رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

إلى الله



الطريق إلى الله ليس طريقًا واحدًا، الطريق إلى الله لا يمر فقط عبر دور العبادة، لكنه يمر فى قلب المصانع والمزارع والمستشفيات والجامعات، الطريق إلى الله ليس خريطة يضعها مختصون فى الطبوغرافيا، لكنه شُعب يسلكها العباد فتسود السكينة وتستنير العقول.
قرأتُ سيرة الشاعر الأمريكى «بيلى كولينز»، المولود فى مدينة نيويورك عام ١٩٤١، الذى شغل منصب شاعر الولايات المتحدة بين عامى ٢٠٠١- ٢٠٠٢، وهو منصب رسمى أنشئ فى الولايات المتحدة الأمريكية، عام ١٩٨٥، على نموذج شاعر بلاط المملكة المتحدة، ويفترض أن يقوم خلال فترة شغله هذا المنصب بنشاطات لزيادة وعى الناس بالشعر وزيادة تقديرهم لقراءة الشعر وكتابته.
وقد لفت انتباهى اهتمام الشاعر، خلال فترة إشغاله هذا المنصب، بتحرير مختارات شعرية بعنوان «شعر ١٨٠»، وهى مختارات تتألف من ١٨٠ قصيدة على عدد أيام السنة الدراسية، وقد قصد «كولينز» من خلالها إيصال الشعر إلى أكبر عدد من طلاب المدارس الثانوية فى الولايات المتحدة، وإشاعته بين المراهقين.
أليست محاولة الرقى بذوق التلاميذ وتوسيع مداركهم وتعريفهم على عوالم من السحر والخيال، والأخذ بيدهم لفهم معانٍ غامضة وعميقة، هى محاولة لانتشال الصغار من الواقع اليومى والمعتاد والرتيب؟ ألا يمكن أن تكون هذه المحاولة طريقًا إلى الله؟
تتصدر مجموعة ١٨٠، التى ترجمها للعربية الدكتور عادل صالح الزبيدى، قصيدة تدعو إلى الاستمتاع بالشعر وعدم محاولة تفسيره تفسيرات تعسفية وشديدة التعقيد.
مقدمة فى الشعر
أسألهم أن يأخذوا قصيدة
ويرفعوها إزاء الضوء
مثل شريحة لون.
أو أن يضعوا أذنًا صاغية على خلية نحلها.
أقول لهم أسقطوا جرذًا فى قصيدة
وراقبوا كيف يتلمس طريقه خارجًا منها.
أو امشوا داخل حجرة القصيدة
وتلمسوا الجدران بحثًا عن زر إنارة.
أريدهم أن يتزلجوا فوق سطح قصيدة
ملوحين إلى اسم مؤلفها على الشاطئ.
ولكن كل ما يريدونه
هو أن يربطوا القصيدة بحبل إلى كرسى
وينتزعوا اعترافًا منها بالتعذيب.
يبدأون بضربها بخرطوم ماء
كى يكتشفوا معناها الحقيقى.
فى هذه القصيدة يتضح الأسلوب الذى يتسم به شعر «كولينز»، فهو يكسر جميع الأشكال والأوزان التقليدية، ويكتب شعرًا متحررًا من جميع القيود، وهو يعلن دائمًا انحيازه إلى البساطة ووضوح التعبير والشعر الذى يسهل فهمه، معترضًا على الشعر الذى يكتبه الشعراء لغيرهم من الشعراء وليس لجمهور عريض من القراء.
هذه التجربة تجعلنى أتساءل: ألا يوجد فى بلادنا شاعر، أو مجموعة شعراء يطمحون فى تعريف الأجيال الجديدة بالشعر والشعراء المعاصرين، انتقاء مجموعة من المختارات تضىء للصغار طريقًا إلى الشعر، بدلًا من ترديد الصغار كلمات حمو كنكة وشطة بيكا؟!..
ألا يمكن أن تكون مثل هذه المحاولة طريقًا إلى الله؟