رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

أمريكا وسياسات الإبادة «3»


يروى البروفيسور «منير العكش»، فى كتابه بالغ الأهمية «حق التضحية بالآخر: أمريكا والإبادات الجماعية»، وعبر تَفَحُّص مصادر ووثائق ومراجع نادرة، قصة عصابات الـ«زنابير»، أو الـ«WASP»، (البيض، الأنجلو- ساكسون، البروتستانت)، الهابطين من إنجلترا مُدجَّجين بالسلاح والسموم، إلى «أرض الميعاد» الأمريكية، مثل جحافل من الغزاة الهمج، نزلوا إلى رحاب القارة البكر، الغنية بما لا يقاس من ثروات ومغانم، مُصرِّين على الإبادة الكاملة لكل من يقف فى وجه تحقيق أغراضهم فى السيطرة الكاملة على الجنة الموعودة، من أهل وأصحاب الأرض الأصليين، الهنود الحمر، المسالمين البسطاء.
«يحكى التاريخ المخفى أنه كان هناك جنود مدربون على (الصيد) يُطاردون الهنود كما يُطارد رعاة البقر جواميس البرارى، عبر أسوار منصوبة على شكل زاوية حادة تظل تضيق وتضيق إلى أن يصبح أمام هذه (البهائم) الغافلة (خيار وحيد) اسمه المصيدة»، يحكى المؤلف: «مصائد أشبه بحظائر الكلاب، لا يخرجون منها إلا للتغوّط الجماعى المُقنن فى حفر مفتوحة، أو للعمل الإجبارى فى الحقول والطواحين والأعمال القذرة من الصباح للمساء، وخلال أسابيع كان الهندى يموت من المرض والإجهاد وسوء التغذية، فقد كانت كمية الطعام التى تُقدم للعبد الأسود تُعادل ثمانية أضعاف الطعام الذى يُقدم للهندى»، ولم يكن هذا حبًا للإفريقى، وإنما «لأن الهنود أرخص من السمك، وكلفة استبدالهم أرخص من إطعامهم».
وهذا النهج قُنن فى بيان أُعلن فى لندن عام ١٦٢٢، باسم «حق الحرب»، فالسيد الإنجليزى له الحق، باعتباره ينتمى إلى «الشعب المُختار»، المتفوق بالوراثة: «أن نجتاح البلاد وندمر أهلها.. حيثما تحلو لنا مواطنهم الخصبة، وأراضيهم التى سنستوطنها بعد تطهيرها من سُكانها».
وأصبحت التجارة فى «جمع رءوس» الهنود أكثر الأنشطة للمستوطنين البيض جلبًا للربح، كما «كانت أعظم غنائم المحاربين هى هذه التذكارات التى يجمعها الجنود من جثث الضحايا أو المحتضرين، من ذلك الأسنان الذهبية، الآذان، العظام، فروات الرءوس، والجماجم، وغير ذلك من التذكارات».
وفى شهادات لشاهد عيان «المترجم جون سميث»: «لقد مارسوا كل أنواع السلب والنهب، سلخوهم، واقتلعوا أدمغتهم، واستخدم الجنود سكاكينهم لتمزيق أجساد النساء وشقهن، ولتعذيب الأطفال ودق رءوسهم بأعقاب البنادق واقتلاع أدمغتهم والتمثيل بأجسادهم.. إن أسوأ تمثيل رأيته فى حياتى هو تقطيع النساء إلى قطع صغيرة وتمزيق جثث الرُضّع الصغار ذوى الشهرين أو ثلاثة أشهر.. وعندما ذهبت إلى مكان المذبحة فى اليوم التالى لم أرَ جسدًا واحدًا إلا وقد سُلخ وقُطعت أعضاؤه التناسلية».
ويضيف «جون سميث»: «سمعت جنديًا يقول إنه اقتطع فرج امرأة وعلّقه على عود لعرضه.. وسمعت آخر يقول إنه قطع أصابع هندية ليأخذ خواتمها.. كما سمعت جنودًا قالوا إنهم اقتطعوا فروج الهنديات وشدّوها على مُقدمات سروج خيولهم أو عرضوها كـ(النياشين) على قُبعاتهم أثناء الاستعراض العسكرى.. وسمعت جنديًا يقول إنه شقَّ قلب امرأة هندية ورفعه على عود».
وهذه السياسة، كما يقول المؤلف، التى اعتُبرت أن أى أضرار مهما وصلت فى وحشيتها تلحق بأهالى المناطق المطموع فيها، لا تعدو «أضرارًا هامشية» ترافق انتشار «الحضارة»، «وتنفيذها يحتاج بالتأكيد إلى موجات متلاحقة من الترحيل القسرى والمذابح الجماعية».. وهى العقيدة التى استعارها «هتلر» بعد حوالى نصف قرن، «بكثير من التواضع» والحذر، وسماها «سياسة المجال الحيوى»، وأزيد: وهى ذات العقيدة التى اعتنقتها الجماعات الإرهابية الصهيونية، واستخدمتها فى اغتصاب الأرض الفلسطينية، وترويع أهلها ببقر بطون الحوامل، وجزّ رقاب الأطفال، وإبادة وترحيل أصحابها من أبناء الشعب الفلسطينى المُسالم.
وبعد ذلك ما زال هناك من يُصدّق أن أمريكا تسعى لإحلال السلام فى فلسطين.. يا سلام!.