رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ماذا لو لم تلدك أمك؟


ونحن فى شهر رمضان المبارك، طافت فى ذهنى مجموعة من الأسئلة، وقفت عند سؤال منها، وأظن أن هذا السؤال قد يبدو محرجًا بعض الشىء، إلا أننى أظن أيضًا أنه من الأسئلة الضرورية، أما عن السؤال فهو: ماذا لو لم تلدك أمك؟ أو بصيغة أخرى: ماذا لو قضيت نحبك فى طفولتك؟ ترى هل كان شىء سيتغير فى دنيا الناس؟ حتى لو كنتَ فى عين نفسِك أو فى عين الناس أحد العباقرة الأفذاذ، أترى كان التغيير سيصبح كبيرًا أو لافتًا؟.
ترى لو لم يكن هناك «أديسون» مخترع المصباح الكهربائى، أو «نيوتن» العالم الكبير أو الرسام «ليوناردو دافنشى» أو عالم العلماء «أينشتين».. هل كان الكون سيتوقف عن مسيرته؟ وهل كانت دقات الساعة ستقف منتظرة حلول هؤلاء العباقرة الأفذاذ؟ الواقع يقول أبدًا، كانت الدنيا ستسير فى مسارها الطبيعى، نعم قد يتأخر المصباح الكهربائى بعض الشىء، ولكن مما لا شك فيه أن الله كان سيُلهم عالمًا آخرًا كى يصل إلى مثل هذا الاختراع، وفى الغالب سيكون هذا العالم من أوروبا أو أمريكا أو اليابان أو الصين، أو حتى من بلاد تركب الأفيال، أما نحن فكنا سننشغل حينما يتم اختراع المصباح الكهربائى بالبحث عن هل هو حلال أم حرام؟ وهل البشر يضاهئون به خلق الله؟ صانع المصباح الكهربائى سيؤتى به يوم الدين وتقول الملائكة له اجعله شمسًا، فيعجز فيدخل النار، وأنا لا أقول كلامًا من عندياتى، ولكن هذه هى الفتوى التى قال بها بعض علماء الدين فى نهاية القرن التاسع عشر!.
أما الجاذبية وما ترتب عليها من آثار واختراعات واكتشافات أفادت البشرية فحتمًا كان من المُقدر أن يصل أحد أبناء آدم عليه السلام من أهل الغرب إلى نظرية الجاذبية إن لم يكن هناك «نيوتن»، وكان الإنسان سيبحث عن وسيلة من الوسائل التى تساعده على ركوب الهواء، واختراق السماء والوصول إلى القمر والكواكب، فالتطور الحضارى يحدث سواء رضينا أم لم نرض به، وقد نفتخر فى كتب التاريخ عندنا بأن العالم الأندلسى عباس بن فرناس الذى كان عالمًا موسوعيًا فى الرياضيات والفلك والكيمياء كان أول من صنع قلم حبر فى التاريخ، وله العديد من الاختراعات وكان أهمها صُنع طريقة للطيران ومقاومة الجاذبية عن طريق أجنحة عريضة، وقام بتنفيذ تجربته فى بغداد ولكنه سقط من مرتفع ولم تستطع الأجنحة مقاومة الجاذبية الأرضية وحمله، فمات، ومن تجربته استفاد الغرب حتى إنهم أطلقوا اسمه على جبل من جبال القمر، أما نحن فقد انشغل علماء الدين بالبحث عن: هل مات منتحرًا فيكون قد مات كافرًا؟ أم أنه فقد عقله وألقى نفسه فمات فيكون قد رُفع عنه القلم لأنه مجنون؟
أما لو كان الرسام «ليوناردو دافينشى» صاحب «الموناليزا» «والعشاء الأخير» قد غاب عن دنيا البشر ولم يولد أصلًا، فأظن أن الأمر لم يكن سيتغير فلوحات الرسامين تملأ معارض العالم ومتاحف الدنيا، صحيح كنا سنفتقد إبداعات دافنشى، ولكن إن أردت الحق كان الله سيعوضنا عنها بإبداعات أخرى من فنانين آخرين، وستكون هناك أسماء أخرى قد تكون أعلى وأبرع من دافنشى نفسه. ودعك بعد ذلك من نظرية «أينشتين»، فإذا كان هو قد ابتدع للعالم نظرية النسبية فقد طبقها أحفاده وأصدقاء أحفاده خير تطبيق، وصعدوا من خلالها إلى آفاق السماوات، وابتدعوا بعدها علومًا، ولك أن تطمئن، فإن لم يأت إلينا أينشتين فحتمًا كان أحد العلماء من تلك البلاد البعيدة سيفكر، ويتدبر ويمعن التفكير، ويهتدى إلى ما اهتدى إليه أينشتين، فقد اتفقنا على أن مسيرة التطور لدى الإنسانية تسير إلى الأمام، ودعك من أن المسيرة الأخلاقية لهم تمرُ بمنزلق خطير، ولذلك لك أن تسمع ما وصل إليه بعض علماء الدين عندنا، وخصوصًا عند هؤلاء الأجلاف الذين لا يفهمون ويبتئسون عندما يجدون رجلًا عبقريًا، لذلك قالوا إن أينشتين فى النار، بل فى قعر جهنم، وإن ذلك الرجل المسلم العاصى الذى ارتكب ذنوبًا لو وقف عليها لوصل إلى القمر، هذا المذنب سيدخل الجنة وأينشتين فى النار.
ولكن سيقابلنا أمر آخر، فلا يزال جمهرة من علماء الدين عندنا يقولون إن الأرض مسطحة، وإن الغرب لم يصعد إلى القمر، وإن أمريكا قامت بتصوير رحلة الصعود إلى القمر فى صحراء نيفادا، وإنهم يضحكون على عقولنا، ولكننا والحمد لله أكثر ذكاء منهم لذلك لا تدخل علينا ألاعيبهم، لذلك سأقول لك أمرًا، لو لم يكن فى تاريخنا ابن تيمية وغلاة المتشددين، ولو لم يكن فى تاريخنا القريب حسن البنا وسيد قطب، ولو لم يكن فى واقعنا جماعة الإخوان ومعهم الحوينى ويعقوب وحسان وأصحابهم لكانت حياتنا أكثر سهولة ولكان ديننا أكثر عمقًا، وأيضًا لو كنا قد توقفنا عن أن نطلق على الشيوخ لقب علماء لكنا قد عرفنا من هم العلماء، ولأدركنا أن العلماء هم علماء الدنيا الذين وهبهم الله سعة أفق وفراسة استخدموها ليحققوا أمر الله فينا وهو تعمير الأرض. نعود إلى السؤال الشخصى: ماذا لو كنت حضرتك لم تكن أصلًا؟ أى لم تلدك أمك؟ أو ماذا، كما فى السؤال، قد قضيت نحبك صغيرًا؟ أنا عن نفسى سأجيب عن هذا السؤال المحرج، أما لماذا هو محرج فلأنك بعد أن تجيب ستكتشف أنك لم تؤثر فى دنياك حتى ولو بمقدار «خردلة»، ولذلك فإن وجودك فى الدنيا هو مصلحة لك لأنك لو أحسنت فإنك ستكافأ من الله على إحسانك ولكن من يفهم ومن يعى؟