رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"إسلاميات كاتب مسيحي ١٨"..

محمد الباز يكتب: لا وصولى ولا شهوانى.. دفاع عن النبى محمد ضد منتقديه

جريدة الدستور

- نظمى لوقا: لو كان النبى محمد شهوانيًا لما ظل زوجًا لامرأة واحدة تكبره بأكثر من ١٥ عامًا حتى وفاتها
- المفكر الراحل: الرسول لم يكن وصوليًا والدليل أن السيدة خديجة هى من طلبته للزواج قبل أن يسعى هو
من ظاهر كتابات نظمى لوقا يبدو لى أنه كان معتزًا برأيه جدًا.
وأغلب الظن أن هذا الاعتزاز كان يمنعه، من الاعتراف بأنه وقع فى حب النبى محمد، وهو الحب الذى جعله، رغم تمسكه بمنهجه العلمى ومذهبه الفلسفى، يميل إليه كل الميل وهو يتحدث عنه.
لن أقول إن وقوع نظمى لوقا فى حب النبى محمد دفعه إلى أن تهتز عقيدته، أو دفعه إلى التفكير فى اعتناق الإسلام، فمثله لو أراد ذلك لفعل، دون أن يخشى عاقبة الأمر، ولكنه الحب الذى يقع فيه أى باحث مهما كان موضوعيًا، وهو يتعامل مع شخصية عظيمة لها آثارها ويديها البيضاوين على البشرية جمعاء.
بدا هذا الحب بين سطور نظمى لوقا، وهو يتتبع كل اتهام لحق بالنبى محمد فى حياته الخاصة، محاولًا تفنيده والرد عليه.
يعلن من البداية أن تسع زوجات جمع بينهن محمد، عدد ليس بالقليل.
لكنه لا يتوقف عند الصورة الذهنية الثابتة لدى المتطاولين على النبى محمد، صلى الله عليه وسلم، بل يتجاوز إلى أن العبرة ليست بالعدد، ولكنها بالظروف التى أفضت به إلى الجمع بينهن، ومنها ظروف اجتماعية ترجع إلى الأحداث التى كان هو محورها، ولا يمكن أن يعفى نفسه من المسئولية والالتزام ببعض آثارها، ومنها ظروف نفسية مرجعها إلى عواطفه ومراميه.
ولا يتأتى فهم هذه الظروف، كما يرى نظمى، إلا إذا قَدرنا المرحلة الطويلة من عمر النبى قبل زواجه من التسع اللواتى جمع بينهن، وهى مرحلة طويلة من عمره، مداها ربع قرنٍ من الزمن، فترة الشباب العارم والرجولة الفتية، ولم يكن فيها زوجًا للعديد من النساء، بل كان زوج امرأة واحدة هى خديجة بنت خويلد.
ظل النبى محمد زوجًا لامرأة واحدة تكبره بأكثر من خمسة عشر عامًا، تزوجها وهو فى الخامسة والعشرين، وتزوجته وهى فوق الأربعين، وهناك من يقول إنها كانت فى الخامسة والأربعين، وماتت وهى فوق الخامسة والستين على الأقل، وكان هو فى الخمسين.
يدخل نظمى مباشرة إلى بيت القصيد، كما يقولون.
يقول: ربع قرن لم تكن فيها هذه الزوجة الواحدة مقنعًا لشاب فى سن ابنها لو كان هذا الزواج أخا شهوة، لا نقول جامحة، بل نقول متوقدةً ذات سلطان على نفسه.
ربع قرن لم تكن فيها الزوجة الواحدة فرضًا مفروضًا عليه، والبيئة لا تعرف إلا التعدد الذى لا حصر له، وليس التوحد فى الزواج قيمة متفقًا عليها هنالك فى ذلك الزمن.
ولو كان محمد، كما يثبت نظمى، أخًا مجونًا لما كان ذلك مستغربًا لدى أحد، إلا أنهم كانوا جديرين أن يتشدقوا به أول ما يتشدقون بالمطاعن على الرسول يوم نهض بالدعوة إلى عبادة الله وما ينبنى عليها من التعفف والاستقامة والطهر، كانوا جديرين أن يتصايحوا: ما هذا الذى خرج به محمد علينا من الدعوة إلى العفة، وهو الذى عهدناه يفعل كذا وكذا؟
كان هؤلاء الذين يعدون على النبى محمد أنفاسه ينتظرون له أى عَثرة.
