في الأهرامات.. مصر تكتب صفحة مجيدة في" تاريخ الساحرة المستديرة"
عندما اتجهت أنظار العالم لأهرامات الجيزة مساء أمس "الجمعة" لمشاهدة وقائع احتفالية سحب قرعة بطولة الأمم الإفريقية، فإن مصر بدأت في كتابة "صفحة جديدة ومجيدة في تاريخ الساحرة المستديرة والعلاقة الحميمة بين كرة القدم والثقافة والتاريخ والسياحة الرياضية".
وبحضور رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي وعدد من كبار المسؤولين، شهدت منطقة الأهرامات قرعة بطولة الأمم الإفريقية لكرة القدم لعام 2019 استعدادا لمباريات البطولة التي تبدأ في شهر يونيو المقبل لتشهد الملاعب المصرية فصلا جديدا في "كتاب الساحرة المستديرة الإفريقية الحافلة بالبهجة".
وبطولة الأمم الإفريقية التي يشارك 24 منتخبا كرويا إفريقيا في نسختها الثانية والثلاثين على أرض مصر باتت واحدة من أإهم البطولات الكروية في العالم خاصة مع وجود الكثير من النجوم الأفارقة في فرق أندية أوروبية شهيرة.
وبقدر ما أضفت الفقرات الفنية المتنوعة أجواء من البهجة أثناء احتفالية القرعة للبطولة الإفريقية عند أبو الهول والأهرامات التي تعد واحدة من ابرز عجائب الدنيا السبع فان رمزية المكان التاريخي الخالد تؤشر بوضوح لأهمية الحضور الثقافي الجذاب أثناء استضافة مصر لمباريات البطولة الكروية الكبيرة.
ولم تغب هذه الحقيقة عن أذهان مثقفين مصريين يؤكدون أن بطولة الأمم الإفريقية التي تشارك فيها نحو نصف منتخبات دول القارة فرصة لتفاعل ثقافي واسع النطاق بين مصر والأشقاء الأفارقة، فيما كان من حسن الطالع ان يتزامن هذا الحدث الرياضي الكبير مع رئاسة مصر للاتحاد الإفريقي.
وهكذا يقول الباحث والكاتب في جريدة الأهرام الدكتور وحيد عبد المجيد:"يتيح وجود هذا العدد الكبير من منتخبات الدول الإفريقية في مصر فرصة لتفاعل واسع النطاق لا ينبغي أن يقتصر على اللعبة التي جاءت هذه المنتخبات للتنافس فيها" لافتا إلى أن "الرياضة جزء من ثقافة المجتمعات وليست مجرد ألعاب يتبارى فيها لاعبون ويسعون إلى الفوز".
وفيما يؤكد عبد المجيد أن هذه البطولة الكروية الإفريقية "فرصة لتفاعل ثقافي" لتعزيز الأواصر بين الأفارقة، فقد أشار مثل غيره من مثقفين تعرضوا لهذا الموضوع من قبل إلى أن لوزارة الثقافة دورها في تحقيق هذا التفاعل "عبر أنشطة متنوعة" تنظمها بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة والمنظمات الثقافية.
ومع وضع الدولة المصرية لكل إمكاناتها من اجل إنجاح النسخة الجديدة من بطولة الأمم الإفريقية فان كل عشاق اللعبة الأكثر شعبية في العالم على موعد مع حالة مبهجة من الزخم الرياضي والثقافي والفني على ارض مصر في وقت تؤكد فيه كتب جديدة حول "الساحرة المستديرة" ان الجماهير تشكل بهجة اللعبة بقدر ما تبتهج بلعبتها المفضلة.
