رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الاتحاد الـ«لابرلمانى» الدولى!


بلا مشاركة من دول الرباعى العربى الداعية لمكافحة الإرهاب (مصر، السعودية، الإمارات والبحرين)، بدأت يوم السبت أعمال الجمعية العامة، رقم ١٤٠، للاتحاد البرلمانى الدولى، التى تستضيفها العاصمة القطرية، الدوحة، تحت شعار «البرلمانات منصات لتعزيز التعليم من أجل السلام والأمن وسيادة القانون»!.
الاتحاد الـ«لابرلمانى» الدولى، حاليًا، أو الاتحاد البرلمانى الدولى، سابقًا، تم إنشاؤه سنة ١٨٨٩، ليضم برلمانات الدول ذات السيادة. وعليه، لا نعرف، أساسًا، كيف انضم إليه ما يوصف بـ«مجلس الشورى القطرى»، الذى لم يتم انتخاب أعضائه، ولا يضم غير المحسوبين على تركيبة الحكم وبعض المرتزقة الذين تحركهم أجهزة مخابرات دُول، عبر الأستاذة «موزة» أو «العائلة الضالة» التى تحكم قطر بالوكالة. هذا لو تجاهلنا أن سيادة قطر يتم اغتصابها، يوميًا، بفعل الاحتلال الأمريكى لثلثيها، وسيطرة القوات التركية والإيرانية، على الثلث الآخر.
فى يونيو ٢٠١٧، قطعت الدول الأربع علاقاتها مع قطر، بسبب دعمها للإرهاب وتمويلها للعديد من التنظيمات الإرهابية. وخلال أعمال الجمعية العامة السابقة، الـ١٣٩، التى انعقدت فى مدينة جنيف السويسرية، أعلنت الدول الأربع، فى بيان قدمته إلى الأمانة العامة عن مقاطعتها لاجتماعات الجمعية العامة المقبلة، لو انعقدت فى قطر، ما لم تتوقف الأخيرة عن دعمها للإرهاب وعن التدخل فى شئون دول المنطقة. ولأن هذه الدويلة لم تبدِ أى تجاوب مع تلك المطالب، كان طبيعيًا ومنطقيًا أن تقاطع الدول الأربع أعمال الجمعية العامة المنعقدة حاليًا. ومع المقاطعة، ظهر السؤالان البديهيان: كيف ينعقد اجتماع للاتحاد البرلمانى الدولى فى بلد ليس لديه إلا مجلس «كلام فاضى» غير منتخب؟ ألا يؤثر ذلك على مصداقية الاتحاد البرلمانى الدولى؟.
السؤالان طرحهما خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة، وزير خارجية البحرين، فى حسابه على «تويتر». وكنا قد سبقناه إلى طرحهما، مع أسئلة شبيهة، منذ أسابيع، فى مقال عنوانه «برلمان دويلة قطر ودستورها»، حين شاركت تلك الدويلة بوفد من ذلك الكيان، الذى يصفونه بـ«مجلس الشورى»، فى مؤتمر أقامه «البرلمان العربى». وأوضحنا أن هذا المجلس، الموجود على الورق، على الورق فقط، من المفترض، أن يضم ٣٠ عضوًا منتخبًا، و١٥ يقوم بتعيينهم الأمير، طبقًا لما نص عليه الدستور القطرى. غير أن ذلك لم يحدث، لم تشهد تلك الدويلة، منذ تأسيسها، وإلى الآن، أى انتخابات برلمانية، كاملة أو حتى جزئية. والإشارة هنا مهمة إلى أن تلك الدويلة لم تعرف «الدستور» إلا قريبًا، وأن مواده منحت الحاكم (الأمير) صلاحيات مطلقة، ونسفت ما زعمته المادة الأولى بأن «قطر دولة» و«نظامها ديمقراطى»!.
فى الواقع، أو على الورق، لا يوجد ما يوحى بأن «قطر دولة» أو أن «نظامها ديمقراطى». بل توجد مئات الشواهد، وعشرات المواد التى تضمنها ذلك الدستور، التى تؤكد أن واضعيه كذبوا حين زعموا، فى المادة ٥٩، زورًا وبهتانًا، أن «الشعب مصدر السلطات ويمارسها». بالضبط، كما تؤكد أن الحاكم بالوكالة السابق، كان يكذب حين زعم أن ذلك «الدستور» يجسد المشاركة الشعبية فى اتخاذ القرار. إذ إن الوجه الوحيد لـ«المشاركة الشعبية»، كان تصويت الشعب فى الانتخابات التشريعية، ليختار، حسب نص الدستور ثلثى الأعضاء تاركًا الثلث الباقى للحاكم.
ومع ذلك، لا تزال محاولات ولادة مجلس منتخب، ولو جزئيًا، متعثرة، ولا تزال القابلة (أو الداية) تحاول انتزاعه من رحم الفتى تميم، بعد فشلها فى انتزاعه من رحم أبيه. ولك أن تتخيل أنه فى أبريل ٢٠٠٦ تم الإعلان، رسميًا، عن إجراء الانتخابات التشريعية فى السنة التالية، أى سنة ٢٠٠٧، وتبريرًا لعدم إجرائها، قيل إنه تم تشكيل «لجنة استشارية» لدراسة الموضوع، وإن تلك اللجنة قررت أن يتم إجراء تلك الانتخابات فى يونيو ٢٠١٠. وأيضًا مر هذا الشهر، ويونيو الذى يليه، دون إجرائها. وفى نوفمبر ٢٠١١، أعلن الحاكم بالوكالة السابق، عن إجراء الانتخابات سنة ٢٠١٣. غير أن حلقات ذلك المسلسل الممل، استمرت وقام «الفتى تميم»، فى نوفمبر ٢٠١٧ بالتمديد للمجلس الحالى، المُعيّن، ثلاث سنوات، اعتبارًا من يوليو ٢٠١٦، حتى تنتهى الاستعدادات اللازمة لإجراء الانتخابات التشريعية سنة ٢٠١٩، حسب زعمه!.
الخلاصة هى أن تلك الدويلة لم تشهد، منذ تأسيسها وإلى الآن، أى انتخابات برلمانية أو غيرها. وبالتالى، فإن مجرد عضويتها فى الاتحاد البرلمانى الدولى، لا تعنى فقط أن الاتحاد يفتقد أى قدر من المصداقية، بل تؤكد أيضًا، ومجددًا، أنه، ككل المنظمات ومنظومات العلاقات الدولية، قائمة تحت سيطرة «البلطجية» أنفسهم الذين تمكنوا من اختطاف مؤسسات صنع القرار الدولى، وحوّلوها إلى شركات خاصة لا تخدم غير مصالحهم.