يقول نظمى عنهم: ما كان لهؤلاء أن يتورعوا عن التلفيق فى التهم، فما الذى أسكتهم عن هذه لو أنها كانت صحيحة ومشاهدة؟
ولكنها لم تخطر ببالهم على كثرة ما رموه من الإيذاء، لسبب واحد لا يعقل سواه: أنه كان فى سلوكه الشخصى على نقيض ذلك، وكان مشهورًا بالتزام العفة والطهر والبعد عن الشبهات، وناهيك بالفواحش والموبقات، فوقفت شهرته حائلًا دون الإطراء على لسان معاصريه ومناهضيه من أولياء الكفر فى قريش.
يواجه نظمى بعد ذلك هؤلاء الذين افتروا على النبى من الأجانب.
هؤلاء الذين رموه بجموح الشهوة فى تلك الحقبة المديدة من عمره، وهو شاب أو رجل مكتمل الفتوة، خالٍ البال من الأعباء التاريخية الجسام التى تستنفد الحيوية وتستأثر بالاهتمام.
يقول عنهم: كيف يوفقون بين هذه وبين ما رموه فى عهده المدنى الحافل بالأحداث والهموم، من نقائص الاشتهاء الجامح والتهالك على مناعم النساء؟
هل يتنازلون عن افترائهم عليه فى عهده الأخير، لما فى صدر عمره من تكذيب واقعى ملموس؟
ويجيب: معاذ الأكذوبة ومنطقها الخبيث، لن يتنازلوا عن دعواهم فى الشق الأخير من عمره، وهو مهاجر محارب محمل بالأعباء الكبار، وقد تجاوز الخمسين، فلن يدعوا له صفحة عهده المكى، عهد زواجه بخديجة، حجة مسلمًا بها على العفة والجد والوفاء، بل سيوجهون همهم كله إلى تلطيخ الصفحة الناصعة، كى يجعلوا منها تهمة أو فرية قائمة برأسها، لا تقل فى خساستها عن فرية استشعار الشهوة، لعلها من بعض الوجوه أخس منها وأوبق للمروءة.
ويبدأ نظمى فى تفنيد ما قالوه.
فلا حيلة لهم فى أنه لم يتزوج بغير خديجة لتلك المدة المديدة، وأنه أخلص فلم يخادن ولم يقارف الفجور والزنا، ولم يتله عن معاشرته لتلك العجوز بما يسرى عنه ويخفف ضيقه المزعوم، مثل معاقرة الخمر أو العكوف على أنواع الميسر التى فتن بها القرشيون فى الجاهلية.
لم ينكروا ذلك إذن، ولكنهم يلتوون به وبتأويله على هواهم اللئيم.
سيقولون إنه لم يكن يفعل فى تلك الفترة شيئًا من ذلك لا عن عفة أو حب ووفاء لخديجة، بل عن جبن، وعن مصانعة لهذه الثرية التى عرف فى كنفها الرخاء واليسر والترف، بعد اليتم والفقر والشظف، وعليه فهو مصانع وليس بقانع، يخفى طمعه فى اللذائذ لخوفه من زوال النعمة والعودة إلى الحرمان وضيق العيش.
هذا الزعم بالنسبة لنظمى لوقا لا ينهض على قدميه لحظة واحدة أمام الواقع الذى لم ينكره ألد أعدائه من القرشيين واليهود.
فسن الخامسة والعشرين التى تزوج فيها محمد من خديجة ليست بالسن الصغيرة فى بيئة بدوية كقريش، فهى سن متأخرة للزواج، وكان محمد معروفًا بالوسامة، ولكن حياته إلى أن تزوج كانت خالية من المغامرات المعهودة وقتها، فكان على غير المألوف حييًا منطويًا مستقيمًا.
لدى نظمى ما هو أهم لهؤلاء الذين يقولون إن النبى محمدًا تزوج من السيدة خديجة طامعًا، وأخلص لها فى حياتها مرائيًا مصانعًا، حتى إذا ماتت انطلق على سجيته فى طلب النساء لا يجد من ذلك مانعًا ولا رادعًا.
فالفرية من أولها بغير أساس، لقد طلبت خديجة محمدًا قبل أن يطلبها، سعت إلى الزواج منه، قبل أن يسعى هو.
