رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"تكية ملكية".. مائدة الملك فاروق "الطبيخ والعيش" بصاغ واحد

صورة من الحدث
صورة من الحدث

عادت عقارب الساعة إلى الخلف وتوقف قطار الزمان في أربعينيات القرن الماضي وبالتحديد فى شهر رمضان عام 1949، خرج موسى ذو التسع سنوات من منزله في منطقة باب الشعرية قاصدًا المطعم الملكي الذي اعتاد أن يتناول فيه غداءه اليومي، ولكن اليوم مختلف فهو أول أيام شهر رمضان فتأخر وجبة الغداء من الثالثة عصرًا وأصبحت فى الخامسة حيث موعد آذان المغرب.

طاولات كثيرة فُرشت أمام المطعم الذي افتتحه الملك فاروق فى منطقة باب الشعرية تحت لافتة "مطعم الملك فاروق الخيري"، وتجمع العشرات من الصائمين على الطاولات التي فرشت داخله وخارجه فى إنتظار الطعام.

"الدستور" عادت بالزمان إلى عصر الملك فاروق وبحثت عن المطاعم الخيرية التي افتتحتها الأسرة المالكة لإطعام الفقراء فى شهر رمضان.

مطعم الأميرة فوزية: 17عامًا في إطعام الفقراء
في شارع الناصرية وعلى بعد كيلو مترات قليلة من مسجد السيدة زينب افتتحت الأميرة فوزية ابنة الملك فؤاد الأول وأخت الملك فاروق في عام 1935 مطعمها الخيري، مبنى بسيط مكون من طابقين ورغم مرور مايقرب من 85 عامًا على افتتاحه إلا أنه مازال محتفظ بنسقه المعمارى المميز عن المباني الجديدة فى المنطقة، ومازالت لافتته المحفور عليها اسم المكان "مطعم الأميرة فوزية الخيري" شاهدة على ماقدمه المطعم للفقراء من سكان السيدة زينب رغم إغلاقه منذ قيام ثورة يوليو 1952.

عم محمد 65 عامًا صاحب المطعم الملاصق لتكية الأميرة فوزية، قال في حديثه مع "الدستور"، رغم أنني لم أعش الفترة التي كان المطعم مفتوحًا فيها إلا أنني وجميع سكان المنطقة نعلم أنه كان مطعم مخصص لإطعام الفقراء طوال العام وليس في شهر رمضان فقط، موضحًا أن المطعم كان يوزع أيضًا ملابس مجانية على الفقراء في بعض المواسم والأعياد.

وتابع الشؤون الاجتماعية التى سيطرت على المبني منذ سنوات طويلة تساعد أيضا المحتاجين من الأرامل وكبار السن، موضحًا أن الدور الأول للمطعم مخصص لذوي الاحتياجات الخاصة الذين يترددون عليه يوميًا للحصول على دورات تدريبية والقيام ببعض الأنشطة كما قال لي أحدهم، أما الدور الثاني فمخصص لموظفينالشؤون الاجتماعية.

والأميرة فوزية التى يحمل المطعم اسمها هي ابنة الملك فؤاد الأول ملك مصر والأخت الأقرب إلى الملك فاروق، وولدت فى عام 1921 قبل افتتاح المطعم رسميًا بـ 14 عامًا، وتوفت فى مصر منذ 6 سنوات فقط وبالتحديد فى عام 2013 عن عمر قارب 92 عامًا.

بجانب مطعم "عم محمد" جلس "السيد" 60 عامًا صاحب محل جزارة، وقال والدي كان دائم الكلام عن هذا المطعم وكان يحكي دائمًا عن تردد العشرات من الفقراء عليه للحصول على الطعام الذي يوزع طوال اليوم مجانًا، موضحًا المطعم كان يقدم 3 وجبات لخدمة سكان المنطقة زينب ولم يكن أحد من العاملين فى المطعم يطرد فقيرًا أو يتعامل معه بسوء.

وأكد أن المطعم تم إغلاقه بعد قيام ثورة 1952 حتى تحول إلى مقرر للشئون الاجتماعية لكنه احتفظ بلافتته الأصلية كمطعم خيري للفقراء.

مطعم فاروق الخيري.. اللحوم والخضروات بصاغ واحد ومجانًا للفقراء
فى إحدى الحارات الضيقة المتفرعة من شارع الجيش بمنطقة باب الشعرية، وجدنا مطعم فاروق الخيري مبني صغير مكون من طابقين بابه الذي احتفظ بلونه الأخضر مغلق بقفل كبير.

المطعم الذي أغلق منذ مايقرب من 70 عامًا مازال اسمه يردد على لسان سكان المنطقة، فبمجرد دخولك منطقة باب الشعرية للسؤال عن مكان المطعم تجد العشرات يدلوك عليه، ومطعم فاروق الخيري يعد واحدًا من بين 1500 مطعم افتتحهم الملك فاروق من إسكندرية إلى أم درمان بالسودان وكانت تقدم الـ 3 وجبات مجانًا لكل أفراد الشعب.

بجوار المطعم المغلق بحثت "الدستور" عن بعض سكان المنطقة الذين عايشوا افتتاح المطعم، وقابلنا "موسى مصطفى "82 عامًا، وكان واحدًا من الزبائن الدائمين على المطعم الخيري، موسى الذي يملك محلًا لبيع المنظفات على بعد مترات قليلة من المطعم المغلق، قال كان يأتي للمطعم زبائن من كل المناطق المحيطة بباب الشعرية، وكانت الوجبة تقدم مقابل صاغ واحد من يملكه يدفع ثمنها ومن لايملكه يأكل مجانًا.

وأضاف وجبة الغداء كانت مكونة من طبق خضار وقطعة لحم وأرز وسلطة، أما الفطار فكان طبقه الرئيسي هو الفول والعيش، موضحًا تناولت الغداء فيه أكثر من مرة دون مقابل ولم أواجه أى معاملة سيئة من القائمين عليه بل على العكس كانوا يعاملون الناس جيدًا ويقدمون طعامًا شهيًا.

وفى رمضان كانت الموائد تمتد إلى خارج المطعم ولعدة مترات في الشارع، استطرد عم موسى فى حديثه بعض الزبائن كانوا يأخذون الطعام ويأكلون فى المطعم والبعض الآخر كان يذهب به إلى منزله.

لاأتذكر أننى شاهدت الملك فى المطعم يومًا لكنه كان يمر أحيانا بمنطقة باب الشعرية وكنا نقف جميعًا لمشاهدة الموكب وهو يمر أمامنا علق موسي قائلًا "أيام الملك كانت جميلة وكان بيراعي الفقيرومهتم به كما يفعل الرئيس السيسي الآن".

تركنا عم موسي ودخلنا فى الحارة التى يقف المطعم على ناصيتها وتحدثنا مع أم محمد 60 عامًا وتسكن فى منطقة باب الشعرية منذ 50 عامًا وقالت من شباك منزلها فى الطابق الثاني لأحدى المباني القديمة فى الحارة " كنت أعرف أنه مطعم خيري لكن من أول ماسكنت هنا كان مغلق والشؤون الاجتماعية تسكنه".