رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إنسانية الإسلام


«فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ».. هكذا شهد الله لرسوله بإنسانيته ورحمته، فقد كان، صلى الله عليه وسلم، ذا قلب عطوف، محبًا لجميع الناس، حتى لأعدائه الذين آذوه، وحاربوا دعوته، وأخرجوه من داره، وقاتلوه، ومع كل ذلك يدعو لهم.. لم يحمل فى قلبه غلًا تجاههم، حتى إنه فى معركة «أُحد» التى انتهت بدرس قاسٍ للمسلمين كان يدعو لهم: «اللهم اهد قومى»، وما ذلك إلا لكونه إنسانًا استحق أن يقول عنه ربه» «وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ».
فالإسلام دين الإنسانية، وليس دين العنصرية، والقرآن كتاب للإنسان قبل المسلمين، وردت فيه كلمة الإنسان 63 مرة، وكلمة الناس 340 مرة، وفى سورة «العلق»، أول ما نزل من القرآن، ذكرت كلمة الإنسان فى 5 آيات «اقرأ- خلق الإنسان- علم الإنسان»، أما كلمة البشر فقد وردت 37 مرة، وهناك سورة فى القرآن تحمل اسم «الإنسان».
الإنسانية هى: حب الإنسان فى ذاته كإنسان، بغض النظر عن دينه، لونه، عرقه، مستواه.. الإنسانية هى التى تجعلنى أقبل بالتعايش مع الآخر الذى أختلف معه فى العقيدة، لكن لا أختلف معه فى كونه إنسانًا، أحترمه، وأقدّره، وأتمنى له كل الخير، أنصفه، ولا أظلمه، وهذا من احترام تنوع البشر، الذى هو دليل على احترام نظام الله فى الكون.. الإنسانية = الرحمة.. الخير.. الحب.. الجمال.
وحب الناس أعظم معانى التدين، النبى يقول: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه»، والمراد بأخيه هنا كل الناس، فلن يكتمل إيمانك بالله حتى تحب الناس، ولن تحبه تمام الحب حتى تحب صنعته.. فإن حب الصنعة من حب الصانع، فتسخّر كل قدراتك الإنسانية من أجل الإنسان أيًا من كان.. «لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِى الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»، فالله سبحانه جعل هنا البر- أى الحب- قبل العدل.
غير أن هذا لا ينفى أن هناك قطاعًا كبيرًا من المتدينين لديهم فهم خاطئ فى هذه المسألة، ما يجعل تدينهم قاسيًا ضد الإنسانية، ويسحق الإنسان الذى بداخلهم، مخالفين بذلك دعوة النبى إلى احترام الإنسان فى الحديث «الإنسان بنيان الله ملعون من هدمه»، بينما هناك التدين العنصرى، الذى يقوم على عبادة الله بكراهية غير المسلمين، وكراهية غير المتدينين من المسلمين، بل كراهية المتدينين ممن يخالفونه فى الفكر، وهو يعتقد بذلك أنه يحب الله ورسوله.
كما أن هناك تدين الكراهية والغل، الذى يتنافى مع جوهر رسالة الإسلام فى قوله تعالى: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وهناك تدين لا يحترم تنوع البشر، ومثل هؤلاء لا يحترمون فى الحقيقة إرادة الله بتنوع البشر.. «وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ».
وهناك من يقتل الإنسانية بداخله، حتى إنه يرفض مجرد التبسم، بدعوى أنه مهموم بالآخرة، متجاهلًا حقيقة أن النبى كان دائم البشر والابتسام، على الرغم من كل ما كان يحمله من هم الدعوة.. مثل هذه الأفكار المغلوطة هى التى تخرج المتطرفين والإرهابيين، فهناك أناس نزعوا الإنسانية من الدين من أجل الصراع والعنف والتطرف، انطلاقًا من قيم الكراهية والعنصرية والمفاهيم الخاطئة عن «الولاء والبراء»، الذى هو فى حالة الحرب فقط.