رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

داود متر هوبر: كتب الصوفية قادتنى من الإلحاد للإسلام.. وإيمانى قائم على العبادة لله لا انتظار الجنة

جريدة الدستور

قال داود متر هوبر، الباحث الألمانى فى العلوم الدينية والتصوف، إن كتب الصوفية قادته إلى اعتناق الدين الإسلامى رغم نشأته فى عائلة ملحدة، خاصة تلك التى كتبها ابن عطاء الله السكندرى، والإمام الجازولى.
وكشف «هوبر»، فى حواره مع «الدستور»، عن عمله على إعداد موسوعة عملاقة عن التصوف فى أوروبا، يرصد فيها كل ما يتعلق بـ«أهل المدد» فى «القارة العجوز»، متحدثًا فى الوقت ذاته عن الدور الذى يلعبه التصوف لنشر الفكر الإسلامى المعتدل فى قارة أوروبا.
■ بداية.. كيف تعرفت على الدين الإسلامى، وتحولت من الإلحاد إلى اعتناقه؟
- نشأت فى عائلة ألمانية ملحدة لا تؤمن بالأديان، ولا تعتقد بوجود حساب فى الآخرة ولا بوجود الجنة أو النار، وكنت مثلها لكن فى إحدى المرات كنت أتجول فى غابة طبيعية عندنا، وبالتأمل فيما حولى سألت نفسى عن النظام البيئى المتكامل من حولى، وعن القوة التى تقف وراءه، وتوصلت إلى أنه لا بد من وجود مسئول عن هذا النظام الكونى، وأنه من المستحيل نشأته من تلقاء نفسه، خاصة أن الذى خلق الغابة أعظم بكثير من صنع الطائرات وبناء المدن.
وبعد تدبرى فى هذه الأفكار وأسئلتى عن أحوال الكون المحيط، بدأت فى البحث عن الدين الحق، ولأن الجميع يدعى أنه على صواب لم أستطع التمييز بين الحق والباطل فى البداية، وهو ما جعلنى أعكف على قراءة كثير من الكتب، لعلها تجعلنى أهتدى لطريق الحق، إلى أن وقعت أمامى كتب بعض شيوخ وعلماء التصوف من بينهم: الإمام الغزالى وابن عطاء الله السكندرى والجازولى والرفاعى، وغيرهم من المتصوفين.
ووجدت فى هذه الكتب ما قادنى إلى الإسلام، خاصة أنى واصلت البحث فى العلوم الدينية والتصوف، وأصبحت أتردد على الزوايا الصوفية التى لم أكن أعتقد أنها موجودة بهذه الكثرة فى ألمانيا.
■ هل يمكن أن نقول إن التصوف كان سببًا فى دخولك الإسلام؟
- نعم، لكنه كان طريقًا غير مباشر للإسلام، فكتب علماء الصوفية قربتنى من دائرة الإسلام وجعلتنى أتعرف أكثر عليه، وأبحث عنه أكثر من أى وقت آخر، كما أن الروحانيات العالية والمحبة الموجودة فى الصوفية، يحتاج إليها المسلم الجديد لتثبيت إيمانه.
ولعل أهم ما تعلمته من الصوفية، أن يكون عملك خالصًا لوجه الله تعالى، دون رهنه بعدد الحسنات التى ستحصل عليها، وذلك المبدأ هو أساس الجانب الروحانى فى الصوفية.
وفى الوقت الحالى، أبحث كثيرًا عن التصوف، وبخاصة المخطوطات التى كتبها كبار المتصوفة، للتعرف أكثر على المنهج الإسلامى الوسطى، بجانب حرصى على رصد الزوايا والأضرحة الصوفية فى أوروبا، لإعداد موسوعة كبرى تعرف الجميع بـ«التصوف الغربى».
لهذا كله، أستطيع القول إنه من خلال الروحانيات الموجودة فى التصوف، اعتنقت الإسلام وأصبحت متمسكًا به لأقصى درجة، خاصة أنها مهمة جدًا فى حياة أى إنسان سواء كان مسلمًا أم لا، كما أن أبنائى عرفتهم على التصوف وآخذهم معى دائمًا فى الحضرات الصوفية.
