رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

نحن شعبٌ.. لا يُعجبنا العجب!


أربعة ملايين شخص، دخلوا على الشبكة الرئيسية لامتحانات الصف الأول الثانوي، قبيل بدء موعد امتحان اللغة العربية، في اليوم الأول للامتحانات التجريبية لنظام التابلت، التي أعلنتها وزارة التربية والتعليم، وبدأت صباح الأحد الماضي.. سقطت الشبكة، وفشل الجميع في تحميل أسئلة المادة، من منصة الامتحانات الإليكترونية التي أنشاتها الوزارة لهذا السبب.. وبعدما عجز الطلاب، على مدى أربعة ساعات كاملة، الدخول إلى (النظام) لأداء امتحاناتهم، صرفتهم إدارات المدارس، وطلبت منهم محاولة الدخول إلى حيث الأسئلة، من منازلهم.. وهنا، سيطرت حالة من الغضب على الطلاب وأولياء أمورهم، وبدأ (السلخ) يقع على رأس الوزارة ومسئوليها، وانتهز الشامتون الفرصة، للنيل من التجربة التعليمية الجديدة، والتشكيك في قدرة الدولة على تطوير المنظومة التي شهدت ترهلًا على مدى السنوات الأربعين الماضية، وانحدر، بموجبها، مستوى التعليم في مصر، وسجلت الدولة المصرية معدلًا متدنيًا على سلم التقييم الدولي للتعليم، في العالم.. فهل ما حدث جاء مصادفة؟، أو أنه نتيجة لتقصير في جهود الوزارة نحو الارتقاء بالتعليم في مصر، ومحاولة إنجاح التجربة الوليدة؟.. لا تتعجلوا الإجابة.

ولننظر أولًا إلى الأرقام.. يبلغ عدد الطلاب المسجلون على المنصة الإليكترونية للامتحانات، في النظام التراكمي للصف الأول الثانوي، ستمائة وخمسين ألف شخص.. عدد الذين دخلوا إلى المنصة، قبل بدء الامتحان، عند التاسعة صباحًا، بلغ ثلاثة ملايين شخص، وصلوا عند الواحدة ظهرًا إلى أكثر من أربعة ملايين!.. فهل هذه مصادفة، أم أنه أمر غير طبيعي، يستحق التوقف عنده، والسؤال عن مصدر هذا الرقم الهائل، للأشخاص الذين ولجوا إلى الشبكة، وفي وقت واحد، حتى أسقطوها.. وهو سقوط حتمي، لمنظومة تم تصميمها للعمل، في ذات الوقت، على سعة محددة، فإذا بها تستقبل ثمانية أضعاف ما تم تهيأتها من أجله، والسماح بقدرة تحميل تصل إلى أربعة إضعاف فقط.. ألا يدفعنا ذلك للتساؤل عن ماهية هؤلاء الذين دخلوا إلى الشبكة، فوق العدد المتوقع دخوله، وخاصة الذين تسللوا إليها من خارج مصر؟!.. اسألوا عن أصحاب المصالح، الذين تتعارض منظومة التعليم الجديد مع مكتسباتهم، واسألوا عن كل من لا يريد لهذا البلد أن يرفع راسه في الهواء، بل اسألوا عمن يكيد لها.. هذا قول واحد.

لا أُبرئ أحدًا من المسئولية، ولا أُدافع عن شخص أو مجموعة.. ولكن تهمني التجربة الجديدة للـ (التابلت)، وأجدني مشفقًا على أنفسنا من جلد الذات الدائم، وتعجلنا في قطف الثمار، دون انتظار الوقت اللازم للإنبات والإنضاج ومن ثم الحصاد دون سلبيات.. وقد أعلنها وزير التربية والتعليم من قبل، أن الامتحانات تجريبية، لتدريب الطلاب على نظام الأسئلة الجديدة كيفية التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، وأيضًا اكتشاف إيجابيات المنظومة وسلبياتها، وإدخال التعديلات اللازمة عليها، حتى نصل إلى ما نرجوه.. ربما تلمست للبعض العذر، في محاولتهم جلد الذات، يدفعهم في ذلك، عطشهم المزمن للنجاح الذي حُرموا منه طويلًا، واستعجالنا جميعًا الرغبة في الارتواء المفاجئ، تمامًا، مثل الأرض التي تشققت من دوام جفافها، وما أن تطالها المياه، حتى تغيب في بطنها خلال لحظات، ونحن لم نر بعد أي نبتة قد أطلت برأسها فوق الأرض، مع أنه بالصبر، ودوام السقي، سينبت الزهر، ويُلفي بظلاله عند أبواب الخريف الطويل الذي عشناه.. فما بالنا، ونحن نرى من يترصد كل محاولة منا للإصلاح، يعترضها فيُعوقها، يهيل عليها التراب، ويُطرق الأجراس، تشويهًا للإنجاز، ومحاولة صرف الانتباه عن بوادره، التي ستؤدي إلى استوائه على عوده.

