رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لولي ومرجان «1»

القصة الكاملة لأغنية «وحوي يا وحوي».. هدية المصريين لقاهرة الهكسوس


- عزيزة حلمي.. سفيرة العوالم للغناء الرمضاني

الاحتفال بقدوم رمضان يعود إلى عمربن الخطاب والغناء للشهر ارتبط فى مصر بالفاطميين

المصريون غنوا لـ«إياح حتب» أم أحمس المسماة بـ«قمر الزمان» فقالوا: «وحوى يا وحوى»


قضية أصل الغنا ومتى بدأ.. ليست قصتى فى هذه السطور..
القصة باختصار.. أننا نغنى فى شهر رمضان.. احتفالًا به وتيمنًا.. واحتفاء بكل ما دعا إليه الإسلام من مودة ورحمة.. وبكل ما دعانا إليه من الاستمتاع بما أتانا الله من فضله.. وتذكيرًا وذكرًا لكل ما دعانا لأن «نمسك ونصوم عنه».
لا أبحث عن أصل الصيام «فقد كتب على الذين من قبلكم أيضا».. فقط أشير إلى أن «الحكاية قديمة.. قديمة جدًا.. الموسيقى والدين والإنسان.. قصة تحتاج إلى آلاف من الدراسات لمن يريد.. وأنا أريد فقط أن أشير هنا إلى أنه «كلما اقترب الإنسان من الله.. كانت موسيقاه أنبل وأرفع».. كما تقول د. رانيا يحيى فى تقديمها لكتاب الإسلام والموسيقى للباحثة د. سهير عبدالعظيم..
هذه ليست دراسة عن الصوفية والموسيقى.. أو عن علاقة الإسلام بالموسيقى.. أو علاقة العبادات بالموسيقى والغناء.. هذه فقط قراءة ورصد وإشارة إلى علاقة المصريين بشهر رمضان فى القرن العشرين من بوابة «الأغانى».. لكن كيف ولماذا وصلوا إلى هذه النقطة؟!، فذلك أمر يحتاج إلى تفصيل لا أستطيعه الآن..
فقط أستطيع أن أخبرك بأن ابن خلدون يقول فى مقدمته إن «آخر ما يحصل فى المجتمعات من الصنائع.. هو الغناء.. كما أنه أول ما ينقطع منها عند اختلالها وتراجعها».. لذا فمن الطبيعى أن يعرف المصريون الغناء مبكرًا.. ربما فى وقت واحد مع معرفتهم بالزراعة والاستقرار على ضفتى النهر.. وعرف العرب قبل الإسلام الغناء والموسيقى أيضًا.. كما عرفوه بعد ظهور الإسلام.. وربما كانت ذروة ازدهار الغناء فى العصر الأموى.. وفى ذلك يقول د. شوقى ضيف: «لاحظت أن الترف الذى أصيبت به قلة فى العصر الأموى لم يكن شيئًا حادثًا، فقد كان فى الجاهلية حياة تجارية خصبة».. و«كان من آثار هذا الترف والتحضر أن نما الغناء» باختصار وحسبما يقول الرجل نصًا ويتفق معه عشرات من الباحثين فى ذلك:
«كانت المدينة ومكة دارين للزهد والعبادة.. كما كانتا دارين للغناء وما يدمج فيه»..
وربما يستعجب البعض بعد كل هذه السنوات إن ذكرنا بأن الخليفة عبدالملك بن مروان «٦٨٥ - ٧٠٥ هـ» كان موسيقيًا وملحنًا.. وهو الذى أمر ببناء المدرسة الموسيقية العربية الأولى.. وأن هارون الرشيد «العباسى» أنشأ أول جامعة عربية لدراسة العلوم والفنون.. «بيت الحكمة».
هذه المقدمة كان لا بد منها قبل أن نصل إلى الفاطميين.. وبالتحديد إلى المعز لدين الله الذى «جاء بسيف المعز.. وذهبه».. فالفاطميون تاريخيًا هم أول من احتفل بميلاد النبى.. واتخذوه عيدًا تأكيدًا لانتسابهم لبيت النبوة.. وبالتحديد كان «أبوالمظفر» ملك أربل أول من احتفل به ومن بعده سارت سُنة.. ومثلما.. ابتدعوا الاحتفال بمولد النبى.. فهم الذين عرفوا «الاحتفال برأس السنة الهجرية.. وعاشوراء.. والإسراء والمعراج.. وليلة النصف من شعبان.. وليلة الرؤية».. ومنها عرفنا كل طقوس احتفالات المصريين بشهر رمضان المبارك.


