، وظهر كهنة كثيرون يقيمون مشروعات واسعة بعد الكهنوت ويمتلكون الفيلات والشقق الفاخرة فى المصايف والمدن، بعد الكهنوت تصبح السيارات لدى «البعض» منهم «تتغير وتتبدل دون هوادة»، بل إن أحاديث الكهنة الأثرياء بعد الكهنوت تغطى أحاديث المجتمع القبطى هنا وهناك، ويغفلون أن الأقباط يشعرون بالمرارة لكل هذه الصور فى مرحلة صعبة على الجميع، وأصبح الكهنوت طريقًا للغِنى الذى يحلم به كثيرون، وليس طريق خدمة أو رسالة، وللأسف لا يعلم «بعض» الكهنة أن الكنيسة مكانها راحة وخلاص للنفوس ورسالة كل ما فيها السعى لخلاص الجميع، وللأسف من يفعلون هذه الأمور- على كل المستويات- يأخذون نفوسًا للهاوية ودمهم يطلبه الله منهم، قد تكون ندرة أصحاب الرسالة فى الذين يُقامون فى درجات الكنيسة، كما أنه اتجاه حاليًا لتقديم مكافأة لكهنة من المقربين جدًا للذهاب للخدمة فى بلاد المهجر، سواء كانوا كهنة أو رهبانًا!! وبكل أسف هذا المرض ليس فى الكهنة فقط، بل فى صفوف «بعض» الأساقفة.
وأمامنا أمثلة صارخة لما حدث فى إيبارشية «ملبورن» بأستراليا، وما يحدث فى إيبارشيتى «نيويورك» بأمريكا و«باريس» بفرنسا، وما يصدره أسقف «بنسلفانيا» بأمريكا- والمُقام بالعناد وبالمخالفة لقوانين الكنيسة على إيبارشية عليها أسقف شرعى وقانونى، من بيانات لمنع شعبه من التبرع لدير مار يوحنا القبطى التابع لمؤسسه الأنبا بطرس بمصر؟ أو ما فعله أسقف «الإسماعيلية» من السيطرة على التبرعات لأقباط العريش، ومنعها عن أسقف شمال سيناء صاحب الحق الأول فيها؛ ليقوم بتوزيعها على شعبه، كما تحول «بعض» الأساقفة إلى رجال أعمال وبناء أبراج بملايين كثيرة، مثل حالات «برج أبؤورو»- أى برج الملك- بملبورن بأستراليا وبعدها اضطر الأسقف للاستقالة والهروب إلى «لوس أنجلوس» بأمريكا، بعد تزايد اعتراضات الشعب عليه، وبرج «أستوريا» بنيويورك، أو قيام أسقف «سيدنى» بإنشاء إدارة كاملة للاستثمار وإدارة المشروعات فى شرق آسيا واليابان؟ ويوجد العديد من الأمثلة لأساقفة الداخل فى مصر، بالإضافة إلى قيام عدد من الأساقفة بمغادرة مصر عقب عيد القيامة مباشرة بحجة إجراء فحوص طبية سواء بأوروبا أو أمريكا، وبكل أسف كل هذا وأكثر منه بكثير هو حديث الأقباط الحزين على ما وصلنا إليه، الخوف كل الخوف أن تكون الكنيسة فى طريقها رويدًا رويدًا لمصير الكنيسة الكاثوليكية فى العصور الوسطى، والتى كانت فى ممارسات شبيهة وافترسها حب المال والتملك والبُعد عن الإيمان الحقيقى والخدمة الصادقة.
أيضًا للأسف الشديد الكنيسة تسير فى اتجاه الانقسام والفُرقة، لأن أحد المسئولين صرح بأن مطران «لوس أنجلوس» قدم اقتراحًا بأن أقباط المهجر يمكنهم الاحتفال بعيد ميلاد السيد المسيح مرتين: 25 ديسمبر و7 يناير، أى انقسام هذا؟ وبالمناسبة فإن هذا الأمر عندما حدث فى الكنيسة اليونانية الأرثوذكسية بقبرص انقسمت الكنيسة إلى كنيستين: كنيسة تتبع التقويم القديم «7 يناير»، والأخرى تتبع التقويم الحديث «25 ديسمبر»، وبين الكنيستين قطيعة حادة وخلافات شديدة، كما أن هناك تفكيرًا فى ضبط عدد أيام صوم الرسل؟ وهذا مخالف لنظام الكنيسة، الذى استقر منذ عدة قرون وما أقره آباء الكنيسة الأولون، بالإضافة إلى أن الآباء الروحيين بالإسكندرية علمونا أن صوم الرسل هو صوم «الكرازة والخدمة والتعب»، لكنى أرى أن «بعض» أساقفة العصر الحديث أبعد ما يكونون عن التعاليم النقية والمفاهيم الصحيحة للكنيسة وروح آباء الكنيسة الأولين، كما أن هناك اجتهادًا غير كنسى وغير آبائى فى تحديد موعد للاحتفال بعيد القيامة مخالف لما حددته المجامع المسكونية والتزم به الآباء البطاركة «117 بطريركًا».