رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ياسر رشاد عبدالعال: أعمل على تقديم أغنية صعيدية معاصرة

جريدة الدستور

ملك الكف
يعد رشاد عبدالعال واحدًا من أشهر نجوم «فن الكف» فى صعيد مصر، ارتبط اسمه بالحديث عن الفن الجنوبى عمومًا، ووصلت شهرته إلى أن شاع فى الصعيد أنه يجب الاتفاق على إحياء ليالى الزفاف مع «رشاد» قبل الاتفاق مع العروس نفسها. و«فن الكف» واحد من أشهر الفنون التراثية الشعبية فى محافظات الصعيد، وله أصول فرعونية قديمة، ويقوم على تقديم أغانٍ وموروثات شعبية مميزة. وترك رشاد عبدالعال ميراثًا غنائيًا مميزًا، وسجل نحو 700 حفلة على شرائط الكاسيت والفيديو، وله 10 ألبومات. وعلى درب الوالد يسير الابن، الفنان ياسر رشاد عبدالعال، الذى أصبح واحدًا من نجوم «فن الكف»، وأحدث ضجة بين جمهور السوشيال ميديا مؤخرًا بعد أدائه أغنية «خطوة». «الدستور» التقت ياسر رشاد فى حوار تحدث خلاله عن سمات «فن الكف»، ومسيرة والده، وطموحه فى تقديم أغنية صعيدية معاصرة.
■ بداية.. ماذا عن فن الكف الصعيدى؟
- «الكف» وجبة أساسية لدى «الصعايدة»، فهو فن مصرى جنوبى عظيم، مهضوم حقه، ذو خصوصية وملك لبيئته، لذلك لم ينتشر كثيرًا خارج الصعيد، على العكس من فن «المديح» مثلًا الذى يحظى بشعبية بين مختلف الشرائح والفئات الشعبية فى المجتمع المصرى، ولذلك كان أبى يرفض إقامة حفلات خارج مصر، إذ كان يتوقع الاصطدام بجمهور لا يعرف هذا النوع من الفن المصرى الجنوبى.
ويقوم فن «الكف» على الارتجال، ويعتمد على «الخانة»، وهى موال من أربعة أبيات شعرية مرتجلة، تلتزم بالقوافى والأوزان بمصاحبة ضارب الدف، بمشاركة «الكفافة»، الذين يصفقون فى إيقاع مناسب للدف، مع ترديد كلمات الخانة.
■ ما الفارق بين فن «الكف» و«النميم» و«الحضرة» ؟
- تختلف «الحضرة» عن «النميم»، فـ«الحضرة» تعتمد على ترديد الأوراد الصوفية، أما «النميم» فسُمى بذلك لأن من يغنيه يؤدى بالفم نغمات معينة قبل الغناء، أى أنه من «النمنمة» وليس «النم»، وأبرز أمثلته التراثية «نعناع الجنينة»، التى أحفظ منها نحو ألف بيت تتناول العديد من المشاعر مثل الهجر والخصام والعناد واللقاء وغيرها.
■ كيف كان تأثير بيئتك على غنائك؟
- نشأت فى بيئة كل من فيها يغنى، وبالتالى كان تعلقى بالغناء أمرًا طبيعيًا، ورغم شهرة والدى لكنه لم يدعمنى، ولكن كنت أصعد على المسرح وقت استراحته وأقوم بالغناء، كنوع من الهواية والمحبة.
وبدأت احتراف الغناء منذ التسعينيات، وتعلمت الارتجال كما هى عادة الفنانين الصعايدة، وذاع صيتى حتى أصبحت أُطلب بالاسم لإحياء الحفلات.