وفي كتاب جديد صدر بالانجليزية بعنوان:"الصوت والمجد" ويتناول فيه المؤلف مات بينتز مسيرة فريق نادي سياتل ساوندرز الأمريكي للفوز ببطولة الكأس ثلاث مرات في أعوام 2009 و2010 و2011 فان المؤلف بدا حريصا على تأكيد أن فريق هذا النادي الأمريكي الحديث النشأة بالمقارنة مع أندية عريقة وراسخة في مصر وإفريقيا كالأهلي يشعر بحق بان مجده الحقيقي يتجلى في قاعدته الجماهيرية الأكبر من جماهير أي فريق آخر لكرة القدم في الولايات المتحدة.
فالقاعدة الجماهيرية تمنح إحساسا رائعا كما يقول مؤلف الكتاب الجديد المغرم بالأرقام والإحصاءات التي تؤكد انه اعتبارا من عام 2016 بات فريق سياتل ساوندرز يحظى بمشجعين يتجاوز عددهم جماهير المشجعين لأي فريق آخر في الدوري الأمريكي للمحترفين، في حين يلفت مثقف مصري مثل الدكتور وحيد عبد المجيد إلى أن البطولة الكروية الإفريقية التي تستضيفها مصر هي أول بطولة يشارك فيها 24 منتخبا إفريقيا بعد أن كان العدد من قبل 16 منتخبا فقط.
وكما يقول وحيد عبد المجيد فان ذلك يعني وجود مشجعين يمثلون أكثر من نصف الأفارقة. مؤكدا انه يمكن استثمار حضور مشجعي هذه المنتخبات الإفريقية لتحقيق تفاعل ثقافي تشتد الحاجة إليه.
وحضور أساطير كروية افريقية مثل يايا توريه وديديه دروجبا والحاج ضيوف ومصطفى حجي وطارق دياب مراسم سحب قرعة بطولة الأمم الإفريقية مساء أمس في سفح الأهرامات استعدادا لمباريات البطولة التي تقام اعتبارا من الحادي والعشرين من شهر يونيو المقبل وحتى التاسع عشر من شهر يوليو القادم يأتي في وقت يتصاعد فيه الاهتمام بعناوين السياحة الثقافية-الرياضية في العالم ككل.
وكان النجم الايفواري يايا توريه قد أعرب في تدوينة على "موقع تويتر للتواصل الاجتماعي" عن شعوره بالسعادة والفخر بوجوده في مصر لحضور هذا الحدث المهم. داعيا متابعيه لمشاهدة مراسم قرعة كاس الأمم الإفريقية التي أجريت مساء أمس.
وفيما قال الدكتور وحيد عبد المجيد ان "مصر يمكن أن تقدم نموذجا في إضفاء بعد ثقافي على هذه المناسبة الرياضية عن طريق تنظيم ندوات وعروض سينمائية ومسرحية وأمسيات شعرية ومعارض بمشاركة مثقفين وفرق فنية من بعض البلدان التي تتنافس منتخباتها في البطولة وغيرها أيضا" فقد أوضح ان الهدف هو "تحقيق تفاعل واسع النطاق على مستوى القارة".
وفي سياق تناوله لهذا الحدث الإفريقي الكبير، شدد الكاتب والناقد الرياضي حسن المستكاوي على ضرورة ان "يشعر ضيوفنا بالسعادة والبهجة..وهي مسؤولية كل المصريين" مضيفا:"وسوف تفتح مصر ذراعيها لشباب وجماهير ونجوم القارة".
وقال المستكاوي إن "الرياضة قوة ناعمة مذهلة ليس لها مثيل في تأثيرها". مؤكدا أن "كل الأيدي المصرية سوف تلتف حول هدف واحد وهو إنجاح البطولة..فتتحول المدن التي تستضيف مباريات المجموعات الست الى حالة شعبية احتفالية فيها المثير من البهجة والمتعة" داعيا للاستفادة من "الشباب المبدع والمبتكر وصاحب الأفكار الجديدة".
