رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عواطف عبدالرحمن: هيكل حاول فصلى من «الأهرام» بسبب «نوتة»

جريدة الدستور

لم أعش فترة مراهقة مثل الفتيات والاهتمام بالقضية الفلسطينية أبعدنى عن الجنس الآخر

مبارك أعادنى للجامعة بعد فصلى فى عهد السادات وعكاشة سبب طلاقى بعد قصة زواج صعبة

أنا «فيروزية» وأحب فايزة أحمد والنقشبندى ورفعت وعبدالصمد ومحمود درويش كان صديقًا عزيزًا

رغم صدور سيرتها الذاتية «صفصافة» عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2012 إلا أن رحلتها الأكاديمية والصحفية والإنسانية ما زالت تحمل الكثير من المواقف والجوانب التى لم تدون أو تصل لمتابعى إسهاماتها فى العلوم الاجتماعية والصحفية.
هى الدكتورة عواطف عبدالرحمن، أستاذ الصحافة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، التى حاورتها «الدستور»، حيث استكملت سيرتها الذاتية بالكشف عن الكثير من المواقف التى عاشتها، وأسرار ما دار بينها وبين السلطة فى عصر الرئيس أنور السادات، وذكريات اعتقالها، وانفصالها عن زوجها.



■ بداية.. كيف أثرت النشأة بالقرية فى تكوينك؟
- كان نظام الحياة فى قريتى «الزرابى»، بمركز أبوتيج محافظة أسيوط، طبقيًا، فكنت ألعب مع أطفال فى نفس سنى، ولكنهم فقراء ومعدمون، وكان بيت جدى مثل المعابد تمامًا، على عكس بيوتهم، وكل يوم كنت ألبس ثيابًا جديدة، وفى المقابل كان الأطفال لا يملكون الكثير من الملابس.
ومن هنا بدأت محاولاتى فى أن أواكب هؤلاء الأطفال، لإحساسى بالفرق بينى وبينهم، سألت جدتى: «لماذا هم فقراء؟»، فقالت لى: «ورفع بعضكم فوق بعض درجات».. ردت علىّ الرد الدينى، ولكننى ظللت أبحث عن المعنى المقصود من ذلك، واكتشفت فى الكلية أن السبب فى الاختلاف بينى وبين هؤلاء الأطفال هو «الطبقية».
■ هل عشت فترة مراهقة مختلفة عن الفتيات؟
- لم أعش هذه الفترة فى حياتى قط، فلم تكن لى علاقة بالجنس الآخر، وقضيت فترة المراهقة وأنا أتعلم كل شىء عن القضية الفلسطينية، التى روت والدتى لى عنها كثيرًا منذ عام ١٩٤٨.
وعندما التحقت بالجامعة، انضممت لـ«القوميين» لمدة ٦ أشهر، ووجدت شعارهم «وحدة.. تحرر.. ثأر»، فلم أجد العدالة فى هذا الشعار، فقررت الانتقال لـ«البعثيين» وظللت معهم لمدة ٦ أشهر أيضًا، وكان شعارهم «وحدة.. حرية.. اشتراكية»، لكننى وجدت الاشتراكية عامة غير محددة معهم، ثم انتقلت لـ«الماركسيين»، ومعهم تعلّمت الكثير، وهم من بنوا شخصيتى الحقيقية، وكان زملائى يحاولون إقامة قصص حب معى، ولكننى كنت أراهم كإخوتى، فكنت أريد شخصًا ناضجًا.
■ ماذا عن دور الأم فى حياتك؟
- دور والدتى بدأ فى حياتى بعد ٧ سنوات قضيتها فى القرية مع جدتى، وقد كان بينى وبين أمى بعض الجمود فى البداية، ولكن تمت إذابته، وبدأت أمى تصبح الأهم فى حياتى بعد انتقالى للقاهرة.