■ ما الذى جذبك لاحتراف فن «الكف» دون فنون وألوان الغناء الأخرى؟
- الأمر لا يقف عند تميز والدى فيه، ولكن لحبى طقوس غناء «الكف» المنتشرة فى الصعيد، حيث كل ما هناك يدفعك للتعلق بهذا الفن، ولك أن تصدق أننى كنت أحب المطرب «أبودرويش»، أكثر من محبتى لغناء والدى، فتميز أبى بغناء اللون الجعفرى باستخدام السلم السباعى، على عكس «أبودرويش» الذى كان يغنى السلم الخماسى الذى أحبه أكثر.
■ الارتجال سمة أساسية لـ«فن الكف».. كيف اتقنت هذه السمة؟
- اكتسبت هذه السمة من خلال جلساتى مع محبى «الكف» فى بلدنا، حيث يوجد الكثير من الشعراء الذين يجيدون ألوان الغناء مثل «الكف» و«النميم»، مثلما يكثر وجود شعراء «فن الواو» فى الأقصر وقنا. ولا بد لمغنى «الكف» أن يكون مطلعًا وقارئًا، حتى يكوّن قاموسه اللغوى والتعبيرى الخاص، ويكتسب خبرة الارتجال فى المواقف المختلفة.
ويغنى المطرب على حسب المذهب الكفافى «الخانة»، الذى تقوله مجموعة الشباب التى تدخل وتغنى أمامه، فيتبع غناءهم ويبنى عليه، بمعنى أنك لا تحدد ما ستقول، ولكن هم من يحددون، ولا بد أن يتجاوب المطرب معهم، باختصار هم يمنحونك القماشة وأنت تُفصّل عليها.
ولو فشل الفنان فى صياغة كلمات لا تناسب الحالة التى اقترحها الشباب عليه لفشل تمامًا، فلو كانت «الخانة» عن غدر الأصحاب فيجب على المطرب أن يلتبس هذه الحالة، ويبنى عليها بنفس الإيقاع، ويظل يغنى ويجود، كما أن كل من يدقون «الكف» فى الصعيد من الشباب «فاهمين تمامًا ما يُقال»، وبالتالى أنت تغنى فى وسط من العارفين بالأمر، فكيف تدير الحفلة وتبنى عليها، هذه مسئوليتك تمامًا كمطرب.
■ ما حكاية غنائك أغنية «خطوة» وانتشارها بقوة على السوشيال ميديا؟
- حكايتها أنها أعجبتنى جدًا، وكنت أغنى فى القونة بالأقصر فى حفل حضره الآلاف، وغنيتها بالفعل، رغم أنها ليست أغنية صوفية، ولكن الناس أحبتها لسهولتها وتناسبها مع إيقاع حياتهم ومفرداتهم، ولاقت صدى كبيرًا، حتى أن مطربها مصطفى حجاج كلمنى وقام بنشرها على حساباته الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعى، وكذلك مؤلفها عزيز الشافعى، ومنتجها نصر محروس.
لذلك أحاول خلال الفترة المقبلة أن أجد كلمات تناسب بيئتنا الصعيدية المعاصرة، وأيضًا يكون فيها جزء من تراثنا.
■ لنتحدث عن الوالد.. ما حكاية تعرضه للأسر من قِبل إسرائيل؟
- كان رشاد عبدالعال ضمن الجنود المصريين الذين شاركوا فى حرب اليمن، واستمر ضمن صفوف الجيش المصرى حتى أُصيب برصاصة فى القدم فى سيناء، أسر على إثرها فى معسكر عتليت الإسرائيلى، وظل لمدة 7 أشهر قيد الأسر، حتى عاد إلينا بعد المفاوضات بين الجانبين المصرى والإسرائيلى.
■ هل بدأ رشاد عبدالعال احتراف فن الكف عقب عودته من الأسر؟
- عمل أبى فى وزارة الصحة بعد عودته من الأسر لمدة طويلة، ولم يكن قد دخل «كار الفن»، وربما يرجع ذلك لأن «الكف» لم يكن قد دخل فى إحياء الليالى والأفراح، ولم يكن أحد يستدعى فنانى «الكف» لإحياء حفلات الزفاف.
