رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تقنن وزارة الزراعة أوضاع مراكز بيع الأدوية البيطرية؟

جريدة الدستور

"القطة بتاعتي ماتت بسببه".. بتلك الكلمات بدأت أماني الخولي، 28 عامًا حديثها عن قطتها التي ترتبط بها بشكل كبير، وهي لا تدخر جهدًا في الاعتناء بها إلى أن جاء اليوم المشئوم -كما وصفته- فقد أصيبت القطة بنزلة برد، لم تستطع معها أن تعالجها بالطرق التقليدية، فانطلقت بها إلى أقرب مركز لبيع الأدوية البيطرية ليصف لها علاجًا يشفيها بدلا من "الفرفرة قدامي".

وصُدمت "أماني" أمام جملة الطبيب، كما عرّف نفسه، بأن هذه القطة لا أمل منها والأفضل أن تتركها تموت، فلا جدوى من علاجها، ومع إلحاح "أماني" عليه بضرورة إيجاد حل لها كتب لها بضعة أدوية ونصحها بالمواظبة عليها لتتعافى في نهاية تلك الليلة، إلا أن ما حدث كان معاكسًا لكل توقعاته.

وتروي "أماني" بصوت يخالطه الرغبة في البكاء، أن القطة بعدما تناولت الأدوية التي وُصفت لها لم تستطع النوم، وبدأت تشاهد التقاطها لأنفاسها الأخيرة أمام عينيها، وانتقلت روح القطة إلى بارئها خلال دقائق معدودة.

مشكلة قطة "أماني" لم يكن سببها وصف دواء خاطئ، إنما كان واصف الدواء ليس طبيبًا في الأساس، لكنه ينسب لما يطلق عليهم باراميديكال (أي الدخلاء الممارسين لمهنة الطب البيطري دون خريجي كلية الطب البيطري)، والذين يتوزعون على مراكز أدوية الطب البيطري، وهو ما تكشفه السطور التالية من التحقيق، رغم تكليف وزارة الزراعة المتكرر، لمديريات الطب البيطري بالمحافظات، بشن حملة مكبرة على مراكز بيع وتداول الأدوية البيطرية بمختلف المحافظات، لمنع تداول أدوية محظورة، أو تم إنتاجها بطريقة مخالفة للمواصفات القياسية المصرية، إلا أنها لم تكن كافية، فلا تزال هناك مراكز تتداول تلك الأدوية.

* ينص القرار الوزاري رقم 1616 لسنة 2000 الخاص بتنظيم المراكز البيطرية لبيع وتداول المستحضرات البيولوجية والبيطرية "الأمصال واللقاحات"، والقرار رقم 1843 لسنة 2000، على أنه لا يجوز فتح مراكز بيطرية لبيع وتداول الأدوية البيطرية إلا بترخيص من الهيئة العامة للخدمات البيطرية.

في أحد أحياء الهرم، انتهى "أحمد" من إجراء الكشف الطبي الدوري على الكلب الخاص به، ووصف له الطبيب بضعة أدوية ليواظب عليها الكلب منعًا من إصابته بمرض معدي، فخرج من المستشفى البيطري ليجد بجوارها محلا كبيرا يضم الكثير من الأدوية البيطرية، ويقف فيه شخص ادعى أنه طبيب مرتديًا "بالطو"، حسبما وصف.

دخل "أحمد" ليشترى الدواء الذي وصفه له الطبيب، إلا أنه لم يجده بالمحل، واقترح عليه صاحب المحل أن يأخذ بديلا له وسيكون له مفعول أكبر، فما كان من "أحمد" إلا أن وافق على البديل وبدأ في المواظبة على الجرعات كما طلب منه الطبيب.

بعد أيام فوجئ "أحمد" بكلبه مستلقيًا على جنبه لا يتحرك، فهرع إليه محاولًا استخراج منه أي إشارة حياتية لكنه لم يفلح، وانطلق عائدًا إلى المستشفى ليكشف له الطبيب أن الدواء الذي أعطاه له ليس مناسبًا لكلبه وهو ما جعله في هذه الحالة، وحين سرد له "أحمد" مع حدث مع صاحب المحل، أخبره بأنه ليس بطبيب ولا يحق له صرف أدوية أو وصف بدائل، فهو أحد الدخلاء على مهنة الطب البيطري.

* ينص قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 127 لسنة 1955، حظر بيع الأدوية البيطرية في مكان أخر سوى الصيدليات البيطرية، ومنع تداولها من خلال البيطريين أو مراكز بيع الأدوية البيطرية.

