رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ذهبَت مع بريكست!



بين البرلمان، الذى يرفض إقرار خطتها بشأن الخروج من الاتحاد الأوروبى، و«بروكسل» التى تتمسك باتفاق تم التفاوض عليه، تقف تيريزا ماى، رئيسة الوزراء البريطانية، حائرة، تائهة، وعاجزة عن فعل أى شىء، بينما تصاعدت التكهنات بإمكانية الإطاحة بها.
ثلاث سنوات، تقريبًا، مرت على استفتاء ٢٠١٦ الذى وافقت أغلبية المشاركين فيه على الخروج من الاتحاد الأوروبى. ومع ذلك، لا تزال الساحة السياسية البريطانية تشهد صراعات حادة، وحالة من الفوضى والتخبط، بشأن موعد الخروج وكيفية حدوثه، أو ما إذا كان سيحدث، أصلًا، أم لا، بعد أن رفض مجلس العموم البريطانى (البرلمان) الخطة التى تقدمت بها «ماى»، مرتين: الأولى فى ١٥ يناير والثانية فى ١٢ مارس. وبعد خروج نحو مليون مواطن، فى مسيرة جابت شوارع العاصمة، لندن، للمطالبة بإجراء استفتاء آخر!.
أسباب حالة الفوضى السياسية، التى سيطرت على بريطانيا، والآخذة فى التزايد، منذ بدء العد التنازلى على موعد الانسحاب، لخصها غلاف مجلة «نيو ستاتسمان»، New Statesman، فى عنوان من ٣ كلمات، ستكون اثنتين فقط، فى الترجمة العربية: She›s lost control أو «فقدت السيطرة». وإلى جوار هذا العنوان، احتلت الغلاف صورة كاريكاتيرية لـ«تيريزا ماى»، رئيس وزراء بريطانيا، على شكل «روبوت» أو إنسان آلى، يمسك بعجلة قيادة، ومطروح أرضًا، بعد أن تفككت أوصاله، وتهلهلت ملابسه، وطال أنفه المدبب، ليصبح نسخة من «بينوكيو»، ذلك التمثال الخشبى الذى كان أنفه ينمو بالكذب ويطول بقوة الكلمة الكاذبة.
لا جديد فى كون الأكاذيب حبلها قصير وأنفها طويل. وما شدنا فى الغلاف ليس الكاريكاتير، وإنما العنوان، الذى أشار إلى أن كاتب المقال هو «جون جراى»، John Gray، وهو، طبعًا، ليس ذلك الطبيب النفسى الأمريكى، الذى يحمل الاسم نفسه، مؤلف كتاب «الرجال من المريخ، النساء من الزهرة» الذى يراه كثيرون مرشدهم إلى فهم الجنس الآخر، بينما نراه سببًا فى مشاكل لا أول لها ولا آخر. أما جون جراى المقصود، أو كاتب المقال، فهو أستاذ اقتصاد بريطانى بجامعة أكسفورد، صاحب كتاب «الفجر الكاذب: أوهام الرأسمالية العالمية» الذى يتوقع فيه مستقبلًا حالك السواد لـ«السوق الحرة على النمط الأنجلو أمريكى». والأهم، هو أن المذكور ينتظر منذ ١٩٩٨، سنة صدور الكتاب، لحظة انكسار وانتهاء الهيمنة الأمريكية.
فى المقال، الذى تصدّر عنوانه غلاف المجلة البريطانية، أوضح «جراى» أن حالة التشتت والضياع التى تعيشها بريطانيا يتحمل مسئوليتها «معسكر البقاء» داخل الاتحاد الأوروبى، وداعمو «بريكست دون اتفاق». مؤكدًا أن تلك الحالة نتيجة طبيعية لفشل الأحزاب التقليدية فى فهم وترجمة آمال البريطانيين إلى سياسات عقب استفتاء يونيو ٢٠١٦. ويستبعد احتمال موافقة مجلس العموم على استفتاء ثانٍ بشأن الانسحاب من الاتحاد الأوروبى، وهو الاقتراح الذى وافق عليه جيرمى كوربين، زعيم حزب العمال، بشكل مبدئى. واستشهد «جراى» بتصريح نائبة كبير المفاوضين الأوروبيين التى قالت فى ١١ فبراير الماضى، إن «فرص إلغاء بريكست أصبحت معدومة. والخيار الوحيد المتاح هو خروج منظّم».
معسكر «الخروج دون اتفاق»، كما ذكر «جراى»، تجاهل التحديات الاقتصادية والأمنية التى قد تواجه بريطانيا، خصوصًا بشأن حدودها مع أيرلندا. أما داعمو البقاء فى الاتحاد، حسب المقال، فتجاهلوا فشل التجربة السياسية الأوروبية، وسيطرة الأحزاب الشعبوية واليمينية المتطرفة على مواقع تنفيذية أو تشريعية فى ألمانيا والنمسا والسويد والمجر وبولندا وإسبانيا والتشيك. وإجمالًا، أكد «جراى»، أن كثيرًا مما تشهده أوروبا يثبت أن أزماتها تزداد سوءًا. أما عن الزاعمين بأن بقاء بريطانيا داخل الاتحاد قد يؤدى إلى «إنقاذه»، فرد عليهم «جراى» بأن التكتل الأوروبى لم يقم بأى إصلاحات جوهرية طوال السنوات العشر الماضية.
مع كل الاحتمالات المطروحة، تظل الحقيقة شبه المؤكدة هى أن حالة الفوضى التى تعيشها بريطانيا، ستزيد حدتها، خلال هذا الأسبوع، مع سلسلة تصويتات مجلس العموم البريطانى، غير الملزمة، على خيارات بديلة للانسحاب. ومع وجود تسريبات تؤكد أن أيام «ماى» صارت معدودة، بينها ما نقلته جريدة «صنداى تايمز»، الأحد، عن أن ١١ وزيرًا فى الحكومة أعربوا عن رغبتهم فى استبعاد «ماى»، واقترحوا أن يكون نائبها، ديفيد ليدينجتون، رئيسًا مؤقتًا للوزراء، على أن يتم تكليفه برسم مسار جديد لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى.
وأخيرًا، من المفترض أن يكون مجلس العموم قد ناقش، الإثنين، أى بعد كتابة هذه السطور، الخطوات المقبلة للحكومة والموعد المؤجل للخروج: إذا وافق البرلمان على اتفاق «ماى» سيكون موعد الخروج ٢٢ مايو المقبل. وإذا فشلت «ماى» فى تمرير الاتفاق سيكون أمام بريطانيا حتى ١٢ أبريل لتقديم خطة جديدة، أو الخروج دون اتفاق.