والى جانب رئيس الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "الكاف" أحمد أحمد شهد المراسم الاحتفالية لقرعة كأس الأمم الإفريقية عدد من كبار المسؤولين في الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" والاتحادات الكروية في أوروبا واسيا والأمريكتين فيما تتوزع مباريات البطولة الإفريقية المرتقبة على ملاعب في القاهرة والإسكندرية والسويس والإسماعيلية.
ومن نافلة القول إن أنظار عشاق الساحرة المستديرة في كل مكان حول العالم ستتجه لتلك المدن المصرية التي تحتضن مباريات البطولة الثانية والثلاثين لأمم إفريقيا فيما توصف هذه اللعبة الجميلة بأنها " لعبة معانقة المجد".
والمنتخبات الكروية تقدم للعالم أجمل التعبيرات عن أوطانها على المستطيل الأخضر وهذا احد معاني "القوة الناعمة لكرة القدم" كما يطرحها الكاتب الرياضي الانجليزي بارني روناي بينما يتحدث مات بينتز في كتابه الجديد "الصوت والمجد" عن فريق سياتل ساوندز الذي لابد وانه دخل في "حسابات القوة الناعمة الأمريكية" وهو يتجه لمنافسة من حيث عدد مشجعيه مع فرق كروية أوروبية لها شأنها مثل تشيلسي الإنجليزي وايه سي ميلان الإيطالي.
ومع أن بينتز يبدو مبهورا بالقاعدة الجماهيرية لمشجعي سياتل ساوندرز فهو يسلم بأن هذا الفريق الذي يريد ان يكون صوت المجد الأمريكي في اللعبة الأكثر شعبية في العالم والتي تحظى في العقود الأخيرة باهتمام متصاعد في الولايات المتحدة عليه ان يبذل الكثير من الجهد لتحقيق أرقام قياسية في المسابقات المحلية والقارية.
وإذا كان مات بينتز لم يجانب الصواب عندما قال في كتابه "الصوت والمجد" ان اتساع قاعدة جماهير المشجعين المخلصين لفريق ما "امتياز من امتيازات الفوز والنجاح لهذا الفريق فان الجماهير المصرية عرفت دوما بتشجيعها للعبة الجميلة وحرصها على إنجاح البطولات القارية التي تقام على ارض مصر.
والبطولة الجديدة لكاس الأمم الإفريقية على أرض مصر تأتي في وقت يشهد اهتماما ثقافيا بالعلاقة بين الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص والسياحة وتصدر حول هذا الموضوع كتب متعددة ومتنوعة كل عام من أحدثها هذا الكتاب الذي صدر بعنوان:"دليل السائحين الرياضيين للدوري الإنجليزي الممتاز، 2018-2019" ومن الواضح انه يدخل بامتياز في مجال "السياحة الرياضية" بقدر ما يدل عنوانه على ان "البريمير ليج" يشكل محور هذا النوع من السياحة في بريطانيا.
وفي هذا الدليل السياحي الكروي السنوي الذي اشترك في إعداده بلير مورس وبريان بوردن وفرانكلين كانتربري إشارات واضحة بأن الدوري الإنجليزي الممتاز تحول بقوة منافساته ومتعة مبارياته الى "شأن كروي عالمي" فيما أضحى عشاق للساحرة المستديرة حول العالم يحرصون على قضاء اجازاتهم السنوية في بريطانيا ليس لشيء الا لمشاهدة مباريات البريمير ليج!.
ومن هنا تظهر إصدارات مثل هذا الدليل السياحي الكروي الذي يخاطب السائحين الأجانب لمساعدتهم وإرشادهم في رحلاتهم السياحية الكروية لانجلترا وبالمناسبة فان ثمة إشارات واضحة أيضا في هذا الدليل تفيد بأن الكثير من الرحلات الجوية للسياحة الكروية تقلع من الولايات المتحدة لتؤكد مرة أخرى على أن الساحرة المستديرة نجحت في غزو قلوب الأمريكيين بعد تمنع طويل!.
