رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"على حافة الحياة".. حكايات من دفتر آلام مرضى "الثلاسيميا"

جريدة الدستور

وجهه بائس، عيونه انهكها المرض، يتمتم ببعض الكلمات غير المفهومة من شدة اليأس، قابضًا يده بإحكام على صغير لم يتم العاشرة من عمره، يظهر على وجهه الهزيل آثار المرض، أمام بوابة أمراض الدم بين أروقة مستشفى القصر العيني القديم.

الصغير يعاني من مرض "الثلاسيميا"، الذي أصبح يمثل خطورة في مصر، رغم إعلان منى الغمراوي، أستاذ طب الأطفال بطب القصر العيني، ومديرة مستشفى أبوالريش المنيرة للأطفال، أن السيطرة عليه ممكنة في ضوء التطورات العلاجية الأخيرة لأمراض الدم.

وقالت الغمراوي، إن مستشفى أبوالريش تقدم العلاج لأعداد كبيرة من المصابين بأمراض الدم سنويًا، مشيرة إلى أن جزء كبير من دورة العمل بالمستشفى قائم على التبرعات، مشيرة إلى أن كثير من الدول نجحت في مساعيها نحو الحد من انتشار المرض وانتقاله من المرضى إلى الأطفال.

"الثلاسيميا" يعتبر نوعًا من الأنيميا الوراثية، وتصل نسبة حاملي المرض في مصر إلى 9%، وهي واحدة من أعلى النسب على مستوى العالم، وتتراوح نسبة المصابين بالثلاسيميا في الشرق الأوسط ما بين 2% إلى 8%.

مرضى "الثلاسيميا" يحتاجون إلى عمليات نقل دم بصورة دورية لتعويض كرات الدم الحمراء التي تقل بسبب المرض، تم إنشاء جمعية أنيميا البحر المتوسط في مصر عام 1991، وتخدم كل أمراض الأنيميا.

"المرض بيأكل في جسم ابني من أول ما اتولد"، هكذا بدأت والدة محمد سرد قصتها لـ"الدستور"، إذ أن ابنها ولد مريضا بـ"الثلاسيميا"، وهو أحد الأمراض التي تؤثر بشكل مباشر على كرات الدم.

تقول "أم محمد" والدة الطفل الصغير، إنها تأتي بإبنها إلى غرفة أمراض الدم بالقصر العيني مرتين شهريًا، حتى ينقل له الأطباء أكياس الدم، وإجراء بعض الفحوصات الطبية له للتأكد من نسبة تسريب الحديد في جسده، لأنها في حال زيادتها بشكل كبير فقد تؤدي إلى موته.

تأتي السيدة في كل مرة من منطقة المنيب، وحينما يصل الطفل إلى المستشفى يكون قد انهكه التعب، فتجلس به في هذه الطرقات حتى يتسنى لجسده الهزيل أن يرتاح بعيدًا عن حرارة الشمس وضجيج المرضى.

"ياريت يكون فيه علاج نهائي".. هكذا تمنت أم محمد أن تجد علاجًا لإبنها المريض، متابعة أن الأطباء أخبروها بأن حالة ابنها ليس لها علاج، وعليه فقط أن يأخذ أكياس الدم في موعدها المحدد.

بسيوني سيد، طالب بالفرقة الأولى كلية العلوم، جامعة القاهرة، يقول إنه ولد مريضا بـ"الثلاسيميا "، وظل يأخذ جرعات ثابتة من أكياس الدم، وفي أحد المرات أخبر الطبيب والده أن ابنه تراكم في جسده عنصر الحديد، وأنه لن يعيش طويلًا.

ويوضح بسيوني، أن بعدها ظل والده ينتظر خبر وفاته، حتى توفى هو، معلقا: " كان محضر كفني وكل حاجة جنبه في السرير علشان لما أموت بس للأسف هو اللي مات وبقيت باجي أخد جرعة الدم لوحدي".

