رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‎الجولان عربية.. سوريا «لا»!



أعترف بأننى بعد سنوات طويلة من المتابعة، ما زلت أشعر بأن بعض المواقف التى تتخذها القمم العربية، تعد بمثابة لغز يصعب حله أو حتى فهمه، ولعل آخر هذه المواقف ما تجلى فى قمة تونس التى أكدت فى جميع مراحلها، الرفض العربى لقرار ترامب بضم مرتفعات الجولان إلى إسرائيل، والتأكيد بشدة على عروبتها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من الأراضى السورية.
هذا الموقف يتماشى مع إحساس كل عربى غيور على عروبته، لكن الغريب أن يصدر هذا الموقف فى الوقت الذى رفضت فيه القمة إدراج عودة سوريا إلى عضوية الجامعة العربية على جدول أعمالها، وإلغاء هذه الخطيئة التى وقعت فى نوفمبر من العام ٢٠١١، حيث تم إصدار قرار- برعاية قطرية- بتجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية، رغم أنها دولة مؤسسة فى الجامعة، ومعلوم أن الجامعة ولدت فى عام ١٩٤٥ عندما كانت قطر ودول عربية أخرى فى علم الغيب، وهو موقف يبدو لى متناقضًا، ومؤسفًا ويمثل بالنسبة لى ولأى مواطن عربى بسيط ما يمكن وصفه بالمهزلة.. ‏‎أعترف كمواطن عربى- قبل أى شىء- بأننى أشعر بالعار تجاه قرارين اتخذا على المستوى العربى، الأول السماح لطائرات «الناتو» بضرب ليبيا، والثانى بتجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية، وهو قرار اتخذه وزراء الخارجية العرب، فى مطلع نوفمبر ٢٠١١، بموافقة ١٨ دولة فى حين اعترضت ثلاث دول هى: سوريا ولبنان واليمن وامتنع العراق عن التصويت.
‏‎وأكد القرار الذى تلاه رئيس الوزراء القطرى السابق، وصاحب قناة الجزيرة الكارثية حمد بن جاسم بن جبر آل ثانى فى مؤتمر صحفى عقده بعد الاجتماع «تعليق مشاركة وفد حكومة الجمهورية العربية السورية فى اجتماعات مجلس الجامعة العربية، وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتبارًا من ١٦ نوفمبر من ذلك العام، إلى حين قيامها بالتنفيذ الكامل لتعهداتها التى وافقت عليها بموجب خطة العمل العربية لحل الأزمة السورية».
‏‎وكلنا يعرف الظروف التى اتخذ فيها هذا القرار الكارثى، فى أوج موجة الربيع الأسود التى ضمن لإسرائيل أن تظل واحة للأمن والأمان وسط منطقة تنتشر فيها الحرائق والكوارث، تحت شعارات براقة عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية.
‏‎هدم سوريا كان- ولا يزال- هدفًا للصهاينة الذين يرفعون شعارات إسرائيل الكبرى «المزعومة» وهى «من النيل إلى الفرات».
‏‎وقد كان تحطيم العراق، الخطوة الأولى لتحقيق هذا الحلم الشيطانى، وجاءت محاولات تحطيم سوريا كخطوة ثانية، ليصبح تحطيم مصر، الخطوة الثالثة التى لن تتم بإذن الله، بفضل قوة شعبها وإخلاص قيادتها.
‏‎لم يعد سرًا أن قطر تعاملت مع سوريا كالطريدة، التى يسعى إليها الصياد. فهذا ما قاله وزير خارجيتها الأسبق، ولم يعد سرًا أن أزمة قطر مع سوريا لم تكن بسبب الديمقراطية التى لا تمارسها هذه الدويلة الصغيرة المارقة، ولا بسبب حقوق الشعب السورى، ولا ما سموه جرائم الأسد تجاه شعبه، فهذه أمور لا تهم حكام هذه الدويلة، بل إن الخلاف كان بخصوص رفض سوريا تمديد أنبوب نفط عبر أراضيها لنقل غاز قطر إلى أوروبا.
‏‎ومن أجل هذا السبب وحده دفعت قطر وغيرها، المليارات لتحطيم سوريا وتغيير رئيسها بآخر يمرر لهم أنبوبهم، ولهذا فقط كانت مأساة تجميد عضوية سوريا فى الجامعة العربية.
‏‎لا أعرف كيف يمكن أن نتحدث عن العروبة والعمل العربى المشترك، وسوريا التى وصفها الزعيم الراحل جمال عبدالناصر بأنها «قلب العروبة النابض» غائبة عن الجامعة العربية، وتتعرض لأسوأ سيناريوهات التقسيم، حيث أصبحت وليمة على مائدة اللئام الذين يجتمعون فى عواصم عدة لتقرير مصيرها، دون أخذ رأى شعبها.
‏‎هل إدانة قرار ترامب حول الجولان، أقصى ما تستطيع القمة العربية أن تقدمه إلى سوريا، لماذا لا تهتم الجامعة والقمم العربية بمواجهة عملية التقسيم لهذا البلد الشقيق التى تتم جهارًا نهارًا؟.
‏‎سؤال آخر قد يواجهك به مواطن عربى بسيط، وهو: هل حقًا أن وزراء الدول العربية رفضوا إدراج موضوع عودة سوريا على جدول أعمال القمة، أم أنهم من الناحية الواقعية لا يستطيعون أن يقدموا على تلك الخطوة دون الحصول على ضوء أخضر من عواصم كبرى، تعتبر نفسها المسئول الأول والأخير عن شئون سوريا؟!.
‏‎أيها السادة نشكركم شكرًا جزيلًا على التأكيد على عروبة الجولان، لكن متى ستعترفون بعروبة سوريا؟ أحيطكم علمًا بأنه سواء اعترفتم أم لم تعترفوا، فإنها ستبقى قلب العروبة النابض شاء من شاء وأبى من أبى.