رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في تحرير سيناء.. كيف استقبل المصريون خبر التحرير الكامل

جريدة الدستور

يعتقد كثير من الناس، أن النصر الحقيقي هو الذي تحققه البنادق والقنابل فقط، إلا أن سيناء شهدت رحلة طويلة لتحريرها، كان الجزء الأول منها مُخضبا بالدماء وجثث القتلى ورائحة البارود، وأما الجزء الثاني منها فقد عمل عليها كتيبة من السياسيين، والمحامين، الذين خاضوا المعركة بأقلامهم فقط، ما أثار الدهشة والحيرة لدى البسطاء الذين أعادوا نظرتهم للعصر الجديد.

قصص جسدتها شوارع بالعاصمة، تذوق فيها المصريون مرارة الهزيمة وبأسها، تجرعوا بها كأس الذل؛ احتفلت مصر بأعياد تحرير سيناء. وفي ذلك السياق رصدت "الدستور" كيف استقبل المصريون خبر التحرير الكامل لأول مرة، صباح 25 أبريل 1982م.

في باب اللوق، يربض مقهى "الندوة الثقافية" الشاهد على عديد من المشاهد المصرية، وتلاحم البسطاء مع المثقفين في أوقات النصر وأوقات المحنة. بدءًا من ثورة يوليو، مرورًا بالعداون الثلاثي والنكسة والانتصار في أكتوبر 1973م.

يقول عم سعيد صاحب مقهى "الندوة الثقافية" والبالغ من العمر 65 عامًا، أنه رغم كل تلك السنوات، مازال يذكر جيدًا خبر الإعلان عن التحرير الكامل لسيناء في 25 أبريل عام 1982. ما وصفه الرجل بالمبهج لكل الحاضرين.

يروي العم سعيد، أن المقهى في 25 أبريل عام 1982 كان مُزدحمًا بالمثقفين، بدءًا من لويس عوض، وأحمد بهاء الدين، مرورًا بمحرري الصحف القومية والفنانين، والمتواجدين على المقهى بشكل شبه دائم، لقرب عملهم منه، حيث بعض أفراده يشكلون طاقم عمل مسرحية «شاهد مشافش حاجة»، وغيرهم من النجوم الذين كانوا يعرضون أعمالهم على مسرح "الليسية" في ذلك التوقيت.

يقول العم سعيد، لـ"الدستور"، كان الراديو يبث خبر التحرير الكامل للسيناء، لا أحد في المقهى يصدرُ نفسًا، الزبائن لايطلبون شيئا، بمجرد ما انتهى البيان الإذاعي، شرع المثقفون في التعليق عليه وشرح حقيقة خبر التحرير.

يشير "سعيد" إلى أن المقهى اكتظ وقت الظهيرة بالآراء، وأخذ الموجدون في ترديد بعض الجمل "أهو تحرير كامل، هل ستعود طابا، هل سيعود فندق سونستا". مضيفًا أن عددًا من المثقفين بالمقهى ذلك اليوم كان يرى أن التحرير الذي انتزعه محامو مصر برئاسة مفيد شهاب وقتها، ليس انتصارًا من الأساس.

ويضيف العم السعيد، أن أحد الحاضرين لا يذكر اسمه، كان يشغل منصب رئيس تحرير لإحدى الصحف القومية آنذاك، نهض من مكانه، وطلب بإحضار "حاجة ساقعة" لزبائن المقهى كنوع من الاحتفال.

تذكر "سعيد"، أنه لم يكن يصدق حينها بأي شكل أنه كان انتصارا، حتى عاد لمنزله، ورأى في التلفزيون العلم المصري على الأراضي المُستعادة، حينها فقط صدق، دون أن تزول دهشته، ودماغه تطن من الأسئلة: هل يمكن للأرض المسلوبة أن تعود، بلا معركة على الأرض؟ هل تكفي الأقلام والأوراق، والمحامون المفوهون، لمحو آثار الحرب ورائحة الدم؟

ظل "سعيد" يُفكر حتى صعد الرئيس الأسبق محمد حسني مُبارك، في خطاب عبر الشاشة الصغيرة، ليعلن استرداد سيناء المصرية، ويُغلقُ صفحة من الحروب أنهكت البلاد والعباد طوال أعوام طويلة. وبعد انتهائه، دوى صوت شادية في كل البيوت والمقاهي: "سينا رجعت كاملة لينا ومصر اليوم في عيد".