رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

القيم الأخلاقية وبناء الإنسان


لا يمكن لأحد أن ينكر الفضل للمصرى القديم فى التحلى بنشر الأخلاق القويمة العالية، فمصر الفرعونية لعبت دورًا كبيرًا فى نشر القيم الأخلاقية لمختلف الحضارات عبر العصور، وفى ترجمة «سليم حسن» لكتاب جيمس هنرى بريستد «فجر الضمير» نقرأ: «كان للمصريين مقياسٌ خلقىٌّ سامٍ جدًا، وأنَّ هذا المقياسَ ظهر قبل أن تُكتب الوصايا بألف سنة».
القيم الأخلاقية تتصدر حيزًا مهمًا فى حياة الإنسان، وبالتالى شغلت مساحة عريضة من بحث المفكرين والمهتمين بالجوانب الإنسانية والاجتماعية عبر التاريخ. ولتحديد مفهوم القيم بالمعنى العام نستعرض رؤى متعددة، عرّف جيمس فيرى القيم بـ«مجموعة من المعايير التى يضعها المجتمع ويلزم بها الأفراد»، ويضيف روبن وليامز أن «مفهوم القيم يتضمن عناصر متعددة ترتبط بالشعور والعاطفة، وأن القيم ذات تأثير مباشر على سلوك الأفراد وأفعالهم، بل هى فى الواقع الدافع وراء كل سلوك». ويرى عبداللطيف خليفة أن القيم «انعكاس للأسلوب الذى يفكر به الأفراد فى ثقافة معينة، وفى فترة زمنية معينة، كما أنها هى التى توجه سلوك الأفراد وأحكامهم واتجاهاتهم، فيما يتصل بما هو مرغوب فيه أو مرغوب عنه من أشكال السلوك، فى ضوء ما يضعه المجتمع من قواعد ومعايير».
فالقيم عبارة عن نظام معقد يتضمن أحكامًا تقويمية، إيجابية أو سلبية، مقبولة أو مرفوضة، نحو الأشياء أو الأفعال أو حتى نحو الأشخاص، وبذلك فالقيم تعكس أهداف الإنسان واهتماماته الذاتية، كما تعكس حاجات النظام الاجتماعى والثقافى الذى يعيش الإنسان فيه، أو الذى انحدر منه.
والمصرىُّ القديم فُطِرَ على الرقة والسماحة والمحبة والأدب والتديُّن، وليس على الجلافة والتشدُّد والتطرُّف والتعذيب والقتل.
ومن المهم أن نعرفَ كيف أنَّ المصرى بقدر ما كان يؤمنُ بالتسامح، كانت التعددية سمةً فى مُعتقداته وطُقوسِه، كما أنَّ الموتَ لم يكُن له هو النهاية، التى ليس بعدها حياة، إذْ كان يعتقد فى حياة أخرى ثانية سيحياها إلى الأبد، حيث تحلُّ الرُّوحُ، ولذا كانت مقبرتُه ملأى بأشيائه الأساسية، خُصُوصًا الطعام والشراب والأدوات التى ستُعينه فى حياته الخالدة، حتَّى عندما يُبعث من جديد، يجدها أمامه، ولذا اهتم المصرىُّ بتحنيطِ جُثَّته، ووضْعِها فى مقبرة مُحصَّنة من عبث الأيدى واللصوص، وكىْ لا يتلفها الزمنُ بتحولاته المناخية.