رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تسييس الإلحاد.. كيف يُسهم غياب الإيمان في نشر الفوضى؟

جريدة الدستور

تعمل وزارة الأوقاف على قدم وساق فى هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الكريم، لتقديم وجبة علمية دينية دسمة للشعب المصرى، من خلال الملتقيات الفكرية والدروس الرمضانية والمحاضرات والندوات فى ألف مسجد بمحافظات الجمهورية.
تستهدف الوزارة، وفق ورقة عمل حصلت «الدستور» على نسخة منها، منع تسلسل أيدى المتشددين أو المتطرفين أو غير المتخصصين إلى المساجد، إلى جانب التصدى لظاهرتى الإلحاد والإرهاب معًا، فالأولى وصفتها بـأنها «موجهة ومسيَّسة وممولة لنشر الفوضى»، والثانية بـ«نار تأكل موقديها وستنفجر فى وجوههم»، مع التأكيد على كفالة حرية المعتقد فى الوقت ذاته.
وتشير الورقة إلى وضع خطة واستراتيجية مُحكمة للمساهمة فى نشر الفكر الوسطى، ومنع تسلل المتشددين أو غير المتخصصين إلى المساجد، من خلال الملتقيات والدروس الفكرية، والاعتكاف تحت إشراف إمام من أئمة الأوقاف وبمساجد محددة، على أن تشهد ساحات العيد وجود إمامين، الأول أساسى والآخر احتياطى وبإشراف كامل من الأوقاف.
وتقول: «لدينا 12 ألف ملتقى إسلامى، فى ألف مسجد من المساجد الكبرى بواقع 3 لقاءات أسبوعية، يحاضر فيها إمام من الأوقاف وواعظ من الأزهر أو أستاذ من الجامعة، بالتعاون والتنسيق مع الأزهر الشريف، إضافة إلى دروس القيام طوال الشهر، مع العمل الدعوى للأئمة، فضلًا عن ملتقيات الفكر الإسلامى بمسجد الحسين، والدروس والندوات والمحاضرات والمدارس القرآنية العلمية، ونعمل على شغل الساحة بما يحصن النشء أو الشباب، وسد الفراغ الذى تتسلل منه الجماعات المتطرفة، فالأوقاف دخلت بقوة لسد الفراغات».
وتذكر أن «الهدف هو الكشف عن يسر وسماحة الإسلام، ونشر مكارم الأخلاق والقيم الإنسانية، وترسيخ أسس التعايش السلمى بين الناس جميعًا.
وتطرقت الورقة إلى الضجة التى أثيرت بشأن منع استخدام مكبرات الصوت، حيث تذكر: «بالنسبة مسألة مكبرات الصوت فلم يكن القرار جديدًا، ودائمًا نؤكد أن مكبرات الصوت تقتصر على الأذان وخطبة الجمعة، وفى صلاة التراويح نقتصر على المكبرات الداخلية وعلى قدر الحاجة، بمعنى ألا نستخدم 20 ميكروفون داخلى إذا كان لدينا صف واحد فى الصلاة على سبيل المثال، فالأمر حسب عدد المصلين ووصول الصوت إليهم».
وتقول: «مثالًا مسجد عمرو بن العاص، نجد المصلين خارج المسجد يفرشون أمتارًا للصلاة، وهنا لا نستطيع منع مكبرات الصوت، لكن تجرى مخاطبة رئيس القطاع الدينى للسماح للمسجد باستخدام مكبرات الصوت الخارجية، وفى الحالات الاستثنائية فى صلاة التراويح بالعشر الأواخر من رمضان وفى أيام الاعتكاف وليلة الـ27 نستخدم مكبرات خارجية قدر الحاجة الفعلية».
وتؤكد الوزارة أن «الأذان الموحد أهم الركائز الأساسية فى ملف تجديد الخطاب الدينى، ويعمل على القضاء على تداخل الأصوات فى المساجد القريبة أو اختلاف توقيت إطلاق الأذان فى المنطقة الواحدة».
وتضيف: «نحن نسير فى التجربة بقوة، لأنها عملية مهمة وتقضى على كثير من المشكلات، فالآن لدينا مستوى صوت وأداء واحد ومتميز وفى توقيت واحد مع مراعاة فروق التوقيت».