فأين الطامع هنا وأين المطموع فيه؟
هل يعتبر طمعًا أن ينطوى الشاب على نفسه، ولا تجد المرأة بدًا من تنبيهه إلى استعدادها للزواج منه لميلها إليه؟
يسأل نظمى: ماذا تكون العفة إذن، والنأى بالنفس عن نطاق الطمع والتهالك على المنافع؟
وتأتى الإجابة: كان فى وسعه وهو عاملها أن يستغل الظروف للتودد إليها كى يستميل قلبها، ويضمن قبولها إياه زوجًا على فقره الشديد وثرائها العريض.. ولو فعل ذلك لجاز أن نقول: طامع وصولى انتهز الفرصة كى يبيع شبابه ويثرى.. ولكنه فعل نقيض ذلك على خط مستقيم.
يضع نظمى لوقا يديه على مصادر التاريخ التى أجمعت على أن الطلب والعرض كانا من جهة خديجة، سواء بصفة مباشرة أو بوساطة رسول، وهو ما يعنى أنه لا يوجد دليل واحد على أنه كانت هناك وصولية أو انتهازية، وإنما نجد شابًا وكهلة فى سن أمه أو أسن منها، فلو عاشت أمه آمنة بنت وهب لما تجاوزت الأربعين يومئذ، ونجد هذه الكهلة تعزف عن الزواج لأنها أنست فى الخاطبين الثراة طمعًا فى ثروتها الطائلة، فاعتصمت بالإباء، حتى وجدت ذلك الشاب الفقير وجربت أمانته وعفته وعزة نفسه، فأدركت أن له خلقا يعصمه عن الطمع فى مالها، فأحبت أن يكون زوجها.
ظروف زواج النبى محمد من السيدة خديجة إذن وأسبابه على نقيض ما يزعمه المفترون من التكالب أو الرياء أو المصانعة.
نأتى إلى ما بعد الزواج، يرى نظمى أنه لم يكن من أمر النبى محمد ما يدل على إسرافه فى مالها، كما يفعل النفعيون الذين يتزوجون العجائز الثريات، فلم يعمد إلى البذخ فى مظهره، بل كان متواضعًا عفيفًا، ولم يعمد إلى القصف مع أبناء المياسير إظهارًا لثرائه الطارئ، بل ازداد تباعده عن كل ألوان القصف، وزاد زهده فى الرخاء والترف، وصار يقضى الكثير من وقته صائمًا معتزلًا الناس وحده فى الجبل، حتى كانت خديجة تخرج للبحث عنه مع خدامها، كما تبحث الأم عن ابن لها أقلقها طول غيابه، وتحمل إليه الطعام هناك، وكأن الزواج زاد محمدًا عفة واستقامة.
يزيد نظمى لوقا المناوئين للنبى من الشعر بيتًا.
فإذا كان للوصولية موضع فى حياة خديجة، فلن يكون لها موضع وقد ماتت، فإذا به يحزن عليها حزنًا شديدًا، وإذ حزنه يطول فى حين اشتد عليه اضطهاد القريشيين وإيذاؤهم لشخصه، وقد زاد من جرأتهم عليه موت عمه أبى طالب فى تلك السنة أيضًا.
كان الحزن غالبًا، وهذه هى السيدة عائشة – كما يقول نظمى – على صباها وجمالها، وهى البكر الوحيدة التى تزوجها، تقول إنها لم تغر من امرأة إلا خديجة، وكأنه لم يكن فى الدنيا امرأة إياها.
كانت عائشة كثيرًا ما تغار عليه منها كلما ذكرها، وضاقت ذات يوم بما فى صدرها فهتفت: ما تذكر من عجوز من عجائز قريش حمراء الشدقين، هلكت فى الدهر وأبدلك الله خيرًا منها؟
فإذا وجه ذلك المصانع الذى يزعمون يربد، ويصيح بعائشة فى زجر وتقريع عنيف: والله ما أبدلنى الله خيرًا منها، آمنت بى حين كفر الناس، وصدقتنى إذ كذبنى الناس، وواستنى بمالها إذ حرمنى الناس، ورزقنى الله منها الولد دون غيرها من النساء.
يختم نظمى حكاية النبى محمد مع السيدة خديجة.
يقول: من ذا الذى كان محمد يصانعه وهو يفى لخديجة هذا الوفاء الجميل الذى يستحق أن يكون مضرب الأمثال لسائر الأزواج رجالًا ونساءً.
أتراه كان يصانع التى ماتت ليغضب التى يعيش معها ويحبها؟
ما القول فى هذا الوفاء المعجز.. والدنيا حافلة من حولنا بأمثلة العقوق ونسيان الفضل وخيانة العهد.
وينحاز نظمى الانحياز الكامل، يقول: فليقل من شاء ما يشاء.. ولكن لا حيلة فى نسبة محمد إلى الوفاء، غاية الوفاء، إلى وفاء يكاد يجعلنى أشك فى بشريته وأنا الذى جربت من فنون التنكر والمروق، وما أوشك أن يقضى على ثقتى بسائر خلق الله من أبناء آدم وبنات حواء.