كما لعبت أمى دورًا كبيرًا فى حياتى، حين صدر قرار الرئيس أنور السادات باعتقالى، عندما كنت أشارك بأحد المؤتمرات بألمانيا.
■ ما الذى حدث فى واقعة الاعتقال تلك؟
- كان المؤتمر يتحدث عن قضية العنصرية فى جنوب إفريقيا، ووقتها أضفت من خلال مشاركتى قضية العنصرية ضد الفلسطينيين من قِبل إسرائيل، لذا أراد الصهاينة فى حينها قتلى بسبب كشفى عنصريتهم.
وبعد انتهاء المؤتمر تركت ابنى «هشام» فى منزل أحد الأصدقاء، لزيارة الكاتبة الراحلة رضوى عاشور وزوجها الشاعر مريد البرغوثى بالمجر، ومكثت لديهما لمدة يومين، وقتها ألقى الرئيس الراحل أنور السادات خطبة أعلن خلالها اعتقال ١٥٣٦ من السياسيين والجامعيين ورجال الدين، كان اسمى من بينهم، وقالت لى رضوى عاشور: «من المؤكد أنه تم احتجاز أمى وأمك».
وقررت أن أصطحب ابنى «هشام» وأسافر إلى مصر، رغم تحذيرات الكثير من الأصدقاء فى الخارج، إلا أننى تمسكت بموقفى، وبالفعل سافرت إلى برلين الشرقية، ومنها تحركت مع ابنى إلى القاهرة حوالى الساعة ٣ فجرًا، وطوال الطريق كنت أمهد لابنى مسألة اعتقالى، وأوضح له أنه تم اعتقال فريدة النقاش أيضا، وتركت ابنيها «جاسر ورشا».
«هشام» ابنى لم يستطع أن يتفهم ما أقوله له، إلا أنه كان يخشى فقط أن يحتجزوا تلامذتى وقتها، الدكتور محمد بسيونى والدكتور محمد شومان، وكانا صديقيه فى تلك الفترة.
وبعد وصولى القاهرة وجدت طليقى الصحفى الكبير ممدوح طه على باب الطائرة بالمطار يحمل جريدة، وعندما رأيته سألته: «إيه فيه حد مات من عيلتى؟»، فقال لى إن اسمى ضمن قائمة المعتقلين، وذهبت بعدها إلى الجمارك، واصطحب ابنى «هشام»، وذهبت إلى مكتب أمن الدولة بالمطار، لكى أبلغهم بأننى ضمن قائمة المطلوبين، حينها حاولوا وضع الكلبشات فى يدى لكننى رفضت، وقبل اصطحابى إلى وزارة الداخلية، رحب بى عدد من العرب الموجودين بالمطار، وأشادوا بدورى فيما يخص القضية الفلسطينية، ثم وضعونى فى سيارة متوجهة للوزارة.
زارتنى أمى فى وزارة الداخلية، وقابلتنى فى وجود أحد الضباط، فقالت إنه نفس الشخص الذى حضر إلى منزلنا فى الحادية عشرة مساءً ليسأل عنى خلال مشاركتى فى مؤتمر ألمانيا، وزعم أنه أحد تلاميذى، فقال لها الضابط: «اعذرينى هذه طبيعة عملى»، وطلب منى أن أكتب طلبًا للرئيس السادات كى يعفو عنى.
هنا تدخلت أمى وردت عليه، قائلة: «قل للرئيس السادات إن خال ابنتى هو محمد فهمى، الذى استضافك عندما اتهمت فى قضية مقتل أمين عثمان سنة ١٩٤٢، ووفر لك عملًا لمدة سنتين حتى يحميك من الإعدام.. قل له إننا وطنيون أكثر من أى أحد»، فكان رد الضابط: «عشان كده أنا عرفت سبب اعتقال ابنتك».
