رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

سُحقًا لمن يحاربون الله


أمر طيب ونحن فى الأيام الأولى الطيبة من شهر رمضان المبارك، شهر الصوم وعبادة الإله العظيم الذى لا يعرفه شياطين اقتناص الأرواح، وحاملو صكوك احتكار الدين، وكارهو الحضارة والعلم والجمال- أن نتذكر ونُذكر بمقولة فضيلة الشيخ أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف بأن الجماعات الإرهابية تنطلق من اعتقاد خاطئ، هو أن من يخالف معتقداتهم فهو كافر مستباح دمه، فشدد فضيلته على أن حادث مسجد الروضة هو فى المقام الأول «حرب على الله ورسوله»، وأضاف أن «حادث الروضة مصيبة زلزلت قلوب المصريين والعالم».
نعم، وهل من وصف آخر لمن يقتلون البشر أعظم مخلوقات الله بوحشية ودون ذنب وخارج دوائر أى بقاع تشغلها صراعات أو حروب؟.. ما أبلغه إيجاز وبيان لحالة بشر «فى رداء ذئاب» قرروا أن يحاربوا بكل جهل وغطرسة وجحود الله العلى القدير ورسوله صاحب الرسالة، التى يدَّعون الانتماء إلى دعوة صاحبها، وهم يشوهونها ليل نهار.
وعليه كان سؤال الرئيس عبدالفتاح السيسى: يا ترى التشويه الحقيقى لديننا ولنا حدث أم لا؟ يا ترى شكل المسلمين فى العالم عامل إزاى؟ الناس كلها خايفة ومفزوعة مننا، متابعًا: «إحنا الأدوات اللى بيتم استخدامها لتدمير دولنا».
نعم، ما أبلغه أيضًا من إيجاز وتشخيص للحالة التى كنا عليها وما زلناــ للأسف عليها نمثل الأدوات التى يتم استخدامها لتدمير دولنا.
ويبقى السؤال: وما السبيل إلى نسف تلك الأدوات لضمان عدم وقوع مثل تلك الكوارث «باستثناء الدور الوطنى العظيم الأمنى والعسكرى الذى تلعبه وتؤديه بالفعل الشرطة والجيش بفدائية واستبسال ونبل دفاعًا عن مصر والإقليم، بل والعالم»؟.. ماذا عن باقى أسلحتنا لتدمير تلك الأدوات التى بها يسعون لتدميرنا بحربهم الغبية اللا إنسانية؟!.. إلى أى حد بتنا بحق نسعى بموضوعية وسبل علمية نحشد لها كل الجهود وبإرادة واعية لتجفيف منابع إنتاج الإرهاب وحرق تلك الآلة الجهنمية لصناعة الخوف والأرق والألم، والجاهزة دومًا لتحطيم ملامح الحضارات وكل مظاهر الجمال وتكفير من تمسكوا بكل قيم الحق والخير والسماحة على أراضينا الطيبة؟
جميعنا يتذكر كيف لعب الفن المصرى فى زمن إرهاب التسعينيات «ولعله إحدى قوانا وأدواتنا التى ينبغى استدعاؤها مع كل القوى الناعمة الأخرى» دورًا فاعلًا فى مواجهة تكرار وقوع الأحداث الإرهابية، ومن منا ينسى دور المسرح ورموزه العظام وفى مقدمتهم، على سبيل المثال، الفنان عادل إمام صاحب الشعبية الهائلة، وكيف أنه بادر بالذهاب بفرقته إلى مواطن وقواعد انتشار خلايا الإرهاب بالصعيد؛ ليعرض أعماله المسرحية التى تواجه الفكر الانغلاقى الظلامى، فكان أن أحدث ذلك الصدى الطيب، فضلًا عن إنتاج أفلام سينمائية ودراما تليفزيونية خصيصًا كمعالجات لمواجهة الفكر الطائفى والعنصرى والتكفيرى، وأيضًا المساهمة الجادة فى كشف أقنعة أهل الشر والإرهاب لجموع أهالينا البسطاء.
نعم، للفنون تأثيرها البالغ فى تغيير سلوك الإنسان، وبالتالى مواجهة الإرهاب، لأنها تطيب النفس وتنعش الروح وتزيل الحواجز بين ثقافات العالم المختلفة، وتدعو إلى قيم السلام وقبول الآخر، وكانت الدراما والسينما المصرية هى أول من دق ناقوس الخطر، ونبهتا العالم العربى للإرهاب وتأثيره الخطير على المجتمع فى عدة أعمال، كمسلسل «العائلة» وفيلم «يا دنيا يا غرامى»، وناقش هذه القضية وأسبابها ونتائجها أيضًا فيلم «دم الغزال»، الذى أظهر الوجه الحقيقى للإرهاب وأبدع فيه كل من العظيم الراحل نور الشريف والفنانة الجميلة منى زكى.. واليوم تتعرض مصر للمخطط نفسه لجرها لمستنقع الإرهاب والفتن، ولا سبيل للنجاة منه إلا بتفعيل دور الفن والثقافة والإعلام والمؤسسات الدينية وتطوير مناهج التعليم؛ لنشر الثقافة الوسطية ومحاربة الأفكار المتطرفة التى يعج بها بعض القنوات التليفزيونية، وللأسف بعض الأعمال الدرامية التى تروج للبلطجة والعنف.
لا بد من تسليط الضوء على الأبعاد النفسية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها لظاهرة التطرف من قبل خبراء فى علوم النفس والاجتماع والتربية والاقتصاد وغيرهم، والتركيز على مخاطر التطرف وانعكاساته على المجتمع ودوره فى إحداث اختلالات فى المجتمعات والبنى الرئيسية فيها.
لا بد من مراجعة ضبط المصطلحات، كاستخدام المدلول اللفظى المناسب للمصطلحات، والمعنى المنطبع فى ذهن المجتمع وتوظيفها التوظيف الأمثل، فعلى سبيل المثال «إن توصيف التكفيريين بمسمى السلفية الجهادية يجمّل صورة التكفيرى فى ذهن المُتلقى والأمر كذلك بالنسبة لوصف التنظيمات الإرهابية بالأصولية».
وينبغى توضيح حقيقة الفكر المتطرف والتكفيرى من خلال فضح الممارسات الإجرامية التى تقوم بها التنظيمات الإرهابية المتطرفة.. دعونا بشكل جدى لا نهمل مراقبة المؤلفات والمصنفات التى تحرض على التطرف والعنف ومنع تداولها وبيعها ودخولها.
لا شك أن التطرف فيروس شديد الضراوة وقاتل للحياة؛ لأنه متعدد الأشكال وحينما نتحدث عن التطرف الدموى الذى ابُتلينا به منذ سنوات تحت دعاوى دينية وهمية مضللة، لا ينبغى أن ننسى التطرف الخبيث الذى يسرى فى بناء الأشكال الدرامية والفنية؛ فيصيب منتجات السينما والتليفزيون والكمبيوتر بعلل مميتة نعانى أعراضها المؤلمة.. علينا التربص بكل ألوان التطرف اللئيم الخبيث الذى تموله رءوس أموال ضخمة وتشارك فى وجوده أعمال يتم تسويقها عبر دول وأجهزة هنا فى مصر.. النوعان من التطرف يمثلان خطورة داهمة المقصود من دعمهما النيل من مستقبل الفنون والثقافة الوطنية المصرية، عبر تنحية الكثير من القيم الوطنية النبيلة لهدم أهم أركان بناء الشخصية المصرية.