وتحت وطأة سرعة تحقيق الأهداف، بدأت وزارة التربية والتعليم، كشأن جهات أخرى، خطواتها في تطبيق تجربة التطوير، دون استكمالها التام لمتطلبات التجربة الوليدة.. فلا هي زودت كل المدارس بخدمات الإنترنت، ولا هي استكملت بنيتها التكتولوجية الكاملة، ولا هي أدخلت نفسها في إجراءات تجريبية للمنظومة قبل إطلاقها، وأعتقدت أن هناك من الناس من سيُقدر أن ما يتم على الأرض، هو محض إجراءات تجريبية، قد تكشف عن مناطق العيوب لتلاقيها، والعمل على إصلاح ما قد يعتريها، وهو الأمر الطبيعي.. يتزامن مع ذلك، ضرورة التهيئة المهارية لطواقم العمل داخل المدارس، من معلمين وإداريين، واستكمال العدد اللازم من فنيي التكنولوجيا، لمجابهة أية مشكلة طارئة، تعترض سبيل (التجربة الوليدة).. وأعود فأكرر، أن التجربة الماليزية، النموذج في هذا الصدد، استغرقت إثنتا عشرة عامًا من الإصلاح التعليمي، حتى أتت التجربة أُكلها، ونعمت الدولة الماليزية بمنظومة تعليمية رائدة، في العالم.. فهل نحن بدعٌ من الأمر؟!.

يا سادة.. ليس هناك من قام من كبوته منتصب القامة دفعة واحدة.. نقوم فنتعثر، نسقط على الأرض ونعاود النهوض، لا تساعدنا عضلاتنا من أول محاولة، فهذه العضلات قد فقدت قوتها وتيبست مرونتها، بطول التعطل عن العمل، والطبيعي، وحالنا هكذا، أن نمد أيدينا إلى من يحاول النهوض ويُجاهد ضعف ساقيه، أن نشجعه ونثمن محاولاته، بدلًا من تثبيط همته والنيل من عزيمته.. ما يحدث من إصلاح في منظومة التعليم في مصر، يحتاج المساندة والتشجيع، والشد من أزر من يقومون عليه، فهم في مهمة ثقيلة، ليس لها إلا من كان وطنيًا خالصًا، مُحبًا لهذا البلد، راغبًا في الأخذ بيديه إلى منصة الإنطلاق والتحليق.. لكن ما أراه من ردود أفعال البعض على عدد من سلبيات مرحلة التجريب في التعليم، رغم منطقية حدوثها، يجعل الحليم حيرانًا.. وبدلًا من أن يواصل عطاءه، نُشغله نحن في ضرورة تبريره لما يحدث، معتذرًا، ومقدمًا التفسير.

ما أشبه الليلة بالبارحة.. قالوا إن أموال الدعم منهوبة، وهناك من يحصل على بطاقات تموينية على غير استحقاق لها، فقامت الحكومة بتنقيتها، للحفاظ على أموال المستحقين لها.. رجعوا قالوا (حرام، الناس غلابة، وشالوا عنها الدعم)، دون أن يفكر أحدًا أن من كان داخل الدائرة غير الناظر إليه من خارجها.. وهكذا يفعلون، في محاول الدولة إصلاح التعليم.. الناس اهتمت بشكل الامتحان، بالرغم من أن الوزير قال بأن الهدف هو قياس مستوى المحتوى، ومدى القدرة على تنمية المعرفة لدى الطلاب.. لكن مأساتنا تكمن في قصور وعي المواطن.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.