*مكة تحتفل بقدوم رمضان

حسب الرحالة ابن جيد.. ومن بعده الرحالة ابن بطوطة.. فإن الاحتفال بقدوم رمضان قديم.. يصل إلى عمر بن الخطاب.. وابن الخطاب.. وابن بطوطة تحديدًا ربط الاحتفال بقرع الطبول حيث يقول: «وإذا أهل هلال رمضان تضرب الطبول والرباب عند أمير مكة ويقع الاحتفال بالمسجد الحرام».. لكن المؤكد أن فكرة الغناء احتفالًا بقدوم الشهر الكريم ارتبطت بالفاطميين.. وفى مصر تحديدًا.. فى عام ٩٧٢م.. مع قدوم المعز لدين الله الفاطمى.. الذى كان يمر موكبه من بين القصرين وحتى باب النصر ثم يعود إلى قصره بالموكب نفسه وأثناء عودته يوزع الحلوى والصدقات على الفقراء.. تصاحبه الموسيقى بأنغام قوية وبين آلاتها أبواق لا تعزف إلا بمصاحبة الخليفة».
ويذكر د. سعيد صديق عبدالفتاح أن «الولاة» أيام الدولة الطولونية كانوا يخرجون إلى الجامع الذى أنشأه ابن طولون ويجلسون فى قصر السلطان، حيث يجلس اثنا عشر من «المكبرين ويجعلون الليل نوبًا بينهم فيكبر كل أربعة من ذوى الأصوات الشجية معًا.. ويسبحون ويحمدون الله ويقرأون القرآن بألحان مطربة وأنغام شجية استقبالًا للشهر الكريم».
وقيل إن «الحلوانى الذى بنى مصر».. فى إشارة لجوهر الصقلى ذلك الرجل الأرمنى الذى اشتهر كبائع وصانع الحلوى فى صقلية ثم جاء إلى مصر، وعاش حتى بنى الجامع الأزهر والقاهرة.. قيل إنه ألف الاحتفال بليلة الرؤية فى أحد الأعوام.. إلا أن ذلك لم يدم طويلًا وعادت القاهرة إلى سيرتها الأولى.
أما المسحراتى فيذكر المؤرخون أنه يعود إلى العام ٢٢٨ هجرية أيام «عنبسة بن إسحاق»، حيث بدأ رجل يدق على طبلته لإيقاظ الناس ماشيًا من مدينة «الفسطاط» وحتى جامع عمرو بن العاص وحسب المؤرخ «وليم لين» يخرجون كل ليلة يطلقون المدائح ويطرقون على طبلة التسحير.. ولكل منطقة مسحرها الخاص.. ويستخدمون كلمات تعارفوا عليها.. «شائعة يعنى».. مثل «إصحى يا غفلان.. وحد الرحمن»..