ومع حرص على تفاصيل مثل أسهل الطرق لشراء تذاكر مباريات الفرق العشرين المتنافسة في "البريميرليج" تتردد في هذا الدليل السياحي الكروي أسماء فرق في الدوري الإنجليزي الممتاز مثل مانشستر سيتي وليفربول ومانشستر يونايتد وتشيلسي وارسنال وتوتنهام وفولهام وكارديف سيتي وولفر هامبتون.
ولعل مثل هذا الكتاب يوميء للحاجة لإصدار كتب مصرية وعربية تتناول هذا الموضوع من المنظور المصري والعربي والافريقي فيما يقول رياضي غربي هو اللاعب والمدرب البريطاني كيفن كيجان في كتابه الجديد الذي صدر في مطلع العام الحالي:"حياتي في كرة القدم" ان كرة القدم في جوهرها كلعبة جميلة وتحظى بشعبية هائلة لابد وان تكون من العوامل المهمة في "صنع البيئة الإيجابية" سواء على مستوى المجتمع الواحد او العالم ككل.
وكرة القدم تعني في المقام الأول "البهجة" في منظور بعض المثقفين في الغرب ودون مشجعين تفتقر كرة القدم للكثير من أسباب البهجة كما يشير الكاتب ويل هوتون وهو أصلا كاتب متخصص في قضايا الاقتصاد فيما يرى ان تشجيع فريق لكرة القدم هو جزء من فكرة:"نحن" اي "الهوية الجمعية الراسخة في المكان والتاريخ والثقافة".
وفى كينيا لا يخفى مثقف افريقي لامع وكاتب من أصحاب الأقلام المبدعة هو "اودور اونجوين" ولعه بكرة القدم رغم انه تخصص فى الاقتصاد ويعد من الخبراء الذين يشار لهم بالبنان فى هذا المجال فيما يطرح رؤى غير تقليدية.
ومن طرائف كتاباته انه اعترف بأنه يتعرض فى البطولات الكروية الكبرى لحالة من التمزق بين قلبه وعقله او بين ميوله الرياضية وشغفه "بالساحرة المستديرة" وبين تخصصه فى الاقتصاد حيث يتفرغ لمتابعة مباريات المنتخبات الإفريقية في البطولات الكبرى وعلى رأسها المونديال.
والذاكرة الثقافية المصرية لن تنسى تأملات كروية للكاتب والأديب الراحل إبراهيم أصلان تومئ للعلاقة بين الأدب والساحرة المستديرة بقدر ما تكشف عن عشق هذا الراحل العظيم للعبة الجميلة وهو الذي كتب من قبل عن أهمية "الإيقاع الصحيح على المستطيل الأخضر وخارجه" وقال ان "الايقاع الصحيح هو ملمح الشخصية المتكاملة على مستوى الأفراد والفرق والمجتمع كله".
وصاحب "مالك الحزين" و"بحيرة المساء" و"عصافير النيل" و"خلوة الغلبان" الذي قضى في السابع من يناير عام 2012 هو الذي قال في سياق تأملاته الكروية وتناوله لأوضاع منتخب الفراعنة منذ أكثر من ثمانية أعوام أن "المرء يعرف بإيقاعه حتى ليمكن القول أنك إن لم تمتلك إيقاعك الشخصي فأنت لا تمتلك شيئا".
وكرة القدم او "الساحرة المستديرة" كما رأى إبراهيم أصلان وغيره من الكتاب والمبدعين سواء في مصر أو العالم ككل توحد بين الناس وهو رأي تبناه كتاب كبار من سادة الإبداع وفي مقدمتهم أديب نوبل نجيب محفوظ.
وهاهي مصر تكتب صفحة جديدة ومجيدة في تاريخ الساحرة المستديرة والثقافة مع النسخة الثانية والثلاثين لبطولة الأمم الإفريقية..هاهي تبدأ عرسها الكروي الإفريقي البهيج وترحب بكل عشاق الساحرة المستديرة في كل مكان بهذا العالم العاشق للعبة الجميلة.