رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

حافة الهاوية «1»


تدفع الولايات المتحدة الأمريكية، مُجددًا، العالم إلى معايشة مشاعر القلق والهلع، المترتبة على حشر العالم فى وضعية «حافة الهاوية»، التى استخدمتها فى فترات سابقة، خلال وقائع «الحرب الباردة» عقب انتهاء الحرب العالمية الثانية.
كانت نتيجة الصراع الدامى بين «الحلفاء» و«المحور» قد أفضت إلى التخلُّص من العدو الشرس: ألمانيا النازية و«الرايخ الثالث» بزعامة «أدولف هتلر»، وبات من الضرورى، بالنسبة للاحتكارات الكبرى المهيمنة على مسيرة الولايات المتحدة والعالم الرأسمالى الغربى، وأساسًا «المُجَمَّع الصناعى العسكرى»- أن «تخترع» عدوًا جديدًا، توجّه له قذائفها وحِمم إعلامها، لكى تضمن تدفق مليارات الدولارات سنويًا إلى خزائنها المتخمة، وكان العدو جاهزًا، حليف الأمس الذى دفع ثمنًا باهظًا للانتصار على العدو المشترك: إنه الاتحاد السوفيتى السابق و«الشيوعية»، وقد خرج، هو أيضًا، فائزًا فى الحرب، بعد أن قدَّم ما يزيد على عشرين مليونًا من الضحايا، فضلًا عن خسائره المادية الهائلة.
دارت آلة الإعلام الجهنمية لشيطنة العدو الجديد، ونشطت هيئات التجسس لاختراق مؤسساته، واستُخدمت جميع أسلحة الحصار والتضييق، والهجوم، والتخريب، لزعزعة استقرار الدول الاشتراكية الواقعة وراء ما سُمّى «الستار الحديدى»، حتى تداعت أركانها فى بداية عقد التسعينيات الفائت، وتفككت أوصالها، مُطلقة للولايات المتحدة، «القطب الأوحد»، فرصة الانفراد بشئون العالم، والعربدة التى لا يحدها حدود، فى تقرير شئونه على نحو ما هو معروف بآثاره ونتائجه.
ثم كان لا بد للولايات المتحدة وأنصارها من البحث عن عدوٍ جديد حتى يستمر الوضع، ولا ينقطع تدفق المكاسب الهائلة، «نلاحظ هنا أن موازنة الحرب الأمريكية، للعام المقبل (2020) تبلغ 750 مليارًا، أى أكثر من مليارى دولار مع مطلع كل شمس».
وهذه المرّة، وقع الاختيار على «الإسلام» و«المسلمين»، وجرى ما جرى من شيطنة لهما، وإلصاق كل الصفات السلبية والرديئة وتعميمها عليهما، مع قرع طبول الحرب ضدهما، فى ظل الترويج لـمقولات مفبركة جديدة، من نوع «نهاية التاريخ»، و«حروب وصراعات المعتقدات والحضارات».
وكان من نتيجة هذا التوجّه حرب إبادة الشعب العراقى، ونهب وتدمير تراثه الحضارى، واحتلاله وتقسيمه «واقعيًا»، تحت مزاعم مكذوبة، ومبررات مُلفّقة، ثبت يقينًا «فبركتها»، باعتراف «أبطالها» وصانعيها.
ولم يكتفِ مروجو سياسة «حافة الهاوية» بهذا القدر من الخراب والترويع، وإنما أطلقوا شياطين الإرهاب الذى وصموه بـ«الإسلامى»، بتبنيهم جماعة «الإخوان» الإرهابية، واعتمادهم أمراء الحرب وتُجّار المخدرات كأئمة لـ«المجاهدين» فى أفغانستان، ضد جيش «الملحدين» السوفيت، وبتبنيهم ودفعهم فرق الإرهاب الدينى لكى تعيث فسادًا فى أرجاء الدول التى استعصت عليها، بعد أن وصمتها بـ«الدول المارقة»!.
ثم بعد أن أدت هذه الاستراتيجية دورها، واستنزفت أغراضها، بات «اختراع» العدو الجديد أمرًا واجبًا، وهذه المرّة وقع الاختيار على العدو «الإيرانى» و«الشيعة»، الذى يُحقق لأمريكا عدة مكاسب فى آن واحد:
أولًا: تحقيق مصلحة إسرائيل فى الخلاص من واحد من أهم وأقوى جيوش منطقة الشرق الأوسط، والعدو الرئيسى المستهدف، فى الوقت الراهن.
وثانيًا: تمزيق المنطقة العربية المُفتتة، بين «سُنّة» و«شيعة»، واستنزاف دول الخليج ماديًا، بالتخويف من «العدو الإيران» ادّعاء درء خطره عنها، وهو ما أعلنه «ترامب» بصفقاته المتناهية: «عليهم أن يدفعوا ثمن حمايتهم، وإلا سنرفع أيدينا عنهم، ليواجهوا مصيرهم بالسقوط فى غضون أسبوعين لا أكثر».
وثالثًا: إحكام السيطرة على أسعار ومسار سوق النفط العالمى، بحصار إيران، وتهديد كل من يتعامل معها، وإخراجها من دورها المؤثر فى هذا المجال.
ورابعًا: توجيه ضربة قويّة لسوريا، وحلفائها فى الداخل والخارج، بحصار دور إيران الداعم.
وخامسًا: توجيه ضربة قوية لحلفاء إيران الأساسيين: روسيا والصين.