تواصلت "الدستور" مع الدكتور وائل فاروق، مدير وحدة بيطرية بملوي محافظة المنيا، الذي أكد أن الشركات مثل المنار والبدر وابن سينا تبيع الأدوية البيطرية للمهندسين الزراعيين وممرضي العيادات البيطرية بملوي ومعظم مراكز المنيا مثل أبو قرقاص وبني مزار وديرمواس، رغم أن قانون المهن الطبية البيطرية يمنع بيع وتداول الأدوية لغير الأطباء البيطرين في كل دول العالم، لكن لغياب الرقابة في مصر يستطيع "الباراميديكال" -الدخلاء الممارسين لمهنة الطب البيطري دون خريجي كلية الطب البيطري- شراء الأدوية وبنفس سعر الطبيب، والشركات تريد فقط تحقيق مبيعات، رغم أن كل الأدوية غير مسموح بتداولها حتى لو فيتامينات.

واختتم "فاروق" حديثه معنا قائلا: لو روحتي عقدتي صفقة أدوية مع الشركات دي هتم حتى لو مش معاكي ما يثبت إنك طبيبة بيطرية، وبياخدوا كاش من أي تاجر وبيسموا البيع دا "المحروق"، وللأسف لم يتم اتخاذ أي إجراءات قانونية تجاه أي من المراكز التي تتعامل بهذه الطريقة، واللي بيكون مسئول عن التواصل مع الشركات دي الباراميديكال.

في بدايات عام 2018، تكرر طلب الدكتور خالد العامري نقيب البيطريين، للدكتور عبدالمنعم البنا وزير الزراعة، بتعيين الأطباء البيطرين، لشغل 6 آلاف درجة شاغرة –وقتذاك- في وزارة الزراعة، لمنع إحلال منتحلي صفة "طبيب بيطري"، مرسلًا مذكرة لهيئة التنظيم والإدارة أيضًا لتوثيق مطلبه.

وبرر "العامري" مطلبه بأن هؤلاء يدمرون الثروة الحيوانية، إثر تدخلهم في علاج الحيوانات دون دراسة بيطرية أو دراية بنوعية الأدوية وأضرارها، مشيرا إلى أن هذا التدخل السئ الذي يضر صحة الحيوان، ينعكس أيضا على صحة الإنسان، مناشدًا بضرورة مطاردة الحملات الرقابية من الوزارة لهؤلاء الدخلاء لا أن يسعوا لإغلاق عيادات الطب البيطري المتخصصة لنقص أوراق ترخيصها، كاشفًا أن هناك أكثر من 3000 منفذ بيع أدوية يمتلكها دخلاء المهنة.

وفي حديث لها، أكدت الدكتورة شيرين ذكي، عضو نقابة البيطرين، أن "الباراميديكال" هم من صناعة الأطباء البيطريين أنفسهم، لخشيتهم تدريب الخريجين البيطرين الجدد لعدم فتح عيادات منافسة لهم، فيتجه الطبيب إلى تعيين "دبلوم تجارة"، إلا أنهم هؤلاء من غير المتخصصين يتركون الأطباء ويتجهوا فيما بعد إلى المتاجرة في الأدوية وعلاج الأغنام، ودخل في هذا السباق أيضًا بعض محلات بيع الحيوانات الأليفة التي بدأت في بيع وتداول الأدوية البيطرية.

الدكتور صلاح الدين عبد الحميد، أستاذ الدواء البيطري بجامعة القاهرة، أوضح في حديثه أن أي دواء خاطئ يعطيه "الباراميديكال" للأغنام والحيوانات، يضرها بنسبة كبيرة، فإذا تناول الحيوان دواء خاطئ قد يحدث له مضاعفات، أو تأثيرات جانبية، ما ينعكس بالسلب على الإنسان بالتبعية.

واتجهت وزارة الزراعة لاتخاذ إجراءات صارمة حيال هذه الأزمة، في محاولة منها للقضاء عليها، فأطلقت مجموعة من الإجراءات كلفت الهيئة العامة للخدمات البيطرية وقطاعات الوزارة بتنفيذها، أبرزها: تكثيف الحملات الرقابية على مراكز بيع وتداول الأدوية واللقاحات البيطرية والعيادات البيطرية، أيضًا الكشف عن تراخيص التداول، للحد من بيع لقاحات وأدوية مغشوشة ومضروبة ومحظورة تداولها بالأسواق، إغلاق منافذ بيع الأدوية واللقاحات الغير المرخصة، تعميم منشور من الخدمات البيطرية لمديريات الطب البيطرى بالمحافظات بتراخيص جميع مراكز بيع اللقاحات، وغيرها.

يذكر أنه من أكثر المحافظات التي أعلنت عن ضبطيات لأدوية بيطرية مغشوشة بعد شن حملات تفتيشية على عيادات ومعارض بيع الأدوية البيطرية لضبط المخالفين واتخاذ الإجراءات القانونية حيالهم، وذلك على لسان المكتب الإعلامي للمحافظة، هي محافظة الشرقية؛ وإحصائياتها موضحة في الرسم البياني التالي: