رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى الأب أنطونيوس باقى شهيد الخدمة الأمينة


فى 18 فبراير 1931 وُلد محب باقى سليمان بمدينة المنصورة من أسرة لها ارتباط صادق بالكنيسة، وفى الثالثة من عمره انتقلت والدته إلى السماء، فكانت أمومة الكنيسة هى خير عوض لوالدته. فى عام 1942 حصل على الشهادة الابتدائية ثم فى عام 1946 حصل على شهادة الثقافة والتوجيهية، والتحق بعد ذلك بكلية العلوم جامعة القاهرة، فحصل على بكالوريوس علوم وتربية بتقدير عام ممتاز سنة 1951. أكمل بعد ذلك دراسته العليا، فحصل على دبلوم خاص فى الرياضيات البحتة من معهد الدراسات العليا عام 1953.
فور تخرجه عُين مدرسًا لمادة الرياضيات بمدرسة السعيدية الثانوية بالجيزة، وظل بها حتى شغل وظيفة مدرس أول للرياضيات عام 1959. نُقل بعد ذلك إلى مدينة الزقازيق، حيث ذاعت شهرته بها لكفاءته وأمانته فى عمله وحُسن معاملته للطلبة والتزامه بالسلوكيات الحسنة للمدرس.
فى عام 1947- مع بداية دراسته بكلية العلوم جامعة القاهرة- التحق بخدمة مدارس الأحد بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا، حيث كان يقود الخدمة بها فى ذلك الوقت الأستاذ نظير جيد (فيما بعد البابا شنودة الثالث)، فتتلمذ على يديه ونشأت بينهما محبة وصداقة خاصة. اُختير بعد ذلك مدرسًا بالتربية الكنسية بها ثم صار أمينًا عامًا للخدمة بها لمدة طويلة، كان فى ذلك الوقت الأستاذ نظير جيد ذهب إلى دير السريان للرهبنة وصار راهبًا باسم الأب أنطونيوس السريانى. كان الشاب محب باقى مرتبطًا بالأديرة والحياة الرهبانية، لكن الله كان يعد له طريقًا آخر للخدمة. فى 14 يناير 1960 نال سر الزيجة المقدس وأعطاه الرب ابنتين (حنان وإيرينى) وابنًا (رءوف الذى قام الأنبا ياكوبوس، أسقف الزقازيق، بسيامته كاهنًا باسم القس أنطونيوس، حاليًا يخدم بإحدى كنائس الولايات الأمريكية)، فكان الأستاذ محب باقى زوجًا وفيًا لزوجته، التى كانت شريكة أمينة له فى الخدمة. وعندما انتقل للعمل فى الزقازيق اُختير أمينًا عامًا للتربية الكنسية بكنيسة مارجرجس بالزقازيق عام 1964، فغرس هناك المنهج الروحى للخدمة الذى كان بكنيسة الأنبا أنطونيوس بشبرا. فى ذلك الوقت كانت بمدينة الزقازيق 4 كنائس و3 كهنة فقط!!، فكانت الحاجة ماسة لسيامة عدد آخر من الكهنة. فقام قداسة البابا كيرلس السادس، البطريرك 116، بتشكيل لجنة من عشرة خدام وأراخنة لترشيح عناصر روحية تصلح للخدمة الكهنوتية، وكان الأستاذ محب باقى أحد أعضاء هذه اللجنة. حرص الأنبا شنودة، أسقف التعليم الكنسى فى ذلك الوقت، على الاجتماع بأعضاء اللجنة لتزويدهم بالنصائح والتوجيهات الروحية، ثم وقع الاختيار على 3 شباب، أحدهم هو الأستاذ محب باقى. فى 27 يوليو 1969 قام الأنبا متاؤس، مطران الشرقية ومحافظات القناة فى ذلك الوقت، بسيامة الشماس محب باقى كاهنًا على كنيسة مار جرجس بالزقازيق باسم القس أنطونيوس باقى. توجه بعد ذلك إلى دير الأنبا رويس بالعباسية، لقضاء فترة الأربعين يومًا فى جناح خاصة بمبنى الكلية الإكليريكية. فور تسلمه الخدمة بكنيسة مار جرجس بالزقازيق بدأ الاهتمام بالخدمة الروحية، فأسس مركزًا ثقافيًا، اهتم بخدمة فقراء الكنيسة، فكان يرعاهم بنفسه وأسس لهم صيدلية مجانية، اهتم بخدمة الشباب وكان يصطحبهم لزيارة الأديرة والكنائس الأثرية، اهتم بأعمال معمارية فى الكنيسة، أنشأ كنيسة باسم القديس الأنبا أنطونيوس فى المدافن لرعاية الآلاف من سكان هذه المنطقة. وفى «برامون» قداس عيد الغطاس 18 يناير 1970، قام الأنبا متاؤس، مطران الإيبارشية، بترقيته