*قمر الزمان.. الفلاحة قاهرة الهكسوس

عشان ييجى رمضان ونغنى له.. لا بد أن يظهر «الهلال» يعنى بالبلدى لازم يطلع قمر.. ولأن المصريين لم يقدسوا القمر فقط.. بل عبدوه.. كان من الطبيعى أن نصف كل وجه جميل بأنه «قمر» فما بالك بأول امرأة مصرية جمعت شتات الجيش وضحت بالزوج والابن البكرى لتنتصر على الهكسوس.. إنها «إياح.. حتب» أم أحمس.. التى خرج المصريون يشكرونها بالترحيب بها «أهلا يا قمر».. و«وحوى يا وحوى».. تلك التيمة الشعبية التى صارت لصيقة بهلال رمضان واستطلاعه لما يزيد على مائة عام كاملة فى عمر الغناء المصرى..
قبل أن نحكى عن «قمر الزمان» علينا أن نعرف أن المصريين القدماء لهم ثلاثة آلهة ارتبطت بالقمر.. أولها الإله «اعح» ومعناه «الإله القمر».. ثم «خونو» وأخيرًا الإله «تحوت»، الذى اخترع التقويم القمرى.. ومما لا نعتبره فى الذاكرة ولا ننتبه له كثيرا هو أن رمضان من الشهور القمرية التى احتفى بها المصريون.. واخترعها إلههم «تحوت».. ومما عرفه المصريون أن «القمر الجديد» أو الهلال الجديد يعنى «بسج نيتو» فهو «الهلال فى يومه الأول».. وينصح الأثريون بزيارة معبد دندرة لمشاهدة تمام البدر الذى صوروه على شكل «قرص دائرى» بداخله عين الأوجات.. وصور أخرى على قمة مدرج له أربع عشرة درجة.. ولكل درجة إله.. تمثل الأيام الأربعة عشر السابقة لتمام البدر «قمر ١٤».
من هنا فقط نفهم.. كيف اختلطت صوفية الفاطميين واحتفالاتهم بلغة المصريين القدماء.. «القبطية» التى تسمى القمر.. أيوها.. فى لغة القبط الباردة.. وأيوحا فى لغة القبط الصعايدة.. وحتى هذه اللحظة يقوم الصعايدة وبالتحديد فى قرى سوهاج وقنا بتبديل حرف الهاء إلى «حاء».. يعنى يقولك «حات شوية بصل من الغيط».. ولأنهم يقدسون قمرهم.. فهم سموا تلك الفلاحة البسيطة التى تزوجت الملك «عطية القمر» أو «هدية القمر».. ثم جعلوها «قمرة زمانهم» فأصبحت «قمر الزمان» أم «القمر».. فأحمس هو «مولود القمر».
ويذكر الأثريون أن الملكة «إياح حتب» زوجة الملك «سقنن رع» عاشت تسعين سنة.. وعثر العالم الفرنسى «مارييت» على تابوتها فى ٥ فبراير عام ١٨٥٩ فى «جبانة طيبة».. وأثناء نقل محتويات الجبانة إلى القاهرة حدثت معركة ضخمة فى قنا، حيث سلبت معظم أجزاء المقبرة.. لكن العالم الفرنسى الشهير استطاع لملمة عظام الملكة العظيمة ومجوهراتها، وذهب بها إلى الخديو سعيد ليهديها إياه.. لكن الخديو رفض الحصول عليها وأمر ببناء مكان يليق بالملكة المصرية العظيمة.. فكان المتحف المصرى الذى نعرفه بموقعه بميدان التحرير.. وحسب هويدا أحمد الملاح فى مقال لها بالحوار المتمدن نشر فى ٢٠٦٢٠١٥ توجه بوثيقة فى معبد الكرنك تتحدث عن وصية للملك أحمس تقول «امدحوا سيدة المصريين.. سيدة جزر البحر المتوسط.. ذائعة الصيت فى كل بلد أجنبى.. هى التى تضع الخطط للناس.. زوجة الملك.. ابنة الملك.. أم الملك.. النبيلة العالمة بالأشياء.. التى ترعى شئون المصريين.. هى التى جمعت شمل الجيش ووضعته تحت رعايتها وحمت الناس وأعادت المهاجرين وجمعت الفارين.. هى التى هدأت الجنوب وأخضعت ثائريه.. إياح حتب زوجة الملك.. لها الحياة الأبدية».

دعا أحمس لوالدته بالخلود.. فخلدها المصريون فى أغنياتهم.. وعندما قرروا الاحتفاء بقمر رمضان.. لم يجدوا سوى أغنيتهم لقمر الزمان ليستعيدوها بعد ستة آلاف سنة كاملة.. ولأن الشاعر المصرى الذى قرر أن يفعل ذلك لم يكن فى نيته فى البداية «شهر رمضان».. ولكنه كان يريد أن يحتفى بفلاحة مصرية.. جميلة.. قمر.. تشبه «إياحا حتب».. كتب أغنيته الأولى التى عرفها القرن العشرون، وفى مقدمتها ذلك النص التراثى: «وحوى.. يا وحوى» والتى سجلتها راقصة اسمها «عزيزة حلمى».. يقال لها.. «عزيزة المصرية».. ربما للتفرقة بينها وبين عالمة أخرى.. من عوالم شارع محمد على.. سجلتها عزيزة المصرية التى نعرف صوتها من أغنية «بابا جى ورايا.. إوعى تكلمنى» عام ١٩٢٧ لشركة أسطوانات «كولومبيا».

