رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاستقواء وتبعاته



الاستقواء بالخارج هو الجريمة الكبرى المخلة بالشرف والأمانة والوطنية. فأن تكون راديكاليًا أناركيًا، فتلك مصيبة، أما أن تكون طالبًا للتدخل الخارجى فى شأن بلادك الداخلى فهو شىء لا يمكن توصيفه سوى بأكثر وصف ومصطلح أعافه وأفضل عدم الالتجاء إليه، وأتحفظ بل وأتردد كثيرًا فى استخدامه، وأعتب فى الأغلب على من يستخدمه ويحكم على الناس بمعياره، والذى عادة ما يكون فضفاضًا، ولكن بماذا كان يمكننا توصيف أفعال الاستقواء بالخارج؟
هل الاستقواء بالخارج يمكن توصيفه بكلمة غير «الخيانة العظمى»؟ وبما أننا نتحدث عن فنانين لهم علاقة بالسينما.. فقد صعد هؤلاء للهاوية وسقطوا فى «بئر الخيانة». فأمريكا وإسرائيل وجهان لعملة رديئة واحدة والالتجاء للأولى يشد من عضد الثانية، وما زاد الطين بلة عنصر التوقيت، وبالطبع الجهة التى لجأ لها من صدّروا أنفسهم بوصفهم معارضين مبدعين وطنيين حقوقيين. فقد اجتمع الفنان- الذى عايرته الجماهير كثيرًا بمثليته ودافعنا عنه بمنطق إنسانى ليبرالى- مع الإخوانى آكل الدوناتس الراكع على أرض أمريكا ساجدًا لها، وهو الذى حتمًا يرى ذلك الفنان زنديقًا من قوم لوط!
فلقد اجتمع كل الفرقاء غير المتجانسين ظاهريًا، من أجل هدف واحد.. هدف وضيع. فتلك العصبة اجتمعت ضد وطن يدعون أنه وطنهم، وهو وطننا الذى نتكبد فيه أحيانًا ما نتكبد، ولكن لم يخطر لنا ببال ولم يخطر لنا خاطر باستعداء آخرين عليه أو الالتجاء والاستقواء بهم، فى حين اجتمع هؤلاء معًا وكانوا يدًا واحدة مع العدو التاريخى ضد هذا الوطن، وفى هذا التوقيت الحرج. لقد استجار المثلى والإخوانى والأرعن والحقوقى بترامب، وكأنه أسعد حالًا وأكثر ديمقراطية ممن يحكمون البلاد! وهذا أمر مضحك ويثير الغثيان.. ويكاد المرء يجن حينما يحاول فهمه أو استيعابه أو التفكير فيه، فلا يجد مبررًا. أفليس السيد ترامب ديكتاتوريًا ديماجوجيًا؟ أليس يوجينيًا؟ وميزوجينيك؟ أليس فاسدًا فاسقًا عنصريًا؟ أليس مواليًا للصهيونية وأضاع القدس وتسبب فى إزهاق أرواح مئات الفلسطينيين من شهور قليلة مضت؟ ألم يسلم الجولان منذ أيام لإسرائيل؟
رجل ورئيس بهذه المواصفات، وفى توقيت مثل هذا يتم اللجوء إليه وإلى مجلس شيوخه!! بماذا إذن يمكننا أن نفسر ونصف ذلك الحدث وتلك الكارثة؟ هل يمكن اعتبار ما حدث نضالًا شريفًا منزهًا ناصع اللون؟ هل فعلها مناضلو التاريخ من قبل؟ عندما كان النضال واضحًا وكان له ألف معنى.. وعاش هؤلاء وعايش معهم كثيرون ممن سبقونا أزمنة كانت تعرف عدوها، وكان العدو واضحًا دومًا، لأن العدو كان هو الغازى المعتدى.. العدو كان يأتى علينا دومًا من الخارج، ولم يكن النضال آنذاك وجهة نظر ولم تكن الخيانة أيضًا وجهة نظر.
هل ذهب جيفارا لمجلس الشيوخ الأمريكى؟ هل كان يمكن أن يفعلها إن كان حيًا ويعيش بيننا؟ هل فعلها كاسترو؟ هل مشى غاندى مشوارًا مثل هذا؟ لو كان هؤلاء جميعًا وغيرهم على قيد تلك الحياة.. هل كانوا سيضعون أياديهم فى أيدى هؤلاء المترجلين للكونجرس الأمريكى؟ وماذا يريد هؤلاء وماذا طلبوا من الكونجرس فى الجلسة السرية؟ ولماذا يكون الحوار وتكون المطالب سرية؟ هل التدخل الأمريكى فى الشأن الداخلى للبلاد هو النضال وهو الحل؟ هل فشل هؤلاء فى إيجاد مخرج لهم فلجأوا للخارج؟ هل هو ثأر شخصى أكثر منه شأنًا وطنيًا؟
وهل يريد هؤلاء من البلطجى الأمريكى التدخل ضد البلاد؟ ألم ير هؤلاء ماذا فعلت البلطجة الأمريكية فى العراق؟.. هل يريدون لمصر ولجيش مصر ما حدث للعراق وجيشه؟.. هل يريدون صدامًا عسكريًا وحربًا واحتلالًا للوطن، لأنهم غير راضين عن مجريات الأمور وما يحدث؟!.. هل يريدون التضييق على الوطن وتكبيله بالديون وإفقار الشعب ليثور على حاكميه؟!.. وأين هم من تلك الظروف الاقتصادية القاسية التى يعانى منها المواطن العادى ويريدون له تكبد المزيد؟! فأحدهم يعيش فى فرنسا والآخر فى إسبانيا والثالث فى بلاد رعاة البقر وهكذا دواليك.. هل يعيشون ويعانون ويتكبدون ما يتكبد المواطن العادى كل يوم فى زحام الطريق وارتياد المواصلات العامة والسعى للقمة العيش وغلاء الأسعار؟ هل المناضل يناضل من الخارج وباختياره؟ ثم يرثى لحال نفسه ويريد منا تصديقه والتعاطف معه؟!.