رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتهى الاستفتاء فلنكمل البناء



انتهت إجراءات الاستفتاء، وقال المصريون رأيهم، وافق مَنْ وافق واعترض مَنْ اعترض، وهذا حق دستورى لكل مصرى.. الحضور بدا معتدلًا رغم قصر مدة عرض المواد المطلوب تعديلها، وعدم وصول الرؤية واضحة للجميع، مع وجود قوى حاولت إفشال العملية أو التقليل من قيمتها.. لكن الشعب المصرى كعادته أفقدهم صوابهم واتجه ما يقرب من الثلاثين مليون مصرى إلى صناديق الاستفتاء.
حضر المصريون وغاب الإخوان ومَنْ والاهم.. وإذا كانت نسبة الحضور قد قاربت على ٥٠٪ من أصحاب الحق فى الانتخاب، فهذا لا يعنى أن الباقين هم قوة الإخوان أو مؤيدوهم أو معارضون للتعديلات، وهذه رسالة مهمة يجب أن يعرفها العالم وألا ينخدع البعض فيما يروج له الإخوان.
فنسبة الحضور تقريبًا هى التى تحرص كل مرة على الحضور ولم تزد نسبة الحضور فى أى انتخابات أجريت بعد ٢٠١١ على ذلك، فالباقون، وهم حوالى ٥٠٪ من أصحاب حق الانتخاب، متكاسلون أو لم تصل إليهم الدعوة والتحفيز بشكل جيد، وهم نسبة يجب استهدافها بأشكال متعددة من الحق والترغيب وزيادة حسهم بضرورة المشاركة الانتخابية.
الرسالة الأخرى أو الملمح الآخر الذى كشفت عنه نتائج الاستفتاء هو وجود كتلة حوالى ٣ ملايين معارض للتعديلات، وهى نسبة مهمة تنبئ عن وجود كتلة تصويتية مهمة تمثل نقطة بداية لتكوين معارضة محترمة وقوية بعيدًا عن الأحزاب الكرتونية، وهو ما تفتقده الحياة السياسية فى مصر حاليًا.
ما حدث أيضًا من بعض التصرفات حول وجود كراتين أو بونات بجوار اللجان حثًا للناخبين على الحضور فهى، وإن كانت تصرفات غير إيجابية، إلا أنه من الضرورى أن تجرى تحقيقات للتأكد ممن كان وراءها، وهل كانت إحدى الوسائل لإفساد العملية الانتخابية بإظهار الناخبين الذاهبين إلى الصناديق كراغبين فى الحصول على مكافآت أو طامعين فى الحصول على منحة مقابل الصوت.
أتفهّم أن تُقدم رشاوى انتخابية فى انتخابات برلمان يتقدم لها نواب أو أفراد، ولكن الإيجاز بأن هناك من قدّم رشاوى فى الاستفتاء يجب التوقف عنده والتحقق منه، سواء كانت وراءه جماعة سياسية أو حزب أو حتى أفراد، لأن ماحدث تضمن إساءة للشعب المصرى وإرادته وحقه فى اختيار ما يريده، سواء كان دستورًا أو تعديلات أو انتخابات.
فى المقابل، أيضًا، كشفت متابعات لجهات عديدة فى الاستفتاء عن أن ما يثيره إعلام الإخوان والإعلام الغربى فى بعض وسائله غير حقيقى، وأن هدف التشويه قائم لديه، فأغلب الصور التى نُشرت لحاملى كراتين كانت قديمة، وكذا الفيديوهات، وأيضًا الادعاء بأن اللجان فارغة من الناخبين كان اختيارًا خبيثًا منهم، سواء فى اختيار التوقيت أو المواقع التى تم تصويرها.
متابعة عملية الاستفتاء كشفت عن سلبيات عديدة من الجهات المسئولة عن حث المواطنين على المشاركة، سواء كانت جهات إعلامية أو دعوية أو تتبع الدولة بأشكال مختلفة.. وكشفت أيضًا عن أن هناك قوى للشر ما زالت تنتظر فرصة الانتقام، كجماعة الإخوان التى دفعت مبالغ طائلة لأجهزة إعلامها لتشويه ما حدث ويحدث فى مصر، وجهات أخرى تقف وراء مجموعة من المصريين فشلوا فى التواجد الفنى أو الثقافى أو السياسى، فتحولوا إلى قنابل انتقام يستخدمها الأعداء وقت ما يريد هؤلاء، بدءًا من واكد وأبوالنجا وآخرين مرورًا بمعتز مطر ومحمد ناصر، حاولوا باستماتة وبدعوات مختلفة، بدءًا من الدعوة للبس الأسود وانتهاء إلى الادعاء بوقوع انتهاكات لحقوق الإنسان.. كل ذلك استطاع الشعب أن يرد عليه بالإقبال على الاستفتاء والإصرار على النزول.
