رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

قرابينكم المسمومة لن يتقبلها الله


الحقيقة التى تفرض نفسها علينا الآن، هى أن حروب الإرهاب التى تشن هجماتها فى كل مكان على الخارطة، أصبحت أخطر على العالم من حروب الدول، لأنها تبدأ فجأة وقد تسقط مئات الضحايا من دون سابق إنذار كما حدث مؤخرًا فى نيوزيلندا وسريلانكا، ومن قبلها فى فرنسا وبروكسل ونيويورك وغيرها.
لكن الأخطر فى هذه الحروب، كما أعتقد، أنك قد لا تستطيع أن تدرك من سيصوب النار إلى قلبك، إذا كنت هدفًا أو مجرد ضحية لهجمة قادمة، فقد سقطت افتراضية أن الإرهاب ينتشر فى أوساط الفقراء وقليلى التعليم فقط، بدليل أن «إنشاف أحمد إبراهيم» أحد الإرهابيين المنفذين لتفجيرات سريلانكا، كان يعيش حياة المليونيرات هو وشقيقه الإرهابى الآخر «إلهام»، لأنهما ابنا تاجر توابل شهير يصعب تقدير حجم ثروته، وقد تلقيا تعليمًا رفيع المستوى، أما ثالثهما ويدعى عبداللطيف جميل فقد درس هندسة الطيران فى بريطانيا لمدة عامين.
الخطورة هنا أننا أمام حروب تبدأ بأفكار «منحرفة» تزرع فى رءوس شبان صغار، يجتمعون فى مسجد أو فى كنيسة أو حتى معبد، بواسطة من يعرفون كيف يستغلون حماسهم الدينى، وتوجيهه، أو تشويهه، ليتحول إلى طاقة للقتل والتدمير، فنجد هؤلاء الشباب المغرر بهم، يقتلون العشرات أو المئات وهم يرددون شعاراتهم الدينية، وكأنهم يقدمون كل تلك الجثث وكل هذه الدماء كقرابين إلى الله، تقربهم إليه وتفتح لهم أبواب الجنان.. مع أنها قرابين لا يقبلها الله،.
ورغم كل ما يذكر فى وسائل الإعلام المحلية والدولية عن الإرهاب، ومخاطره على المجتمعات، فإن عمليات التجنيد مستمرة، سواء بشكل مباشر داخل التجمعات أو فى دور العبادة، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى، ولا أعتقد أن الأمر يتم بصورة عشوائية ولا الحوادث نفسها تقع بصورة تلقائية.. فقد يسعى تنظيم جديد لارتكاب عدة تفجيرات ولكنه سيتوقف للتفكير فى كيفية الحصول على المواد المتفجرة، وكيفية تصنيعها ببراعة لتحصد عشرات أو مئات الأرواح، وهنا تمتد أيادى شياطين الدول الراعية للإرهاب لتقدم كل المعونات اللازمة.
لهذا أقول إنه لم يعد سرًا أن برينتون تارنت منفذ هجمات نيوزيلندا كان قد زار تركيا ومنطقة الشرق الأوسط، قبل ارتكاب مجزرة المسجدين، وقد كان ينوى ارتكاب مجزرة أخرى فى مسجد ثالث لكن القبض عليه حال دون ذلك، أما الأخوان إنشاف وإلهام أحد مخططى ومنفذى مجزرة سيريلانكا، فقد عاشا فترات طويلة فى أستراليا وهو ما دفع الكثيرين للاعتقاد بأنهما دبّرا وشاركا فى هذه الهجمات ردًا على ماحدث فى نيوزيلندا.
وفى إطار التأكيد على أن الإرهابيين لايتحركون عبثا، فقد ربط كثير من المحللين بين الهجمات الإرهابية الدامية، التى وقعت بالتزامن فى سبعة مواقع مختلفة بالعاصمة الفرنسية باريس فى ديسمبر ٢٠١٥ وأسفرت عن وفاة ١٢ شخصا، بمواقف فرنسا التى كانت تتشبث بضرورة رحيل الأسد عن الحكم، كشرط أساسى للتسوية السياسية فى سوريا، وقيل إن المستفيد الوحيد من زحزحة فرنسا عن موقفها هما روسيا وإيران.. ومن قبل نشر وقيل عشرات المرات إنه لولا هجمات ١١ سبتمبر لما وجدت واشنطن مبررات جاهزة للتحرك لاحتلال أفغانستان والعراق فى سنة واحدة. الأمر إذن لا يخضع لقوانين الصدفة بداية من نشر الأفكار التكفيرية، وحتى تمويل وتبنى الخلايا والتنظيمات الإرهابية وتدريبها وتحريكها وتحديد أهدافها، وهنا يبرز سؤال جوهرى ويتردد بصورة ملحة، هل يعلم كل إرهابى وكل انتحارى هذه الحقائق؟، هل يعلم لماذا دربته أجهزة مخابرات أجنبية على إدارة آلة القتل؟ هل يعلم لماذا تركوا تنظيمه يستغل شبكة الإنترنت فى إصدار بيانات مجلاته وإنشاء مواقعه، وأوعزوا للكيانات الإعلامية الكبرى مثل «بى بى سى» و«رويتر» وغيرهما، لنقل البيانات الصادرة عنها عقب كل حادث إرهابى، ونشر صور الدماء التى أسالوها والتى نشروها على هذه المواقع، التى لم نسمع يوما عن محاولة لإغلاقها أو القبض على من يديرها، لأن من يفعلون ذلك تحت الحماية المباشرة والدائمة من أمراء الشر الحقيقيين، الجالسين فى المكاتب المكيفة ويتولون تحريك هؤلاء المتطرفين الجهلاء فى كل مكان، كما لو كانوا يحركون لعبة للحرب على أجهزة الكمبيوتر. أيها الإرهابى الغبى، هل تعرف أنك لا تخدم دينك وإنما تخدم مخططات شيطانية لأجهزة مخابرات لدول قد تكون عدوة لبلادك ولدينك أيضا؟ هل تعرف أنك تدفع من جيبك، إذا كنت من الأثرياء مثل إنشاف وإلهام وقبلهما أسامة بن لادن، ثمن هذه الجرائم والمؤامرات؟ وهل تعتقد بعد كل هذا أن قرابينك المسمومة سوف يتقبلها الله؟.