لدرجة القمصية (التدبير). فى عام 1972 أوفده البابا شنودة الثالث للخدمة فى منطقة كوينز Queens بالولايات المتحدة الأمريكية. وفى يوم الخميس 16 مارس 1972 صلى صلاة شكر مع زوجته وأولاده الأطفال وأخوته وشعبه ومحبيه، ثم سافر بمفرده، وفى اليوم التالى وصل مطار نيويورك مساءً حيث استقبله الأقباط بحفاوة شديدة، وفى مساء السبت صلى عشية عيد الصليب بكنيسة مار مرقس بجرسى سيتى ثم احتفل معهم صباحًا بعيد الصليب. ومع بداية يوم الإثنين وبعد مجهود مضن حصل على كنيسة للأقباط أطلق عليها اسم السيدة العذراء والأنبا أنطونيوس. رأى فيه الشعب الكاهن والخادم الباذل الذى يسكب نفسه سكيبًا من أجل شعبه، والكاهن المتمتع بروح أبوة عالية جدًا. احتفل مع شعبه بعيد مار مرقس فى 8 مايو 1972 وقضى بقية اليوم حتى منتصف الليل فى الافتقاد والرعاية الأمينة. وفى طريق عودته مع أحد أبناء شعبه، وبينما يتحدث معه سكت فجأة ورفع عينه إلى فوق ورشم ذاته بعلامة الصليب واستراح فى الرب. وفى يوم الخميس 11 مايو 1972 رأس البابا شنودة الثالث الصلاة على جثمانه المبارك فى الكاتدرائية المرقسية الكبرى بالقاهرة. كان نموذجًا فريدًا فى الخدمة الصادقة وحياة البذل والرعاية بلا حدود والتعب دون راحة للكنيسة، وكانت هذه شهادة الأبوين التقيين الأب بيشوى كامل إسحق والأب تادرس يعقوب ملطى بكنيسة مار جرجس باسبورتنج الإسكندرية، لكن للأسف الشديد أن نجله القس وابن شقيقه لم يسلكا بأمانة كما سلك هو!! وكما يقول القديس الأنبا شنودة، رئيس الرهبان المتوحدين فى إحدى عظاته: «إن كنت وأنا الكاهن أعمل الشر كما يعمله الأشرار على الأرض، فلا يحق لى أن أدعى كاهنًا، لأنه مرارًا كثيرة نُخطئ ولا نعرف كيف ندين أنفسنا بما نقول»، فقد انخرطا فى حياة الرفاهية الجسدية وعدم المبالاة بالخدمة الواعية ولا السلوك الحسن ولا حتى الكلمات الدقيقة المرتبطة بالكتاب المقدس!!، هل يعقل أن يقول ابن أخيه عن الخدام الأمناء المتمسكين بالتقاليد الكنسية العريقة التى استقرت فى الكنيسة منذ عدة قرون: «ربنا يحفظكم من الكلاكيع، وأحيانًا الإنسان يبقى عنده كلكوعة.. اثنين تلاتة ممكن يبقوا عشرة»!! حتى الأسلوب يتنافى تمامًا مع المنهج الروحى، هذا بالإضافة إلى المنتجعات والاستراحات الموجودة بالولايات المتحدة الأمريكية وفى أوروبا، والتى تكلفت إحداها فى سان فرانسيسكو وحدها ما يزيد على 8 ملايين دولار من أموال المحتاجين والأرامل!!، وأيضًا الرحلات السنوية لدول أوروبا وأمريكا بدعوى العلاج، بينما فقراء الشعب يتضورون جوعًا!، كنت أظن أن نجله وابن أخيه سوف يسلكان بأمانة كاملة فى خدمتهما كما سلك هو، لكن لم يحدث هذا!، بل صار كلاهما عثرة للكثيرين. أقول إن الحادث المؤلم الذى حدث لكاهن شبرا الخيمة يعود أساسًا إلى غياب روح الأبوة. اليوم الكاهن يضع فى يده جميع أمور الكنيسة، وفى فترة الخماسين المقدسة (التى تلى الاحتفال بعيد القيامة) معظم الأساقفة يسافرون إلى الخارج لأسباب واهية، منها فحوص طبية، بينما الشعب هنا يتدهور جوعًا!! أين دور العلمانيين فى التعرف على احتياجات المحتاجين؟ أين دور أعضاء مجالس الكنائس التى صارت تابعة للكاهن وليس لها دور فى الخدمة؟ أين المجالس الملية؟ أين دور حكماء الكهنة فى فحص الأحوال الشخصية عوضًا عن الأساقفة الذين لا يعلمون شيئًا عن الأحوال الشخصية؟ النفس حزينة ومُرة!!. نطلب الراحة لنفس المبارك الأب أنطونيوس باقى، ولتكن سيرته العطرة هاديًا لمن يسلكون بلا ترتيب. فإن كنتِ يا نفسى لا تعرفين، فاخرجى على آثار الغنم (المعلمون الأولون) وارعى جداءك عند جداول المياه.