وتم نقلى بعد ذلك إلى سجن النساء بطرة فى سيارة ترحيلات، ووصلت الساعة الرابعة عصرًا، ووجدت السجانة تقول: «دول السياسيات الجدد.. إيراد جديد»، وهو ما جعلنى أشعر بأنهم ينظرون إلينا باعتبارنا «إيرادًا جديدًا».
وعندما دخلت عنبر السياسيات وجدت كلًا من أستاذتى الدكتورة لطيفة الزيات، وفتحية العسال، والدكتورة نوال السعداوى، والدكتورة أمينة رشيد، وصافيناز كاظم، وعددا من السجينات المحجبات.
■ ماذا عن فترة عملك فى وزارة الإسكان عقب خروجك من المعتقل؟
- بعد الاعتقال تم فصلنا من الجامعة، وتم نقلى وزملائى لعدد من الوزارات، وكان نصيبى وزارة الإسكان، وأرى أنه إذا لم يتم اغتيال الرئيس السادات لأخذت حياتى مسارًا آخر.
بعد الإفراج عنى ذهبت لوزارة الإسكان لإنهاء إجراءاتى، وحين تولى «مبارك» السلطة أمر بعودتنا للجامعة مرة أخرى، وحينها التقيت وزير الإسكان حسب الله الكفراوى، وهو إنسان رائع، وأتذكر أنه عرض علىّ هدية تمثلت فى شقة، وهو ما رفضته معتذرة، وظلت علاقتى به قوية بعد ذلك، رغم أننى فى هذه الفترة كنت فى حاجة إلى شقة بشكل كبير، لكن اكتفيت بشقة والدتى بقليوب.
■ الزواج والطلاق فى حياتك لم يكن يسيرًا بل بدا تراجيديًا إلى حد كبير.. ما السبب؟
- قبل زواجى من ممدوح طه، كان يرأس قسم الأخبار فى جريدة الأهرام، وكنت أعمل معه، وقد كان إنسانًا من الناحية الأخلاقية، وعندما تقدم للزواج منى رأيت أنه لا يصلح لى، لفرق السن واختلاف التفكير، إضافة إلى اختلافنا أيديولوجيًا، ولكن عندما اعتقلت لمدة ٥ أيام عام ١٩٦١، بسبب وجود اسمى فى «نوتة» زميلى الكاتب الراحل سامى خشبة، حاول محمد حسنين هيكل إبعادى عن العمل فى الجريدة، وهنا ظهر دور «طه» الذى وقف أمام تنفيذ القرار، وكان ذلك بمثابة «جميل» منه، ما زلت أحتفظ به.
أما حكاية زواجى به فبدأت بعد مرض زوجته الأولى وهو ما جعله يطلب منى الزواج، فقد ذهب لوالدى و«طلب إيدى منه»، ووافق والدى على الزواج شكلًا، حيث شعر بالحرج، لذا لم يرفض، وعندما التقيت «ممدوح» أبلغته بموافقتى على الزواج منه «عندًا فى والدى»، الذى لم يكن على دراية برفضى الزواج منه.
ولكن بعد فترة شعرت بأن تجربة الزواج تلك ثقيلة جدًا، فبعد عودتى من الجزائر التى ذهبت إليها لجمع مادة رسالة الماجستير عن صحافة التحرر الوطنى فى الجزائر دخلت فى نوبات من الاكتئاب، وهو ما دفعنى للذهاب للطبيب النفسى أحمد عكاشة، فقال لى جملة لم ولن أنساها إلى الآن، وكانت فاصلة فى حياتى الزوجية: «أنت راكبة أتوبيس فى اتجاه غلط، وكل ما محطتك تيجى مابتنزليش، وهتخبطى فى حارة سد»، واتخذت قرار الانفصال بعد تلك الجملة.