تلك الأسطوانة ضمت تسع أغنيات أخرى غير «وحوى يا وحوى».. من بينها «خليك حدق.. يا نينة شفته من الشباك.. على كيفه وكيف كيفه.. يا حلو شرف وتعالى.. بعد السنين تحب ليه».. و«إوعى تكلمنى»، التى لحنها الشيخ زكريا أحمد وغناها فى أسطوانة أخرى «عبداللطيف البنا».. والشيخ أمين حسنين فى أسطوانة ثالثة.
الأغنية، حسب ما هو مدون على الأسطوانة، كتبها حسين حلمى المانسترلى.. ولحنها أحمد الشريف.. وكلاهما صاحب أغنية «وحوى يا وحوى»، التى صارت نشيدًا قوميًا للمصريين فى رمضان، ولكن بكلمات مختلفة ولحن مختلف بصوت أحمد عبدالقادر..



*بنت السلطان لابسة القفطان

قبل أن يكتب حلمى المانسترلى أغنية لعزيزة حلمى المصرية.. كان هناك أكثر من نص فلكلورى مجهول المؤلف.. أشهرها ذلك الذى يصف «قمر الزمان».. بأنها «بنت السلطان».
«بنت السلطان.. إياحا
لابسة القفطان.. إياحا
بالأخضرى.. إياحا
بالأصفر.. إياحا
بالليمونى.. إياحا
يا دوا عيونى.. إياحا
ويا رب تخليلى سى عثمان
وتخلى لى نينته.. سى عثمان
لولا سى عثمان لولا جينا.. يلا الغفار
ولا تعبنا رجلينا.. يلا الغفار..
ومن باب الفلكلور دخل المانسترلى إلى احتفاله الأول بـ«إياحا» قمر الزمان الفلاحة.. ومعه فعل الملحن أحمد الشريف، الذى استوحى لحنه فى مقام أقرب إلى الشعبية «البياتى».. وربما دمج المانسترلى مع النص السابق نصًا آخر مجهول المؤلف أيضًا يقول:
وحوى يا وحوى.. إيوحه
وكمان وحوى.. إيوحه
يا قمر طالع.. بفانوس والع
إنت حبيبى.. إملالى جيبى
سكر أحمر..
وصميت أسمر..
ويا غندورة.. فى المأسورة.. «المقصورة»
زى الوردة فى البنورة
إحنا أهو جينا
طلى علينا..
جيبك عمران.. بياميش رمضان
إدينى حفان
وتبدو صورة القمر التى يخاطبها المؤلف المجهول فى النص السابق أقرب إلى أميرات مصر فى عصر الخديوية اللائى كن يشاهدن سباقات الخيل من المقصورات الملكية.. أو ربما هى صورة زوجة الخليفة فى «مقصورة موكبها - وقت أن كان الخلفاء ينعمون على سائليهم الفقراء فى هلال رمضان»..
فى كل هذه الحالات.. استفاد المؤلف من الفلكلور.. ومن النسب إلى الكلمة القبطية والأغنية فى صيغتها الأولى..
«قاح وى..
واح وى..
احع..»، والتى أعادها كتاب الهيروغليفية «لجاردنز» إلى معنى آخر ليس بعيدًا: «ما أجمل قرفتك يا قمر.. بالبلدى».
«قرفتك حلوة».. وهو الوصف الذى ينطبق على أغنية «عزيزة حلمى»، فقد انتشرت حتى طلب من مؤلفها أغنية جديدة، فكانت أغنيته الأشهر لأحمد عبدالقادر.. أما هذا الملحن فهو أحمد الشريف.. وأحمد الشريف هذا ربما تتذكره لو تذكرت تلك الصورة الغنائية الإذاعية القديمة «الجوز الخيل والعربية»، فهو الذى يؤدى دور السائق الذى يرد على شافية أحمد: «على راسى يا هانم وعنيا».. وهو صاحب أهم الألحان المصرية للأفراح «اتمخطرى يا حلوه يا زينة».. التى صارت عنوانا لأى زفة فى مصر طيلة مائة عام ويزيد.