■ ماذا عن الأزهر ودوره فى اعتناقك الإسلام؟
- مكثت فى مصر ٧ سنوات، استمعت فيها لعلماء الأزهر المتصوفة، أمثال الدكتور محمد مهنا، والدكتور أسامة الأزهرى، والدكتور يسرى جبر، والدكتور رفعت عبدالمطلب، وذلك فى الجامع الأزهر، وهو الأمر الذى كان سببًا فى تمسكى أكثر بالإسلام، وتثبيته بداخلى وفرحى باعتناقه.
والميزة الكبرى لدى شيوخ الأزهر المتصوفين، هى القدرة على التواصل مع الآخر، وابتعادهم عن عقلية المتشددين، وكتبهم أسهمت فى شرح الدين الإسلامى لى وتعرفى على تفاصيله كافة، فى ظل أسلوبهم الرائع فى الشرح، وعلى الرغم من أن بعض هذه الكتب صعب جدًا فى البداية، لكن مع الوقت يمكن فهم ما بها والتعلق به، خاصة أنها مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية.
■ هل دخولك الإسلام أزعج عائلتك الألمانية؟
- فى الواقع لا، فهم يحترمون اختياراتى ويؤمنون بأن لكل إنسان عقيدة خاصة به، ولا يجب أن يفرض الدين عليه، لذا قالوا لى: «نحترم اختيارك.. كل إنسان يفعل ما يريده ويحبه»، لكن أشفق عليهم بسبب عدم إيمانهم بوجود ثواب وعقاب، واعتقادهم بأنهم لن يحاسبوا على أعمالهم فى الآخرة، ما جعلهم يعيشون لأنفسهم فقط، ويعبدون الحياة الدنيا.
■ ما سر زيارتك الزوايا الصوفية سواء فى أوروبا أو منطقة المغرب العربى؟
- السر فى ذلك الروحانيات الموجودة فى هذه الزوايا، بالإضافة إلى أننى أجرى أبحاثًا فى التصوف تلزم لقاء شيوخ وعلماء هذه الزوايا، كما أزور المقامات والأضرحة الصوفية لأخذ العظة والعبر، وحصرها، وذلك- كما قلت- بغية إعداد موسوعة كبرى عن الصوفية فى أوروبا، بجانب المشاركة فى الحضرات والجلسات التى تقيمها الصوفية فى ألمانيا وخارجها.
■ كيف ترى من يهاجمون الصوفية ويعتبرونها مخالفة للإسلام؟
- هؤلاء يقولون إنهم يحبون الدين والسنة النبوية، ويرفضون ما يقولون عنه البدع، لكن نظرتهم تلك للإسلام ضيقة، لأنها تعكس تمسكهم بـ«قشور الإسلام» وليس أساسياته، لذا يطالبونك بتقصير الجلباب وتربية اللحية وعدم مخالطة النساء فى العمل.
وفيما يتعلق بالصوفية، ينكر هؤلاء عقيدة الصوفية، على الرغم من أن أئمة أهل السنة الأوائل جميعهم كانوا صوفيين، ولو قرأوا سيرة السلف الذى ينتسبون إليه لوجدوا تلك الحقيقة، ولو تأملوا معانى القرآن الكريم وما قاله النبى صلى الله عليه وسلم، ما كانوا قالوا ما قالوه فى حق الصوفية.
وبعض علماء أهل السنة، تحدثوا بشكل أكثر من رائع عن التصوف، ومن بينهم الإمام الهروى وسيدى عبدالقادر الجيلانى وحتى ابن تيمية نفسه، وعلى الرغم من أن الأخير كان صاحب فكر متشدد، فإن له الكثير من المؤلفات عن التصوف والأضرحة والمقامات، وقال إن «السادة الصوفية هم أكثر الناس محبة لله»، فكيف يقول شيوخهم هذا ويأتون هم بعكسه؟
■ أشرت إلى الصوفية فى ألمانيا.. هل لك أن تطلعنا على مشاهد وجودها هناك؟
- الصوفية موجودون فى جميع أنحاء المانيا، وهناك زوايا صوفية كبيرة لطرق شهيرة مثل «القادرية» و«النقشبندية» و«الشاذلية»، التى دخلت البلاد عبر المغرب وتركيا والجزائر، ولها نشاط كبير داخل الدولة الألمانية.