وتنفى الوزارة ما يتردد بشأن الاستغناء عن المؤذنين: «الأذان الموحد لا يمنع على الإطلاق تقديم الأصوات الحسنة فى مسابقات الوزارة كما يشاع، بل على العكس يشجعها، لأننا لن نعتمد على مؤذن واحد، ونعقد حاليًا اختبارات وندرب الناس وهناك تنسيق مع الإذاعة والتليفزيون لإفراز الأصوات الحسنة، مع العلم أننا نراعى فروق التوقيت ولا نستخدم أذانًا بصوت واحد، وعليه فسيكون للإسكندرية أذان وللشرقية أذان بصوت آخر، ما يعنى تشجيع الأصوات الحسنة».
وبشأن الأوضاع فى أكاديمية الأوقاف لتدريب وتأهيل الدعاة وهل ستحقق طفرة، تقول: «نحن نعمل فى أكاديمية الأوقاف على الجوانب الشرعية واللغة الأجنبية والحاسب الآلى وعلم النفس، ونستقبل الأئمة من مختلف دول العالم، ونقيم دورات تدريبية فى مختلف دول العالم لأئمة الدول الراغبة فى الاستفادة من التجربة المصرية فى مجال تدريب الأئمة، عبر علماء أكفاء ومستنيرين فى المجالات شتى، ويحوى المبنى قاعات للمحاضرات وغرف إقامة للأئمة وأخرى للواعظات، ونحرص على تأهيل وتدريب الأئمة لتنويرهم لتصحيح المفاهيم الخاطئة، ومواجهة خطابات التطرف والغلو، ولن يقتصر دورنا على أئمة الوزارة، فالباب مفتوح لوعّاظ الأزهر الشريف بالتنسيق بين المؤسسات».
وحول دور الواعظات، تذكر «ورقة الأوقاف» أنه «خلال الفترة الماضية ضممنا عددًا كبيرًا من الواعظات وصل إلى 236 واعظة، ونتوسع فى ضمهن بانتقائية شديدة لاختيار نخبة متميزة، ووضعنا خطة لتوسيع دائرة عملهن، من خلال الملتقيات والقوافل الدعوية بهدف تطوير فكر النساء والتصدى للأفكار المغلوطة، وأيضًا الدروس العلمية بالمساجد وتحفيظ القرآن. وبسبب النجاح الذى حققته الواعظات، فتحنا المجال لمشاركتهن فى بعثة الحج من خلال الدفع بـ9 واعظات لمرافقة البعثة».
وتطرقت ورقة الوزارة إلى قضية الثابت والمتغير، إذ تذكر أن «النص المقدس ثابت، أما الشروح والحواشى والآراء التى قيلت حول النص فهى اجتهادات تتغير بتغير الزمان والمكان والأحوال والأشخاص والمستفتين، وما كان يتوافق فى عصر قد لا يتوافق فى عصر آخر إذا تغيرت الظروف وتغير وجه المصلحة فيه، والمُفْتَى به فى عصر معين، وفى بيئة معينة، وفى ظل ظروف معينة، قد يصبح غيره أولى منه فى الإفتاء به إذا تغيّر العصر، أو تغيّرت البيئة، أو تغيّرت الظروف».
وتقول: «أجمع جمهور الأصوليين والفقهاء على حجية القياس لمواكبة الأمور الحادثة والطارئة والمستجدة ليكون أهم أدوات المفتى والمجتهد والمجدد فى معالجة القضايا العصرية والمستجدة دون جمود أو انغلاق، وإذا كانت العبادات فى جملتها تدخل فى نطاق الثابت فهى علاقة خاصة بالعبد فيما بينه وبين الله».
وتضيف أن «الشريعة الإسلامية فتحت الأبواب واسعة أمام معالجة المتغيرات فيما يتصل بمعاملات الناس بيعًا وشراءً، وإقامة مجتمع، ونظام حكم، بما يحقق المصلحة الشرعية المعتبرة، ولا يتجاوز الثوابت، شريطة أن يقوم بعملية الاجتهاد والتجديد أهل النظر من العلماء المتخصصين المستنيرين غير المنعزلين عن واقعهم».
وبشأن مواجهة الإرهاب، تقول: «جعلنـا من مواجهـة الإرهـاب، وكشـف أباطيل وضلالات أصحابه، وتفنيد حججهم، والعمل على نشـر قيم التسامح، وتأصيل فقه العيش المشترك، وترسيخ أسس المواطنة المتكافئة، وتعميق روح الولاء والانتماء الوطنى، وتصحيح المفاهيم الخاطئة- هدفًا رئيسًا واستراتيجية ثابتة وواضحة».