*الجوز الخيل والعربية
أحمد أفندى الشريف.. هو القاسم المشترك بين لحن أغنية «وحوى يا وحوى» التى تمتدح «قمر الزمان»، التى غنتها عزيزة حلمى ولحن «وحوى يا وحوى» الذى غناه أحمد عبدالقادر احتفالا بالشهر الكريم، وصار دستور ألحان أغانى رمضان.. هذا الملحن والعازف الموهوب والذى يعتبره البعض أحد أهم ملحنى الأغانى الشعبية فى القرن العشرين، بدأ حياته- حسب د. هالة الهوارى- عازفًا للعود ومطربًا بفرقة بديعة فى كازينو بديعة مصابنى.. وهو أحد من برعوا فى تلحين «الديالوج» الذى يؤديه مطربان أو أكثر وتلحين الصور الغنائية أيضًا.. إلا أنه لم يحصل على حقه رغم وصول أغنية واحدة من ألحانه هى «اتمخطرى يا حلوة يا زينة».. لسيدة حسن- والدة الملحن حسين فوزى- إلى عشرين ألف أسطوانة عند طبعها للمرة الأولى.. ومن ألحانه أيضًا «مبروك عليكى عريسك الخفة».. وربما لا يتذكر بعضنا شكل أو صوت أحمد الشريف.. لكن الصورة الغنائية «الجوز الخيل والعربية» حيث كان يشارك بدور «سائق العربة» الذى يرد على شافية أحمد «على راسى يا هانم وعنيه».. وهناك أيضًا أغنية «دستور يا أسيادى» فى فيلم «ليلى بنت الأغنياء لليلى مراد» وفيه كان يؤدى دور كودية الزار التى تغنى:
«يا روحى نقدى
وأنوم وأنوم وأنيخ
إلعب بسيفك إلعب يا روحى نقدى.. إلخ».




أحمد الشريف بدأ حياته منشدًا منذ كان فى السادسة من عمره.. يعرف الطريق إلى حلقات الذكر بصحبة والده.. ثم بدأ فى غناء ألحان زكريا أحمد وداوود حسنى وسيد مصطفى ومحمد عبدالوهاب.. ثم لحن لنفسه وللآخرين مئات الأغنيات الشعبية.. ومنها «العرقسوس».. وهو من مواليد الشرقية عام ١٩١٦.. وفى أواخر أيامه كان يذهب كل يوم سبت إلى مسجد سيدى على زين العابدين ليقيم الحضرة ومعه فى بطانته المبتهل عبدالخالق العنانى والمطرب عبداللطيف البنا ومحمد أنور ليرحل فى ٦ يونيو ١٩٦٩ تاركًا ما يزيد على ألفى لحن.. أشهرها.. «وحوى يا وحوى».. أما مؤلفها فله حكاية أخرى سنحكيها لاحقًا..
«وحوى يا وحوى..
البنت الخفة الفلاحة
ماسكه الفانوس أخضر وأحمر
ماشية تغنى وتتمخطر
بصوت جميل ماشى يسحر
والوجه قمر ومنور
أقول لدى إيه.. أنا متحير
لفتت وقالتلى.. إياحه
وحوى.. يا وحوى..
إياحه»..
والغريب أن هذه الأغنية التى أصدرتها عزيزة حلمى أو الست عزيزة كما كانوا يلقبونها.. اعتبرها البعض أغنية «قبيحة» كونها تتحدث عن «صدر وفستان الفلاحة المفتوحة..
«لابسه القميص وله فاتحة
والصدر باين بالراحة
ونهودها بارزة مرتاحة
تقولش إلا فلاحة
مشيت وراها للساحة..
ضحكت وقالتلى.. إياحه..
وحوى.. يا وحوى».

والواضح من النص الذى كتبه حسين المانسترلى.. أنه على لسان رجل.. وكان من المعتاد وقتها أن يغنى الرجال كلمات أنثوية مثلما فعل البنا وأمين حسنين مع «إوعى تكلمنى بابا جى ورايا».. والعكس حيث تسجل النساء أغنيات الرجال كما فعلت منيرة المهدية وغيرها.. لكن الغريب أن «وحوى» التى تتحدث عن فلاحة مصرية لفتت نظر المطرب العراقى الأشهر «محمد القبانجى»، الذى استوحى اللحن نفسه ليقدمه فى أغنية خاصة به اسمها «حسبى ونسبى فلاحة» ثم يكمل:
«أخذوا وطنى بالساحة..
تعبى وأملى بالساحة
نزرع ونحصد حنطته»..
إلا أن التسجيل الخاص بالأغنية غير موجود فى مصر، التى سجل لها القبانجى مجموعة من الأغنيات خلال مؤتمر الموسيقى الأول عام ١٩٣٢..
رحلت الست عزيزة.. والمانسترلى.. وأحمد الشريف.. وبقيت وحوى يا وحوى.. ولكن بصوت أحمد عبدالقادر.