حينها حاول رئيس تحرير جريدة الأهرام محمد حسنين هيكل الوساطة بينى وبين ممدوح طه، لنتراجع عن قرار الانفصال، ووالدتى أيضا كانت رافضة للقرار، بسبب وجود طفل بيننا ابنى هشام إلا أنها فى النهاية عندما شعرت بإصرارى سألتنى: «هل ستتحملين تبعات هذا القرار؟»، ورددت بالإيجاب، فقالت إنها ستساندنى، وطلبت منى التفرغ للبحث العلمى وعدم التفكير مجددًا فى الزواج.
وبعد انفصالى بعامين، صدر حكم المحكمة بضم ابنى لوالده، وكان هذا بمثابة انكسار لى، إذ كنت أسير فى الشوارع أبكى بحرقة على ابنى، وأرى وجهه بشكل مستمر فى كل شىء من حولى، وكنت كل يوم اثنين أذهب إليه فى المدرسة بـ«ساندوتشات»، والحقيقة أن ابنى دفع ثمن اختيار زواجى الخاطئ، ومن هنا تخصصت فى قضايا المرأة عندما شعرت بإجحاف ضدها فى قانون الأحوال الشخصية.
■ ما الانكسارات التى مررت بها فى حياتك؟
- الانكسارات التى مررت بها تشكلت فى الضغط الذى مارسه على زوجى السابق «ممدوح» للعودة بعد الانفصال، وحرمانى من ابنى، وأتذكر جيدًا فى إحدى المرات ذهبت للمدرسة كما اعتدت لرؤية ابنى يوم الإثنين، فتأخرت عليه، وبمجرد رؤيته بكيت بكاءً هستيريًا، واحتضنته بشدة، فسخرت منى إحدى المدرسات حينها قائلة: «يعنى مكانش بايت فى حضنك طول الليل».
فى ذلك اليوم، وبعد أن جلست مع ابنى، ذهبت للكلية، وبمجرد أن وطئت قدماى المدرج، ورأيت طلابى، وجدت وجوهًا نضرة ممتلئة بالأمل والرغبة فى المعرفة، ومنذ ذلك الوقت انتميت للمدرج، ودائمًا أقول لتلاميذى: «إنتوا وقفتوا معايا فى وقت انكسارى»، ورفضت عروض الخليج بسبب حبى لطلابى، كما أهديت جميع كتبى لهم فهم الأولى بها.
■ ماذا عن علاقتك بمحمود درويش وبطرس غالى؟
- محمود درويش كان صديقًا عزيزًا، وكان عضو لجنة الدفاع عن الثقافة القومية، ويشاركنا فى الكثير من المؤتمرات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وكان دائما عندما ألتقيه يقول إن حديثى يشعره بالأمان.
أما الدكتور بطرس غالى، فعملت تحت رئاسته لثلاث سنوات فى مجلة «السياسة الدولية»، وكان بمثابة معلم حقيقى بالنسبة لى.
■ من المطرب المفضل بالنسبة لك؟
- أحب فيروز، فأنا «فيروزية»، كما أحب الاستماع إلى أم كلثوم، ومحمد عبدالوهاب.
وأم كلثوم ترتبط معنا بذكريات، ففى كل خميس من كل أول شهر كنت أجتمع مع والدتى والجيران نستمع إلى أغنياتها عبر الراديو فى منزلنا، ونعد الحلويات لهذه السهرة.
كما أننى أحب عبدالحليم حافظ، منذ أن كنت طالبة فى الثانوية وفى الجامعة، وأفضل الاستماع أيضًا إلى أغنيات فايزة أحمد.
هل لك طقوس معينة فى شهر رمضان؟
- أذهب خلال شهر رمضان باستمرار إلى منطقة الحسين مع طلابى وتلامذتى وأصدقائى، كما أفضل الاستماع إلى ياسين التهامى، وتواشيح النقشبندى، وأستمع لتسجيلات الشيخ محمد رفعت، والشيخ عبدالباسط عبدالصمد، والشيخ محمد صديق المنشاوى، فأنا أحب المقرئين المصريين، وهذا الحب ورثته عن أسرة والدتى.