رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

جريمة بلا صدى 2


تناولت فى المقال السابق جريمة اغتصاب تلميذين، طفلين، 12 و13 عامًا، لطفلة أصغر، 11 عامًا، قتلاها بعد أن اعتديا جنسيًا عليها، متذرعين فى ذلك بأنهما شاهدا أفلامًا إباحية، وأرادا أن يُجربا ما يحدث فيها.
المؤكد أن المجتمع المصرى كله: الدولة والشعب، مسئول عن هذه الجريمة، التى تعكس اختلالًا كبيرًا فى قيمه وأخلاقيات بنيه، ولا يجب التهرُّب من هذه المسئولية، وإلا سنكون كمن يضع رأسه فى الرمال حتى لا يرى الواقع ببؤسه، والحقيقة بمرارتها، فيصحو على كارثة كبرى لا مجال لتداركها.

فأين، ابتداءً الأسرة.. الأب والأم والإخوة الكبار، والأعمام والأخوال والجدود والجدّات؟. كيف غفل أعضاؤها عن هذين الطفلين، ولم يجهدوا أنفسهم فى تربيتهما، ونقل القيم الأخلاقية السامية إليهما، كما كان يفعل آباؤنا وكبار أهلونا؟.
وأين المدرسة بمدرسيها وإدارييها ووزارتها وكوادرها وخبرائها مما حدث؟ وما حدود مسئوليتها بترك هؤلاء الأطفال دون رعاية أو توجيه أو تعليم حقيقى أو تربية أخلاقية وبدنية ووطنية، تحميهم من الغواية والانحراف، وتعدهم لمرحلة أعلى يستكملون فيها استعدادهم وإعدادهم البدنى والعلمى والنفسى للولوج إلى بوابات المستقبل؟.
وأين علماء الاجتماع من هذه الجريمة الكاشفة؟ أين مراكز البحوث الاجتماعية والجنائية؟، وأين «دكاترة» علم النفس والاجتماع من تحليل هذه التوجُّهات الخطرة.. أسبابها ونتائجها وسُبل مواجهتها، قبل أن تُصبح ظاهرة يصعب السيطرة عليها أو علاج آثارها؟.
وأين رجال الدين وعلماء العقيدة، فى المسجد والكنيسة، والمعهد والمدرسة، الذين شغل أكثرهم نفسه بشكليات الإيمان، من لحية وملبس ومظهر، وتجاهلوا مهمتهم الرئيسية فى تهذيب الأرواح، تشذيب المسالك؟ وأين أثر مئات الآلاف من خريجى الجامعات والمعاهد والمدارس الدينية، الذين تُنفق عليهم وعلى تعليمهم مليارات الجنيهات كل عام فى مواجهة مثل هذا السلوك الخطير، الذى يعكس تدهورًا لقيم المجتمع لا يجب التقليل من شأنه؟!.
وأين مؤسسات المرأة والطفولة، ومجلسها القومى وهيئاتها الرسمية، وجمعياتها الأهلية، التى تملأ الدنيا ضجيجًا بمؤتمراتها الأنيقة ومهرجاناتها الرشيقة، وتصرف الملايين «فى الفاضى والمليان»، دون اهتمام فعلى بحال أطفالنا وقضاياهم، وما جرى لهم من تغيرات حميدة أو مرذولة؟!.
وأين رجال «الميديا» الإعلام، خاصةً المرئى منه، من هذه الجرائم البشعة التى يعود جانب مهم من أسبابها إلى ما يبثونه فى فضائياتهم من تمثيليات وأفلام، تدفع دفعًا، بما تمتلئ به من عنف وغواية فجّة، إلى الجريمة والخروج على القانون، وكيف يمكن فى عصر «العولمة» وثورة الاتصال حماية الصغار من عبث وابتذال الكبار؟.
وأين الفنانون الذى يكسبون عشرات الملايين مما يقدمونه للناس من رداءة وسُقم وتردٍ وانحطاط، يذرى بما كان يقدمه أسلافهم من قيم راقية وفن محترم، حين يتباهى «نمبر وان» منهم بأنه «مافيا.. مافيا»، دون أن يقول له أحد: قف عندك. أنت تُخرَّب قيم المجتمع، وتدمر أخلاقياته ومبادئه.