أما عن بدايته الحقيقية فكانت فى الموالد الشهيرة بالصعيد مثل مولد «عامر وعمران» فى دراو، ومولد «الشيخ إدريس» فى كوم أمبو بأسوان، وفى هذه الموالد كانت تقام «حلقة الكف» يقودها المطربون الأوائل أمثال أبوغالى، ومدنى أبوزرار، وعبده المسلوب، وكان أبى صغيرًا حين ارتاد هذه الحلقات، وعرفوه لجمال صوته، وبعدها احترف على مستوى النجوع فى أسوان وغيرها، لينطلق بعدها فى عموم قرى الصعيد.
■ هل كان أول من أدخل آلة العود على «الكف»؟
- الحقيقة أن أبى لم يكن هو من أدخل آلة العود على «فن الكف»، وجاء الأمر بالصدفة البحتة، إذ كان هناك رجل يسمى «عبود»، وهو من أبرع من ضربوا على العود، وكان جارًا لفنان جميل اسمه الفنان «أبو درويش» الذى أدرك أهمية العود فاصطحب «عبود» ليغنى معه فى الحفلات.
وقتها كان أبى قد ذاع صيته وانتشر بقوة وكثافة أكثر من أى مطرب آخر، فعرض أبى على «عبود» أن يعزف له فى الحفلات الكثيرة التى ينظمها، فوافق «عبود» ومن وقتها أصبح مرافقًا لأبى، ولكن الحقيقة إن «أبودرويش» هو أول من أدخل العود إلى الحفلات فى الصعيد.
■ كيف اتجه الوالد لتسجيل أغانيه فى ألبومات؟
- اتفق أبى على تسجيل أغانيه فى أواخر السبعينيات، وأصدر أولى ألبوماته عام 1983، والفرق بين الغناء الحى لـ«الكف» وتسجيل الألبومات هو أن الألبومات دخلت فيها الموسيقى، ووصل مجموع ما سجله أبى من ألبومات إلى 10 تقريبًا، وأذكر أن أول ألبوم كان اسمه «الحلو عدى»، والثانى كان «قاضى الغرام يا قاضى»، كما ظهر خلال إعلان تليفزيونى فى تلك الفترة، ما أسهم فى انتشاره بقوة.
■ ما حكاية أول ألبوم له؟
- بدأت الحكاية عن طريق أحد الأقارب الذين يسكنون بالقاهرة، وكان يملك مقهى اسمه «السد العالى» بمصر الجديدة، واقترح على أبى تسجيل الألبوم، وقال له إن المنتج الفنى محروس، والد نصر محروس، ملك الساحة الإنتاجية فى ذلك الوقت، يسكن بجواره، وبالفعل اتفق أبى و«محروس» على إنتاج شرائط كاسيت بعد اقتناعه بصوته وأدائه.
وأصدر أول ألبوم، وغنى خلاله من كلمات وهبة الشاذلى وعبدالعال المصرى، وامتد الأمر لعشرة البومات بعد نجاح الألبوم الأول.
■ وكيف ترى «نعناع الجنينة» ما بين رشاد عبدالعال ومحمد منير؟
- «منير» غناها بشكل جيد، وكثير من الناس غنوها فى أسوان مثل سيد سعيد ركابى وغيره، ولكن الأغنية تتبع التراث الجعفرى من «فن النميم»، والتراث الجعفرى كبير جدًا، لدرجة أن الأبيات التى تنتمى إلى شاكلة ما غناه «منير» تبلغ 2500 مربع، والمربعات عظيمة وتضم فى طياتها أشكالًا متعددة للغناء منه السياسى والغزل وهكذا، المهم أنها تغنى ببحر معين وأوزان معينة أيضًا، وكل من وضع قافية لها راعى سياقها.
وأخطأ «منير» حين قال إنها من التراث النوبى، فغناء الكينج كله «نميم» من الفنانين الأقدمين فى أسوان.