والحكومة الألمانية تترك للصوفية مطلق الحرية فى ممارسة شعائرهم الدينية، حتى إنهم فى مرة خرجوا بأعداد كثيفة إلى الشوارع فى المولد النبوى الشريف، وأقاموا حضرة صوفية تابعها الآلاف من الألمان، دون أى مضايقات، خاصة أن الحكومة والشعب الألمانى ينظرون إليهم على أنهم معتدلون لا يمثلون أى خطر.
والحكومة الألمانية لا تريد مشاكل مع أحد، وتحاول دائمًا تهدئة الأمور مع الجميع، لذا تتعامل مع الصوفية والسلفية على أساس «ماذا قدموا للدولة الألمانية؟»، دون تدخل فى شعائرهم الدينية، فأغلب الألمان لا يشغلون أنفسهم بهذه الأمور. وعامة لا توجد أى مشاكل بين الصوفية والسلفية فى ألمانيا، ومساجد كل منهما منفصلة عن الأخرى.
■ كم يبلغ عدد الصوفيين فى ألمانيا؟ وهل هناك مقامات وأضرحة؟
- عدد الصوفية فى ألمانيا كبير جدًا، وتتواجد غالبيتهم فى مدن ميونخ وبرلين، ويصل عددهم إلى مليون مريد. وأكثر الأماكن التى يتواجد فيها الصوفية منطقة «الغابة السوداء»، وكما قلت يمارسون شعائرهم دون أى مضايقات.
■ كيف تابعت الهجوم الإرهابى الأخير على مسجدين فى نيوزيلندا؟
- توقعت منذ فترة كبيرة أن يحدث ذلك الأمر، لأن الكراهية ضد الإسلام موجودة فى الغرب، والتهديدات ضد المسلمين تحدث بشكل متكرر، ومتطرفو اليمين والملحدون قالوها جهارًا نهارًا: «سيأتى الوقت الذى نقتلكم فيه بالشوارع ونقطع رءوسكم».
والتعصب والتشدد موجود لدى الجميع، وفى ألمانيا وأوروبا عامة توجد جماعات يمينية متطرفة، تحاول الحكومة دائمًا القضاء والسيطرة عليها، لكن دون جدوى.
وأرى أن ظاهرة «الإسلاموفوبيا» كانت سببًا رئيسيًا لحالة التعصب والاحتقان بين المسلمين وغيرهم فى الغرب، وتتزايد هذه الظاهرة فى الوقت الحالى، دون أى دور فاعل فى التصدى لها من جانب المؤسسات الدينية مثل الأزهر الشريف فى مصر وجامعة الزيتونة بتونس. فهذه المؤسسات لا تملك دعاة مؤهلين للقضاء على ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، ودعاتهم وعلماؤهم ليس لهم ثقل فى أوروبا، ومهمة التصدى للظاهرة معنِى بها فى المقام الأول الصوفية، بشكل أكبر من المؤسسات الدينية الرسمية، بجانب أن هؤلاء المتشددين يرفضون الحوار ولا يقبلون الحديث مع أحد، الأمر الذى يجعل هناك صعوبة فى التواصل معهم.
هل يتدخل صوفية ألمانيا وأوروبا فى العمل السياسى؟
- الزوايا الصوفية ليست لها علاقة بالسياسة من قريب أو بعيد فى ألمانيا، فهى تسعى إلى نشر العلوم الدينية والصوفية فقط، كما أنها لا تعقد صفقات مع الأنظمة الحاكمة، فأهل التصوف أهل ذكر وعبادة فقط، منهم من يكون سياسيًا، لكنه لا يربط التصوف بالسياسة مهما حدث، خاصة أن السياسة دائمًا ما تجلب المشاكل، والصوفية ليسوا مثل «الإخوان» التى اتخذت الدين طريقًا يوصلها للسياسة والحكم.