رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الخداع البصري «1»


يستهوينى حل الاختبارات النفسية التى تعتمد على الخدع البصرية، لكننى بالأمس توقفت أمام أحد الاختبارات التى تظهر على صفحتى على فيسبوك فى حيرة، كان اختبارًا عاديًا: لوحة فنية وفوقها سؤال: ما الحيوان الذى تراه أولًا، ويقدم موقع Bright Side تفسيرًا لدلالة هذه الرؤية وكيف تعبر عن بعض صفاتك وسماتك النفسية.
سبب حيرتى أننى ظللت لبرهة أحدق فى الصورة التى تداخلت فيها ألوان البرتقالى والأصفر والأزرق والبنفسجى والأخضر والبنى بدرجات لونية متعددة، خطوط متداخلة دائرية وبيضاوية، حاولت أن أتلمس خطًا وأتبعه كى أرسم منه شكلًا لحيوان، اعتقد عقلى أن المطلوب هو تكوين صور للحيوانات وأحدد أول حيوان أراه.. بعد دقائق من البحث والسعى خلف خطوط متشابكة وألوان منساحة، ظهر لعينى فى أعلى اللوحة شكل رأس دب، لونه رمادى وأنفه أسود، أى أنه كان بعيدًا عن الخطوط والمساحات اللونية، الدب كان موجودًا ومختبئًا خلف الألوان الصاخبة، أنا فقط لم أميزه للوهلة الأولى، هل لأن عينىّ لم ترياه فعلًا، أم لأن عقلى كان يستخدم مفاتيح خاطئة لفك اللغز؟
كنت أسعى لخلق تكوين من المساحات والخطوط اللونية، فى حين أن ما كان مطلوبًا ببساطة هو إزاحة هذه الخطوط، وهذه الألوان.. هذا الاختبار بغض النظر عن نتيجته التى وصفت من يرى دب الكولا أولًا بأنه شخص هادئ وحساس ومتعاون ويود أن يعيش يومه بطريقته الخاصة، وأنه لا يحب الحفلات الكبيرة، ويفضل قضاء أمسيته مع فيلم أو كتاب- وضعنى فى مواجهة مع فكرة الخداع البصرى، ووضع أمامى علامة استفهام كبيرة عن الأشياء الموجودة والتى لا أستطيع رؤيتها، وعن مدى حقيقة ما أراه وحقيقة وجوده وماهيته؟ هل أمد الخط؟: إذا كان الخداع يحدث للعين، التى نعتقد أنها قمة البرهان واليقين، ماذا عن العقل؟ الأفكار؟ المعتقدات؟ الغيبيات؟ إلى أى مدى يكون ما نعتقده صحيحًا؟ وكيف نكتشف أنه خطأ؟
هذه الحيرة تزامنت مع الاعتذار الذى قدمه الداعية عائض القرنى باسم «الصحوة» للمجتمع السعودى عن «الأخطاء أو التشديد التى خالفت الكتاب والسنة وخالفت سماحة الإسلام».
لقد أفسدت هذه الصحوة برؤيتها وتفاسيرها على الناس دنياهم وآخرتهم ليس فى المجتمع السعودى فقط. بل ربما هى تحمل على عاتقها وزر النكبة العقلية والروحية التى ألمت بالأمة الاسلامية هذا القرن وما قبله. التشدد، الحرفية، الشكلانية، التعقيد، قد تحجب عنّا رؤية تفاصيل اللوحة الحياة، الخداع البصرى والعقلى موجود وقد يجعلنا نرى الأشياء المستقيمة معوجة أو العكس، علينا أن ندرك ذلك ونؤمن بوجود نسبة لا يقين فى صحة كل ما نفعل.
شىء من الحيرة قد يفيد، فلنخفف عن كواهلنا مسئولية فرض ما نراه على العالم، يحق لنا أن نعبر عن رؤيتنا، ولكن لا يحق لنا أن نفرضها على الآخرين باسم الحلال والحرام، باسم الجنة والنار.
ليس هناك أفضل من أن يبحث الإنسان عن نقصه ويداويه، اهتم بنفسك ودع الآخرون يهتمون بأنفسهم، فالمرء يعيش تجربته وحده ويأتى الله يوم القيامة فردًا.