رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

مصر.. الحضارة.. الوطن.. وكذبة أبريل


اليوم الإثنين ١ أبريل ٢٠١٩. يُقال إنه يوم الشائعات والأكاذيب، المختصرة كلها، فى «كذبة أبريل»، لست من المهتمات بالشائعات والأقاويل، والتخيلات الجامحة، والأكاذيب، سواء كانت كذبة أبريل، أو كذبة يناير، أو كذبة أكتوبر، أو كذبة أغسطس، أو كذبة رمضان، أو ذى الحجة، أو محرم، أو ربيع الأول.
أهتم فقط، وشغوفة جدًا، بالتساؤلات التى تقودنى إلى الحقيقة، وليس إلى الأكاذيب. من التساؤلات التى تعشق القرب مِنى، كما أوفى الأصدقاء، وأكثرهم حميمية، هو هل الوطن الجميل الذى تناجيه روحى، ومن أجله، يمكن أن أبذل حياتى دون ندم، أو تردد، «حقيقة»، أم سيكون مكانه، ودائع الأكاذيب، وأشهرها كذبة أول أبريل، تخدعنى كل عام، وتحرمنى متعة الغناء مع عبدالوهاب: «حب الوطن فرض عليا أفديه بروحى وعنيا»؟.
ما هو هذا الوطن، الذى يتحدى «كذبة أبريل»؟. أهو الوطن الرحب ذو الأذن الموسيقية الراقية، الذى لا يجد تناقضًا، بين الاستماع إلى موسيقى «القصبجى»، وموسيقى «موتسارت»؟. يتذوق «أسمهان»، و«فايزة» مثلما يتذوق «إديث بياف»، و«شيرلى باسى»؟. يصفق لصوت «فريد»، كما يفعل مع صوت «فرانك سيناترا»؟.
أهو الوطن المؤمن بضرورة تقليص الفوارق الطبقية بين الناس؟. أيكون هو الوطن الذى يصنع أرغفة الثقافة، والفن، والأدب، والسينما، والمسرح، والغناء، والصحافة، بوفرة وجودة رغيف الخبز؟. أو ربما يكون، هو الوطن الذى ينسف دون رجعة، ضوضاء مكبرات الصوت، الشرسة، المتنمرة، المنتهكة للخصوصية والهدوء، وحُرمة المسكن، المتسببة فى التلوث السمعى، والحضارى.. الجاهلة بشىء بديهى اسمه «الحساسية للآخرين»؟.
ما هو الوطن المتحدى «كذبة أبريل»؟. أيمكن أن يكون الوطن اليقظ، الذى يقطع الطريق، على وسطاء وأوصياء، يفسدون العلاقة بيننا، وبين الله، وبين كل شىء يشعرنا بالجمال الكامن فينا، والقوة الملقحة ذاتيًا، فى نفوسنا؟.
أهو الوطن الذى يتكلم عن الحرية، بالوقار، والهيبة، والانبهار، الذى يتكلم به عن لاعبى الكرة، ونجمات السينما، وملكات جمال الحجاب؟. أم تراه الوطن، الذى يكفل خدمة طبية فاخرة، لمنْ لا يملك إلا اعتلال جسمه، وقوت يومه؟. الوطن الذى يحترم حرية الاعتقاد، وحرية الإبداع، وحرية التعبير، وحرية الصمت، وحرية العنوسة، والعزوبية، وعدم إنجاب الأطفال «أحباب الله»؟.
هل الوطن الحقيقة، وليس الأكذوبة، وطن آمن من الإرهاب الدينى، والإرهاب الثقافى، والإرهاب الفكرى؟. هل هو وطن، لا يعرف التجريح الشخصى، والشتائم، والبذاءات، والمزايدات الفجة، باسم الوطنية والفضيلة، والسلف الصالح؟.
أم لأنه يأكل من عرق جبينه، وينتج من دوران ماكيناته المكتوب عليها بعزة وفخر: «صُنع فى مصر».. وطن يجرم قمع النساء، وشرب الأطفال من ترع البلهارسيا؟. وتنتشر فيه مقاهى البكاء والحزن، قدر انتشار مقاهى المرح، ولعب الشطرنج، وأمسيات المرح؟.
هل يمكن لوطن أن تنتصر فيه، «كذبة أبريل»، وهو ينتصر لوسائل نقل عام، تحترم إنسانية الناس، بسلام، وأمان، تنقلهم من مكان لآخر، دون حوادث، دون أن تنقل لهم أمراض تسرب العادم؟. وطن، توجد فيه العدالة، داخل قلوب البشر، قبل أن توجد فى كتب القانون، وعند منصات القضاء، لا يستخدم مستحضرات التجميل، لأنه هبة «الجمال الربانى»، أكيد هو وطن، تهرب منه «كذبة أبريل».
وطن، لا ترتع فيه «كذبة أبريل»، وطن يصادق حماقاتى، يحتمل غضبى، وانتقاداتى، تسعده شكوكى. وفى آخر كل شهر، يعطينى مرتبًا سخيًا، على مشاكساتى، وتمردى. لسبب بسيط، أنه وطن كبير، واثق فى نفسه، وفى حضارته الثابتة فى عمق الأرض. وهو يعلم من التاريخ، أن الأوطان تزدهر بالتمرد والتساؤل، وأن الوطنية المخلصة تبدأ وتنتهى، بالاحتجاج. بل إنه يعتبر الصوت المتمرد، من ضرورات الصحة الوطنية، والعافية الحضارية، وضرورة لا غنى عنها للانتصار والتألق.
الآن لنفكر معًا، هل وطن بمثل هذه النعم، والخيرات، والحكمة، ونبل الخبرات، تهزمه «شائعة مغرضة»، أو تنال منه « أكاذيب حاقدة»، حتى لو كانت «كذبة أبريل»؟. يا ليتنا جميعًا نتيقن أن «مصر»، لو أرادت حقًا، دحض الشائعات، والأكاذيب، والتلفيقات، فهى مؤهلة تمامًا لذلك. كل المؤشرات تدل على أن هذا الوطن، بداخله بذور النماء، وتشكيل أجمل الحدائق، رغم أن الكثيرين يريدونها خرابًا، أو سرابًا، مثل «كذبة أبريل». فهل نعطيهم الفرصة، والفرحة، والحكم؟. بالطبع لا.
مصر باقية، بحلو ومرها، مزروعة فى بطن الحضارة. وهم بأموالهم وأحقادهم، وشرورهم، إلى زوال. هم مثل «كذبة أبريل»، لم تعد تنفع، لم تعد تخدع.
من بستان قصائدى
أسرار كثيرة «للعبودية».. تستعصى على الفهم
أما هى سر واحد لها.. مفضوح على الملأ
وهو أن نتنفسها.. نغنيها نكتبها نرقصها
إنها «الحرية».