رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تكون صاحب عقلية فارقة؟ «1-2»


لا يمكن أن يحدث تجديد فى نظرتنا لدور الدين فى الحياة إلا إذا امتلك شبابنا العقلية الفارقة، التى تعرف كيف تفرق بين الأشياء المتداخلة حتى لو كان بينها خيط رفيع، وحتى لا نفهم الدين بشكل خاطئ، ويحدث التطرف والتشدد.
قديمًا، لم تكن لدى العقل المسلم إشكالية خلط الأشياء، لأنه كان يوجد علماء كبار، أمثال الشافعى والغزالى، ممن كانوا يتميزون بـ«العقلية الفارقة»، التى تعلم الناس الفرق بين الأشياء، فلا يظهر التطرف، ولا ينتشر بينهم العنف أو التخلف.
ولكى نحمى الشباب من التطرف والتشدد والعنف، فإننا بحاجة إلى عقلية فارقة تفرق بين الفن الجميل وبين القبيح، وتدرك أن الفن ليس كله حرامًا، تستطيع أن تفرق بين الثوابت والمتغيرات، وبين الجمال والإفساد، تدرك الفرق بين القرآن وتفسير القرآن، وأن القدسية للنص وليس للتفسير، الذى يمكن رده، لكن النص لا يرد.
وإذا جاز لنا استحضار نموذج للعقلية الفارقة، فإن عمر بن الخطاب هو أبرز من يطلق عليه هذا الوصف، وهو الذى سماه النبى، صلى الله عليه وسلم، الفاروق (يفرق بك الله بين الحق والباطل)، فهو يمتلك عقلية فارقة.
هناك ٣ قضايا دينية أساسية وضرورية لا بد أن تكون لدينا عقلية فارقة تجاهها، حتى لا يحدث تطرف وتشدد وجمود وتخلف.
١- عقلية فارقة بين الدين والتدين
فهما ليس شيئًا واحدًا، بل هناك فرق كبير بينهما، الدين علم، ليس كل الناس أهلًا لأن يطلق عليهم وصف عالم، لكن يوجد متخصصون هم الذين قال الله تعالى عنهم: «فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ».
أما التدين عمل، كلنا مطالبون به، لكن لو ظن كل متدين أنه عالم فى الدين هنا تكون الكارثة. فلو ظن كل متدين أنه يجب أن تكون له منزلة ووضع معين سياسى أو منصب أو مكانه لمجرد أنه متدين، فذلك بلا شك كارثة.
عن أبى ذر قال، قلت: يا رسول الله ألا تستعملنى، قال فضرب بيده على منكبى ثم قال: «يا أبا ذر إنك ضعيف وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزى وندامة إلا من أخذها بحقها وأدى الذى عليه فيها»، رغم إنه من أعلى صحابة النبى تدينًا.
لذلك كان العز بن عبدالسلام يرى أن العلماء لا يلبسون زيًا خاصًا مثل باقى عباد الله، وكان يحج فرأى رجلًا يؤدى النسك بصورة غير صحيحة، فلما وجهه قال له: وماذا تعرف أنت لتتكلم، فذهب وارتدى زى العلماء، وأعاد عليه الكلام، فرد الرجل: حاضر يا سيدى. فالزى للعلم وليس لمنزلة دينية أعلى.
العقلية الفارقة هى التى جعلت ابنة شعيب تقول لأبيها بعدما سقى لهما موسى عليه السلام: «يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين»، هى ما جعلت يوسف يطرح نفسه ليكون «عزيز مصر»: «اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم»، لأنه مؤهل لذلك، وليس لكونه متدينًا فقط، لكن لديه خبرة وكفاءة.
ومن الخطر أن يتصور كل متدين أنه عالم فى الدين، فلو ظن عالم الدين أنه لكونه عالمًا صار أقرب إلى الله من عموم المتدينين فتلك مصيبة أيضًا.
الخلط بين الدين والتدين أفسد علينا معايير الاختيار والتقييم، وهو ما يجعل من الضرورى أن تكون هناك العقلية الفارقة بين الدين والتدين.
٢- عقلية فارقة بين القضايا الكبيرة والمسائل الصغيرة
الإسلام ليس درجة واحدة، والإيمان ليس درجة واحدة، لكن هناك أحجام وأوزان، النبى، صلى الله عليه وسلم، يقول: «الإيمان بضع وستون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق».
فيجب الالتزام بالأولويات، والحفاظ على ترتيبها من حيث درجة الأهمية، والنبى يقول: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وهو ما يعنى أن قضية الإسلام الأخلاق، فمن الذى غيّر ترتيب الأولويات؟
العمل وردت الإشارة إليه فى القرآن ١٨٠ مرة، وكل آيات وصف الكون فى القرآن هى آيات الجمال «الله جميل يحب الجمال»، فلماذا نحول الجمال والعمل والأخلاق إلى مسألة غير مهمة، ونحول الشكل إلى قضية أكثر أهمية.
لا بد أن نراعى الأوزان النسبية لقضايا الدين، هناك أركان الإسلام، فرائض، سنن، نوافل، حتى الذنوب فيها كبائر وصغائر.