وأشارت الوزارة إلى إصدارها كتابًا تحت عنوان ضـلالات الإرهابيين وتفنيدها، لمجموعة من العلماء، لافتة إلى أن الخطر داهم لا يقف شره عند حد أو حدود، بل نار تحرق حتى موقديها، وسينفجر يومًـا مـا فى وجه كل من يصنعه، أو يموله، أو يأوى عنـاصـره، أو يوفر لهم الدعم المالى أو العسكرى أو اللوجستى، أو حتى الغطاء الفكرى والأيديولوجى.
وأكدت أن «الإرهابيين لا دين لهم ولا خلق ولا قيم، انسلخوا من كل القيم الدينية والأخلاقية والوطنية والإنسانية والآدمية لا علاقة لهم بالأديان ولا بالإنسانية».
وتطرقت «الأوقاف» إلى قضية غاية فى الأهمية وهى قضية الإلحاد، حيث تقول: إن ظاهرة الإلحاد أصبحت موجهة ومسيَّسة ومصنوعة وممولة قصد الإسهام فى إحداث حالات الفوضى والإرباك.
ولفتت إلى إصدارها كتابًا بعنوان «مخاطر الإلحاد وسبل المواجهة» لمجموعة من العلماء، لتسليط الضوء على كوارث القضية وكل ما يتعلق بها، بل وضع طرق المواجهة أيضًا.
وتؤكد أن الإلحاد يشكل خطرًا داهمًا على الفرد والمجتمع والوطن والأمة العربية، كما أنه يهدد أمنها القومى من جهة أخرى، فتحت مسمى حرية المعتقد يهدف أعداء الأمة إلى تمزيق كيانها وضرب استقرارها بالأساليب الشيطانية، فمنهم من يتبنى ويدعم الجماعات الإرهابية التى تسىء إلى صورة العرب والمسلمين، وتصورهم على أنهم همج رعاع رجعيون يعودون بالإنسانية إلى ما قبل التاريخ، أو يدعم الجماعات الإلحادية المتحللة من كل القيم الأخلاقية والوطنية ممن يسهل توظيفهم لخدمة أجندات ومخططات أجنبية دون وازع من دين أو ضمير وطنى.
ولفتت إلى أن للإلحاد مفاسد وشرور لا تُحصى ولا تُعد على الفرد، والمجتمع، والأمم، والشعوب، كاختلال القيم وانتشار الجريمة وتفكك الأسرة والمجتمع والخواء والاضطراب النفسى، وتفشى ظواهر خطيرة كالانتحار، والشذوذ، والاكتئاب النفسى. وثمة فرق كبير وشاسع بين حرية المعتقد والاستهداف السياسى تحت مسمى حرية الاختيار، فحرية المعتقد مكفولة، والاستهداف الموجه قصد إثارة الفوضى أمر لا يمكن أن يقبله أحد، والسير فى طريق الإلحاد والضلال مُدمّر لصاحبه، مُهلِك له فى دنياه وآخرته، فواقع الملحدين مُرّ، ملىء بالأمراض والعقد النفسية، ولا يمكن للعقوبات الدنيوية والأعراف والتقاليد وحدها مهما كانت دقتها أن تضبط حركة الإنسان فى الكون. وفى ختام ورقتها تحدثت الوزارة عن قيمة الإنسانية قائلة: «ديننا الحنيف رسخ مبدأ فقه العيش المشترك، ودعانا إلى التراحم والتقارب والتعارف، وقامت فلسفة ديننا السمح على الإيمان بالتنوع والاختلاف، ويقول الحق سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)، وعظم سبحانه وتعالى شأن المشتركات الإنسانية فى كتبه المنزلة ورسالاته التى أرسل بها رسله».
وتابعت: «تختلف الشرائع فى العبادات وطريقة أدائها وفق طبيعة الزمان والمكان، لكن الأخلاق والقيم الإنسانية التى تكون أساسًا للتعايش لم تختلف فى أى شريعة، فلا توجد شريعة أباحت قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق، أو أباحت عقوق الوالدين، أو أكل السحت، أو أكل مال اليتيم، أو أكل حق العامل أو الأجير، وأرونى أى شريعة أباحت الكذب، أو الغدر، أو الخيانة، أو خُلف الوعد أو نقض العهد، أو مقابلة الحسنة بالسيئة».