رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السفير محمد صالح الذويخ يكتب: تحرير سيناء.. تحرير إرادة مصر

جريدة الدستور

تحتفل الشقيقة مصر هذه الأيام، بذكرى عزيزة على قلب كل العرب، وهى ذكرى استرداد ترابها الوطنى المبارك فى سيناء، والذى جاء تتويجًا لنضال متواصل على مدار سنوات وسنوات، بُذل من أجله الكثير من الدماء والتضحيات حتى عاد الجزء إلى الكل، واكتملت وحدة أراضى الوطن ورفرف علمها البازغ على كامل أرجائها.

كان تحرير سيناء.. أرض الرسالات ومجلى الوحى المقدس، التى يفوح عبق التاريخ فى كل ذرة من رمالها المباركة، ذروة الانتصارات العربية، بعد أن خاضت مصر معركة السلام بنفس القوة والجسارة التى خاضت بها معركة الحرب، وسطرت فى سبيل تحريرها أروع ملاحم التفاوض استنادًا إلى النصر الكبير فى أكتوبر ١٩٧٣، لتثبت أنها تمتلك مقومات السلام جنبًا إلى جنب مع متطلبات المواجهة والنزال.

تأتى ذكرى هذا العام وسط أجواء غاية فى الإيجابية حققتها الشقيقة مصر على جميع الأصعدة، فقد عادت مظاهر الأمن والاستقرار واستقرت فى كل ربوع سيناء، ونجحت جهود مواجهة الإرهاب فى التصدى لمنابع التطرف، التى أفرزت على مدار السنوات الماضية، تداعيات سلبية كادت تعصف بالأخضر واليابس، فجاءت إرادة المقاتل المصرى العظيم، لتبرهن من جديد على أن الزبد يذهب جفاء ولا يمكث فى الأرض إلا ما ينفع الناس.

 تحولت سيناء- التى عادت إلى حضن الوطن قبل ٣٧ عاما أرضًا جرداء وصحراء تمتد على مرمى البصر- إلى رمز للتنمية والبناء، ومظهر لقوة الإرادة وبراعة التخطيط والإصرار على مواجهة التحديات والمخاطر، ونموذج لما تحقق فى شتى ربوع البلاد من إنجازات مشهودة ومشروعات قومية كبرى فى جميع قطاعات الإنتاج. 

نحتفل بذكرى تحرير سيناء هذا العام وسط أجواء مفعمة بالأمل فى مستقبل أكثر إشراقًا، بعد أن ضرب الأشقاء فى مصر المثل والقدوة فى الالتفاف حول قيادتهم الرشيدة عبر التدفق جماعات وفرادى على صناديق الاقتراع فى الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ملبين نداء الواجب ومشاركين بفعالية فى بناء بلدهم، وتكريس الأمن والاستقرار والنهضة الشاملة التى تشهدها مصر الحبيبة فى الآونة الأخيرة، لتأتى نتائج الاستفتاء صارخة بـ«نعم» فى وجه كل من راهن بسوء حاضر ومستقبل هذا البلد الطيب.

كما يأتى الاحتفال فى ظل مؤشرات اقتصادية مبشرة تتناهى إلى أسماعنا عبر تقارير المؤسسات الدولية المتخصصة، لتؤكد أن مصر قطعت المرحلة الأصعب فى مسيرة الإصلاح، استعدادًا لانطلاقة كبيرة نأملها جميعا، وندعمها بكل قوة، لأن نهضة مصر وتقدمها يصب فى صالح أمتها العربية ويدعم قضاياها. 

يأتى احتفالنا أيضًا فى ظل ما تشهده مصر من فعاليات سياسية ودبلوماسية متعددة تنبئ بالمدى الواسع الذى خطت إليه فى سبيل استعادة دورها المحورى عربيًا وإفريقيًا ودوليًا، ولعل النجاح فى عقد القمة الإفريقية الاخيرة لبحث أوضاع كل من ليبيا والسودان ما يؤكد أن مصر عندما تدعو فإن الجميع لا يملك إلا أن يلبى النداء، ويسارع إلى الاستجابة إيمانا ويقينا بأنها لا تدعو إلا لما هو خير ونفع للجميع.

إن مرور ٣٧ عامًا على ذكرى تحرير سيناء، لا يمكن أن ينسينا قيمة ذلك الحدث التاريخى الهام الذى شكل علامة فارقة بين مرحلتين، الأولى تسخر كل الموارد والامكانيات من أجل هدف واحد يتمثل فى استعادة الأرض المحتلة، والأخرى تتجه بكل قوة نحو أفق غير محدود، وتمضى بخطوات واثقة، مقتحمة الصعاب والتحديات لتعويض سنوات ثقيلة من فقدان الثقة وانكسار النفس، حتى تحقق الهدف المنشود، واكتملت سيادة مصر على أراضيها وعاد إليها كبريائها وقدرتها على الحلم بغد مشرق، ومكانة مرموقة تستحقها بكل جدارة بين دول العالم.

ولا شك أن تحرير سيناء عن طريق المفاوضات ما كان ليتم إلا عقب النصر الكبير فى معركة أكتوبر المجيدة، والتى خاضتها مصر جنبًا إلى جنب مع أشقائها العرب فى ملحمة خالدة سجلها التاريخ بأحرف من نور، ونحن فى الكويت لا نزال نتذكر بكل الفخر مشاركتنا الغالية والعزيزة فى ذلك الانتصار الكبير، فالكويت لم تكتف فقط بالمساندة المعنوية والسياسية فى الإعداد للمعركة، بل شاركت فعليًا فى صُنعه من خلال ملحمة كبيرة أدّاها لواء كامل من الجيش الكويتى هو لواء اليرموك الذى استشهد من رجاله البواسل ٤٢ شهيدًا، امتزجت دماؤهم الطاهرة بدماء أشقائهم المصريين لتروى رمال سيناء وتختلط بمياه قناة السويس.

وها نحن اليوم نلمس ثمرة هذا الإنجاز عبر المشروعات العملاقة التى تبشر بتحول سيناء الى قاطرة للتنمية فى مصر، فلم تعد سيناء مقصدًا للسائحين ومزارًا للوافدين من شتى بقاع العالم فقط، بل تحولت إلى مصدر للفرص الواعدة فى مجالات الصناعة والتعدين والخدمات، وملتقى للباحثين عن الاستثمار الآمن فى قطاع التجارة والخدمات، فهى بموقعها الاستراتيجى المهم ومقوماتها الطبيعية الفريدة تُعد محور الالتقاء بين قارتى آسيا وإفريقيا وبين المشرق العربى والمغرب العربى.

خالص التهانى للشقيقة مصر بعيد تحريرسيناء، ومع تمنياتنا الدائمة لشعبها الطيب بكل تقدم وازدهار.