■ تعيد فرق «أندرجراوند» إنتاج أغانى أبيك.. كيف ترى هذا الأمر؟
- «بتنادينى تانى ليه» التى غنتها فرق «أندرجراوند» ليست أغنية أبى، وإنما هى فى الأساس أغنية رمضان البرنس، ولكن أبى أعاد تلحينها وغناءها من جديد.
وكانت أغنية «البرنس» ذات صيت، وذاعت بين الشباب فى نجوعنا، وكان أبى يغنى فى حفل، فوقف الشباب أمامه وأعادوا توزيع الأغنية لتتماشى مع العود والكف الصعيدى، فرد عليهم أبى بما ارتجله، فذاع صيت الأغنية بلحن أبى وانتشرت بقوة، ولكنه لحظة غنائها لم يكن قد سمعها من قبل، وفوجئ بأنها أغنية لـ«رمضان البرنس» بعد ذلك.
■ وماذا عن اهتمام الإعلام بمسيرة الوالد؟
- محمود سعد وتامر أمين كانا يقدمان برنامج «البيت بيتك» وجاءا إلى أبى وسألا عنه، حتى وصلا إلى بيته، وعرضا عليه التصوير معه، لأنه كان ذائع الصيت حينها ومنتشرًا بقوة وله محبون فى كل مكان، وبالفعل صورت أسرة البرنامج معه فى بيتنا بأسوان.
وكذلك الموسيقار عمار الشريعى هاتف أبى وطلب أن يسجل معه حلقة، فسافر له أبى وسجل معه بالفعل فى البرنامج الشهير «سهرة مع الشريعى».
■ هل كان بعض من الجماهير يحددون ليلة زفافهم حسب حفلات رشاد عبدالعال؟
- نعم.. كان هذا الأمر يتكرر كثيرًا مع والدى، حتى أننى أذكر أن أحدهم كان قد نزل من السعودية وجاء لأبى واتفق معه على إحياء ليلة زفافه قبل أن يختار العروس من الأساس، فقال له أبى: هل عروسك من نفس البلد؟، فقال له الرجل: لم أختر العروسة بعد، فضحك أبى وقال له: أنت تقوم بحجزى لليلة دخلتك قبل العروس، فقال له: نعم، وجودك لتحيى حفل الزفاف مهم جدًا، أما العروس فسهلة.
وبالفعل ذهب الرجل إلى واحدة وتقدم لها شريطة أن يكون الفرح فى اليوم الذى حدده مع والدى، حتى يضمن وجوده ليحيى الزفاف، وقال لأهل العروس: أنا فرحى يوم كذا ولا أريد إلا العروس بحقيبتها فقط.
■ ماذا عن الأيام الأخيرة فى رحلة رشاد عبدالعال؟
- فى نهاية عام 2007، كان فى حفلة زفاف فى أسوان، وفاجأته جلطة فى الشريان التاجى، واصطحبته أنا ووالدتى وسافرنا إلى القاهرة جوًا، وقمت بعرضه على الأطباء المتخصصين الذين أوصوا بإجراء عملية جراحية عاجلة، وتمت بالفعل العملية وتعافى بعدها وعاد إلى جمهوره فى منتصف عام 2008، وقام بإحياء العديد من حفلات الزفاف.
وظلت حالته الصحية مستقرة، حتى عودته ذات ليلة من شهر أكتوبر من حفل فى قرية منيحة، وقام بتوصيل عازف العود وفرقته حتى كوم أمبو ثم اتجه نحو قريتنا، ولكن أصابته سكتة قلبية فى الطريق، ولم يكن معه إلا عازف إيقاع الفرقة، ويدعى محمد بشير وهو من قريتنا، وانزلقت السيارة إلى إحدى الترع على جانب الطريق، وكانت صدمة عنيفة لى ولأشقائى ولأمى التى تدهورت حالتها الصحية بعد ذلك.