ولأننا جئنا على السيدة عائشة، فلا بد من الاقتراب من سيرتها بعين نظمى لوقا.
يقول: لغط المحدثون من المفترين بأمر زواج الرسول من عائشة على ما يروى من أحاديث السيدة عائشة نفسها وهى دون العاشرة، وتصايحوا منددين بانتهاك محمد لحرمة الطفولة ونسبوه إلى الوحشية الجنسية.
يبدأ نظمى فى تفنيد هذه التهمة التى لحقت بالنبى محمد معتمدًا على ما ورد فى كتب السيرة.
يقول: روايات السيرة التى قدرت للسيدة عائشة عند زواج الرسول بها فى دار الهجرة تلك السن الصغيرة، روت أيضا أمرًا آخر هو موضع إجماع الرواة، وهو أن السيدة عائشة كانت مخطوبة قبله لجبير بن المطعم بن عدى، وخطبة الرسول للسيدة عائشة لم تكن عن مبادأة منه، بل كانت باقتراح من خولة بنت حكيم، رشحتها للزواج منه وقد رأت حزنه واستيحاشه لوفاة السيدة خديجة، وما كانت أعمار الناس يومئذ لتعرف من شهادات الميلاد، وأعمار النساء لم تزل – على عهد شهادات الميلاد– موضع تنقص واضح شائع بين جميع الطبقات، لا عن كذب متعمد، بل عن سليقة فى المرأة متصلة بفطرتها الأنثوية، وليس هذا خاصًا بالمرأة فى مرحلة معينة من عمرها، بل تشاهده فيمن لا شك فى فراغهن من شأن الدنيا وانقطاع ما بين أجسادهن وبين الرجال انقطاعًا تامًا.
الطريف أن نظمى لوقا يستعين بموقف مر به أستاذه العقاد.
يحكى أن والدة الأستاذ العقاد وقد تجاوزت الثمانين زارها ابنها فى مسقط رأسه بعد سنوات من الفراق، فتطلعت إلى رأسه مبهوتة وقالت كالذاهلة:
■ شاب رأسك يا ولدى؟
فنظر إليها باسمًا مترفقًا، وقال لها:
■ ما يستحى من أوانه شىء يا أماه؟
■ ما هذا الذى تقول يا ولدى؟ أين أنت من المشيب؟
فذكر لها سنه، وكان قد تجاوز الستين، فأشارت بيديها مشيحة عما يقول وصاحت به:
■ ما هذا الكلام؟ كيف يكون هذا عمرك، وأنا أمك لم أبلغ هذه السن بعد؟
فضحك لها وقال لها:
■ هذه سنى.. أتريننى أجهل عمرى يا أماه.
فقالت بجد جاد:
■ لقد أكل العلم عقلك، لم تترك الأوراق والكتب لك عقلًا.
رمت والدة العقاد ابنها بالخرف من كثرة القراءة والتأليف، وهى لا ترى أحدًا أجل مكانة وأرجح عقلًا منه، لأن ذلك أقرب لديها من حقيقة حسابية تسجل عليها عمرًا تأبى أن تعترف به.
ويعلق نظمى بأن هذا حدث فى القرن العشرين، فما بالك ببداوة لم تعرف شهادات الميلاد لرجال أو نساء، ولا تذكر ولادة البنات فيها؛ لأنها من أسرار البيوت المحجبة كما تذكر ولادة الفتيان.
يخرج نظمى من كتب السيرة ورواياتها إلى منطقه ومذهبه الفلسفى وعقله الذى يقيس به كل شىء.
يقول: الذى لا شك فيه أن أعمار البنات كانت تعرف فى تلك البيئة، مثلما تعرف فى بيئات الصعيد الجوانى بعلامات غير علامات التقويم، تعرف بأطوار النمو البدنى، كما يعرف الزراع نضوج الثمرة فى حقله، لا بيوم ثابت، بل بسمة معهودة.
يشير نظمى إلى ما هو أكثر.
يقول: وحتى هذا القرن كانت حواضرنا تشهد زوجات فى هذه السن أو أقل منها، لا أعدو الحقيقة إذا ذكرت أن ممن أعرفهن أوثق معرفة ممن تزوجن فى آخر العقد الثانى من القرن العشرين وهن دون العاشرة، وأن والدتى كانت لا تتجاوز الثانية عشرة بكثير يوم تزوجت أبى، وما كانت تلك السن لذلك العهد موضع غرابة أو استنكار.
