رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وائل خورشيد يكتب.. ومنين بيجي الشجن

جريدة الدستور

تقصيت عن معنى 'الشجن'. رغم المرادفات المتعددة، لم أجد معنى لها، الكلمة أكبر من أن تصفها كلمة، فحتى وهي مفردة، فإنها تضم معانٍ كثيرة.

ما شعرت به أنّه ليس لها مرادف، لأن معناها إدراك أكثر منه مجموعة حروف للدلالة على مضمونها.

حينما قال الشاعر الراحل سيد حجاب: منين بيجي الشجن؟ أجاب: من اختلاف الزمن! الإجابة نفسها مغزاها أن الكلمة تاريخ، بوابة عبر الأزمان. لقد كان يدرك جيدا كنه تلك الكلمة التي اختارها، ولذلك كان الرد كل شيء.

الشجن لوحة، لوحة الحياة تكتمل تدريجيا، كل ما فيها هو جزء من صورتها الأخيرة، ليس الحزن وليس النواح ولا الحنين، الكلمة لا تعني الألم فقط، تعني الحب أيضا، والفراق، تعني كل المشاعر مجتمعة.

الشجن يا لوسيفر، وأنت لن تفهمه، ولكن ليس هناك غيرك في محيطي الآن، هو الامتداد، هو جندي عاد من حرب، فباتت نظرة عيناه تحوي طفولته وشبابه، ودماء المعركة وفراق رفقاء الميدان، حينما يعود يذكر هذا الذي كان، الذي لم يعد معه حينا ارتدى زيّ الحرب.

هو امرأة جميلة، تركت عرسها، ووقفت على حافة النهر تستنشق الهواء، ليست متوترة مما فعلت، ولا مقبلة على ما هو قادم، لحظة ثابتة هادئة جامعة لكل شيء، لن تقرأ معناها سوى في عينيها.

طفل يبكي في المهد، لم ينفصل عن المكان الذي جاء منه، ولم يتعرف على المكان الذي أتى إليه، ثم يصمت، وينظر، يهدأ، ثم يبكي، مازال يعيش حالة العبور، الأفق الممتد في الاتجاهين، وهو في المنتصف.

الشجن كلمة شائخة، حكيمة، طفلة، شابة، مريضة، ثرثارة، قاتلة، جائعة، ظمآنة، مؤلمة، وتؤلم، زحام، هدوء، فراغ، صحراء، مطر، غضب، صبر، انتظار، وكل شيء، ثم تظهر ساكنة.

الشجن تذكر الماضي، والحاضر، وبوابة للمستقبل، كأنما نفق واحد ممتد منذ الوصول إلى هذه الدنيا حتى ما بعدها، ولو أن الإنسان يملك من البصيرة أكثر من ذلك لكان اتسع محيط شجنه ليشمل الوجود من بدايته المجهولة إلى نهايته الغير معلومة. وحتى هذا لا أستطيع أن أنفي عدم شمول شجن الواحد عليه، لأن الشجن يدرك لكن لا يمسك، لا تستطيع حصره في زمن معين.

أكاد أشعر أن الشجن أشمل كلمة في اللغة، أكثر من أن يكون مجرد كلمة. ستراه في عيون البعض، كما ترى الحب والمكر والكراهية، سترى بعضهم فلن تقرأ في عيونهم سوى هذا الشمول. ستحتار في تلك الأعين، ليس لأنك لا تعرف أنه الشجن، ولكن لأنه كل شيء، وهذا يعني أنك سترى في كل مرة زاوية مختلفة منه.

الحب مبني على ماضٍ، الحنين ماضٍ، النوستالجيا، الكراهية ماضٍ، كل ما تشعر به أو يشعر به من هو أمامك أساسه ماضٍ، أما الشجن ليس كذلك، توق للقادم، وتوحد مع الماضي، وعيش الحاضر، وألم وفرح وحزن وسعادة، خليط لن يجتمع سوى في تلك الكلمة.

ثم كيف بعد كل هذا نحصرها في مجرد كلمة، وهي التي تعيش بلا قيود ولا أسوار.

أنت لن تفهم الشجن أبدا يا لوسي، تعيش على مر الزمان، لكن مشاعرك واحدة شر فقط، خسرت واحد من أهم معاني الحياة.