انتهى الاستفتاء، وبقى أن نوجه الشكر لكل من نزل وأدلى بصوته، وبقى أيضًا أن ننبه إلى أن لدينا ثلاثة استحقاقات متتالية فى الشهور المقبلة.. انتخاب الغرفة الثانية للبرلمان «مجلس الشيوخ»، وانتخابات المحليات بعد إقرار قانونها، ثم انتخابات النواب بعد ذلك.. هذه الاستحقاقات الثلاثة لا بد أن يستعد لها الشارع السياسى من الآن، ولعل ما حدث فى الاستفتاء وعدم ظهور أحزاب سياسية بمظهر القادر على دفع المواطن للمشاركة، وأيضًا الظهور بشكل غير مشرّف أحيانًا، سواء كانت مؤيدة أو معارضة، يجب أن ينبهنا إلى أنه لا وجود لأحزاب سياسية فاعلة، وهذا يستوجب من النواب ومن النخبة ومن القيادات الطبيعية الإسراع فى تشكيل أحزاب قوية معبرة عن الشارع ونابعة منه، وأن تسعى قيادات الأحزاب الحالية أو القائمة بالفعل إلى دراسة أسباب ضعف قوتها وفشل هياكلها فى تحريك الشارع السياسى، وأيضًا ينبه المعارضة إلى أن وجودهم خلف أجهزة الكمبيوتر والموبايل لن يعطى لهم وجودًا فى الشارع السياسى، وأن الأفضل أن يتوجهوا لإنشاء معارضة حزبية قوية تحتاجها مصر بالفعل ويحتاجها الرئيس كما يحتاج الظهير السياسى، وأن تكون نواة ذلك من نزل وعارض التعديلات.
وكشفت عملية الاستفتاء، أيضًا، عن محاولة حزب «النور» أن يكون بديلًا عن الإخوان المسلمين فى الشارع، وظهرت كوادره فى الشارع وأمام اللجان فى حشد مرتب لمؤيديهم، سواء قالوا لا أو نعم خلف الستارة، ولكنهم فى النهاية كان لهم ظهور فى الشارع مرة أخرى، وهم يريدون أن تصل رسالتهم إلى الدولة بأن حزب «النور» كممثل للقوى السلفية له وجود ملموس فى الشارع، وهذه المحاولة يجب أيضًا دراستها وعدم التقليل منها ولا التهويل فيها أيضًا.
إذن فشل الإخوان فى إقناع المصريين بعدم النزول إلى الشارع وفشلوا أيضًا فى تشويه الصورة الجميلة لما تم، وكشفوا عن قوتهم الحقيقية فى الشارع المصرى، ويجب أيضًا ألا نعتمد على ذلك فى تقييم الإخوان.. فما زالت كوادر عديدة فى أماكن مختلفة تحمل أفكارهم وتروج لها.
وكشف الاستفتاء، أيضًا، عن قصور فى تدريب الشباب وتثقيفهم سياسيًا، شارك فى ذلك ضعف الدور الذى قامت به وزارات الشباب والأوقاف والتعليم، والجامعات والإعلام بمختلف وسائله.. تدريب الشباب وتثقيفه سياسيًا يجب أن نبدأ فيه من الآن، وأن نستغل الصيف المقبل فى إعداد كوادر شبابية سياسية، وأن تعمل كل الجهات لذلك، وأن تتحول معسكرات الصيف إلى معسكرات إعداد وتثقيف.. ولدينا وزير شباب نشط ولدينا وزير أوقاف يعرف جيدًا دوره ويعمل على تحقيقه.. بقى فقط أن يتم تنسيق كل الجهود لإعداد جيل واعٍ سياسيًا ومثقف يحافظ على حقوقه الدستورية ويسهم فى مسيرة وطنه.
انتهى الاستفتاء ونستكمل البناء، وليصمت من يحاول إفشال مسيرة الوطن.. مصر تتقدم.. مصر تبنى.. مصر تصون حقوق الأشقاء وتسهم فى عودة دولهم وجيوشهم إلى ما كانت عليه.. مصر ستظل قلب إفريقيا النابض وسند العروبة الدائم.