حجج العقل تتواصل عند نظمى، فسواء صح أن عائشة كانت فى الثانية عشرة على الأقل، أو كانت أصغر من ذلك بعام أو عامين، فالعبرة بالبينة التى وقع فيها الحدث، ومن الخلط فى التفكير أن يوزن الحدث منفصلًا عن زمانه ومكانه وظروف بيئته جميعًا، فلا محل إذن للادعاء بأن الباعث على هذا الزواج هو الوحشية الجنسية التى تتلذذ لذة منحرفة بانتهاك الطفولة.
وإذا كان هناك من يلوم النبى محمد على فارق السن الكبير بينه وبين السيدة عائشة عندما تزوجها.
فإن نظمى لا يكتفى بالرد عليهم بأن يقول إن ما قيل عن الرجوع إلى البيئة التى وقع فيها الحدث، وهى البيئة التى ما كان فارق السن فيها بدعة، وإنما العرف السائد كان فى ذلك كفاية.
بل يزيد على ذلك ما يثبت نقيض تلك المفتريات والمغامز العرجاء كما يقول هو.
فقد كانت السيدة عائشة أحب زوجات الرسول إليه بعد السيدة خديجة، هذه حقيقة لا مراء فيها، ولكن لماذا؟
لأن هذه البيئة التى ترعرعت بين سمعه وبصره أحب الناس إليه، بنت أخيه أبى بكر، أحبها أولًا لأنها بنت صديقه، ودللها تدليل الأب، كان يأتيها فى السنوات الأولى من زواجها بأترابها ليلعبن معها بالدمى والعرائس، وكان يحملها لترى من فوق كتفيه، وخدها لصق خده، ملاعب الأحباش بالرماح والدرق، وكان يتغاضى عن هناتها فى ترفق وحنان.
كان يشعر بالبنوة وهو مع خديجة، وكان يشعر بحنان الأبوة وهو مع عائشة، كان حب وحنان وترفق، لا حب توحش وانتهاك كما أفكوا، كان لها الأب والزوج معًا.
لقد نما حب السيدة عائشة فى قلب النبى، أحبها بين سمعه وبصره، تدرج فى بيته بشبابها الرائق وبراءتها وذكائها وخفة روحها، أحبها وقد أذكت فيه فطرة الأبوة الرحيمة، وملأت حياته بالصبا النضر والأبوة معًا.
أحبها الحب الذى طالما عبر لها عنه بقوله: حبك يا عائشة فى قلبى كالعروة الوثقى.
وحتى عندما تعرضت السيدة عائشة لأزمة «الإفك»، عندما تَقول عليها البعض واتهموها فى شرفها.
كانت الكلمة الأخيرة التى قالها لها النبى محمد هى: يا عائشة إنه قد كان ما بلغك من قول الناس، فاتقى الله وإن كنت قارفت سوءًا بما يقول الناس فتوبى إلى الله فإن الله يقبل التوبة عن عباده.
بكت عائشة وأبت أن تتوب مما لم تفعل، وفوضت أمرها إلى الله، حتى نزلت براءتها.
يعلق نظمى على ذلك بقوله: هل هذا المسلك الرزين غاية الرزانة مسلك رجل يربطه بهذه الزوجة اشتهاء مستعر منحرف مما يلحدون إليه؟
ويجيب: ليس هذا هياج ذا هوى متأجج ورغبة جارفة، بل هذا وقار أب يترفق بابنة صغيرة السن، فلا يفاتحها فى أمر يقض مضجعه ويجرح كرامته أيما جرح وهو من هو، لأنه وجدها مريضة وكان أقصى ما فعله أنه لم يدللها كعادته حين تمرض، وما كان بوسعه ولا وسع غيره أن يفعل ذلك فى هذه الأزمة العصيبة.
هذا أسلوب الأب العطوف ولا مراء.
وشتان هذا العطف الأبوى الذى بلغ أقصى ما تطيقه الطبيعة البشرية من التماسك ومن الرفق، والذى صوروه به من تعلقه بعائشة تعلق رجل شهوانى يتلذذ بانتهاك الطفولة اللاهية.
الدفاع عن النبى فى زواجه من السيدة خديجة ومن بعدها السيدة عائشة أمر هين.
المهمة الأكبر التى قام بها نظمى كانت الدفاع الذى قدمه فى قصة زواج النبى من السيدة زينب بنت جحش.
وهذه حكاية جديدة.