يضيف أنه سمع عن حديث مديرة مستشفى القصر العيني، إلا أنه لم يدرك ما هو العلاج الجديد الذي سيقضي على المرض، موضحًا أن أزمته الدائمة تتلخص في أكياس الدم، والمتبرعين، إذ أن فصيلته تعد من الفصائل الأقل انتشارا "b-".

وتابع: "عشان كده أوقات بروح بنك الدم عشان اشتري أكياس، ودي الأزمة الأساسية أكياس الدم علشان مش بنلاقيها كتير والموضوع بيبقى مرهق، وبيحتاج فلوس كتير".

تابع أنه هناك بعض الحالات المريضة بـ"الثلاسيميا "، يمكن علاجها بإجراء عملية جراحية لهم، وهي عملية زرع النخاع، موضحًا أن هذا لا يتطابق مع حالته الصحية، فهو علاجه الوحيد أكياس الدم، ومتابعة الحديد فقط.

الدكتور محمد جمال، أحد الأطباء القائمين على عيادة أمراض الدم بالقصر العيني القديم، يقول إن هناك ثلاثة أنواع لمرض "الثلاسيميا"، الأول وهو الذي لا يمكن علاجه، وإنما يعطي الطبيب حفنة بسيطة من أكياس الدم كل فترة.

ويضيف: "الثاني هو النوع الذي يمكن علاجه جراحيًا، من خلال إجراء عملية زرع نخاع من نسيج يناسب المريض، النوع الأخير هو المدمر الذي لا نستطيع علاج ويعطي للمريض الأدوية وجهات مكثفة من الدماء بشكل دوري حتى لا يفقد حياته".

ويوضح أن "الثلاسيميا" هي أنيميا وراثية تدك كرات الدم الحمراء داخل جسد الإنسان محاولة قتله، مشيرًا إلى أن معظم الحالات تكون من النوع الأول أو الثاني، كما أن معظم رواد العيادة من الأطفال تحت سن العاشرة، وهذا لا يعني إلا أن هذا المرض قد اتسعت بؤرة نشاطه بشكل كبير في الآونة الأخيرة.

ويضيف جمال، أن حديث الطبيبة مديرة القصر العيني، عن وجود علاج يشفى هؤلاء المرضى أمر عظيم، إلا أنه قد اختلط في ذهنه ببعض الخوف والدهشة، إذ أنها لم توضح علاجًا لأي نوع، وما هو نوع العلاج.

يختتم: "أتمنى أن يكون علاجًا للنوع الأول والثالث، لأنهما اللذان لا يوجد لهما علاج قد يشفي المريض منهم، وفيه عدد كبير من الجامعات المصرية كانت تعمل بحثًا عن العلاج ومن الممكن أن يدخل حيز التطبيق في مصر خلال الفترة القادمة".

"مروة" 20 عامًا، حالة أخرى تعاني من مرض "الثلاسيميا"، تؤكد أنها تعاني من عدم توافر أكياس الدم التي تحتاجها إسبوعيًا في المستشفيات، موضحة أن المرض لا يوجد له علاج سوى تلك الصفائح الدموية التي تنقل لهم.

تقول: "بحس إني جسمي بيتكسر بسبب مفيش دم لازم الجرعة دي أخدها كل فترة، ولو ملقتهاش مقدرش أتحرك، وممكن الموضوع يوصل للموت في بعض الحالات الحرجة من المرض".

يوجد في مصر ما يقرب من 7 آلاف مريض يتم علاجهم في مراكز التأمين الصحي والأماكن المتعاقد معها، منهم 4800 في مراكز العلاج التابعة للتأمين الصحي و2000 في الجامعات.

ويبلغ متوسط علاج المريض من 1800 إلى 2500 جنيه للأطفال تحت سن 6 سنوات، بينما كل من هو أكبر من 6 سنوات، تبلغ تكلفة علاجه من 3 إلى 5.5 آلاف جنيه يدفعها التأمين الصحي، بحسب الجمعية المصرية لأنيميا البحر المتوسط.