رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تنفيذ 56 مليون حكم!



هذا الرقم الضخم، لا يشمل كل دول المنطقة، بل يخص مصر فقط. وتعزيزًا لدهشتك أو «خضّتك»، نوضح أن الرقم يزيد على الـ٥٦ مليونًا بـ٤٠٠ ألف، وأن كل هذه الأحكام القضائية تم تنفيذها، خلال أربع سنوات ونصف. والعهدة على كتاب «مصر.. مسيرة الإنجازات» الصادر عن «مجلس الوزراء» بهدف توثيق «المشروعات القومية الكبرى»!.
قيل إن إصدار هذا الكتاب، المقرر ترجمته إلى اللغة الإنجليزية، يأتى انطلاقًا من حرص الحكومة على إبراز ما تحقق، وعرض ما هو مُستهدف، فى مختلف المشروعات الخدمية والتنموية، بمُؤشراتٍ واضحة، يُمكن متابعتها من السُلطة التشريعية والرقابية والرأى العام، شُركاء البناء والتنمية، إيمانًا بأن المُتابعة سبيلُ النجاح. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط عن الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء، أن الكتاب يرصد ما تحقق من إنجاز خلال الفترة من نهاية يونيو ٢٠١٤ وحتى نهاية ديسمبر ٢٠١٨، وإيضاح المُستهدف تحقيقه حتى نهاية يونيو ٢٠٢٠، مضيفًا أن مسئولية استكمال خطة البناء والتنمية، هى واجب وطنى تتسلمهُ يدٌ بعد يد، وحكومةٌ وراء حكومة.... إلخ.
وكالة الأنباء الرسمية، نقلت أيضًا، عن رئيس الوزراء، أن كافة المؤشرات التى تم رصدها فى مختلف القطاعات، تسعى إلى أن تكون على قدر تطلعات المواطن المصرى، وثقته فى قيادته السياسية الحكيمة، وآماله نحو المستقبل. وكان أبرز ما قاله «مدبولى» هو أن الدولة رصدت استثمارات ضخمة قيمتها ٤ تريليونات جنيه، لتنفيذ المشروعات القومية الكبرى فى مختلف القطاعات خلال ست سنوات، بدأت فى يوليو ٢٠١٤ وتنتهى فى ٣٠ يونيو ٢٠٢٠، وأن أكثر من ٢ تريليون جنيه، تمّ إنفاقها حتى ديسمبر ٢٠١٨، فى ٩٠٣٩ مشروعًا، بنسبة تنفيذ تجاوزت ٥٤٪ من الخطة المستهدفة.
الكلام، إلى هنا، جميل ومعقول، لكنه لن يستمر كذلك، وأنت تتصفح الكتاب، الذى ستجد فيه أن ما يساوى قرشًا، اختلط بما يساوى مليار جنيه. والمثال الأبرز على ذلك هو أن المعلومة التى وضعناها فى العنوان، وردت فى سياق الحديث عن جهود وزارة الداخلية فى رصد التنظيمات الإرهابية وتكثيف الضربات الاستباقية، والقضاء على ١٥١٦ بؤرة إرهابية، من خلال استكمال منظومة المراقبة الأمنية وتفعيل منظومة البلاغات الإلكترونية بإدارات شرطة النجدة. وفى السياق نفسه، ذكر الكتاب، أن الداخلية تصدت لـ١٧٢٥ قضية هجرة غير شرعية، ونحو مليون قضية تموين، و١٠ ملايين قضية سرقة تيار كهربائى، إضافة إلى مساهمتها فى محاربة جشع التجار من خلال نشر منافذ «أمان» لتوزيع السلع الغذائية.
باستثناء مكافحة الإرهاب، قد يرى البعض، بين ما سبق، مشروعات قومية كبرى، وقد لا يرى آخرون أى مشروعات قومية، كبرى أو صُغرى، تستحق أن توضع بين ما قال رئيس الوزراء إنه «تم إنجازه، بفضل إرادة الله، وإصرار القيادة السياسية، وسواعد عمال الوطن ورجاله، وعزيمة أبناء مصر المخلصين». غير أن الطرفين سيتفقان على لا منطقية ولا معقولية أن تكون هناك أحكام قضائية، صدرت وتم تنفيذها ضد كل المصريين تقريبًا، رجالًا ونساءً، فوق ١٨ سنة. وستتضح الصورة أو المفارقة لو عرفت أن عدد من أدلوا بأصواتهم، فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة، كان أقل من ٢٥ مليون ناخب، من إجمالى ٥٩ مليونًا، هو عدد كل من يحق لهم التصويت!.
حل اللغز، يكمن فى أن ٩٠٪ من تلك الأحكام، تكون غيابية، فى قضايا بسيطة (أو عبيطة)، وأن الداخلية تصر على تنفيذها، واحتجاز من صدرت ضدهم، إلى أن يقوموا بالطعن عليها. مع أن محكمة النقض، فى حكمها الصادر بجلسة ٩ ديسمبر ٢٠١٢ فى الطعن رقم ١٤٢٠٣ لسنة ٧٤ قضائية، أكدت أن عدم جواز تنفيذ الحكم الغيابى هو الأصل وأن الاستثناء هو ما جاء فى المادة ٤٦٨ من قانون الإجراءات الجنائية التى نصت على أن «للمحكمة عند الحكم غيابيًا بالحبس مدة شهر فأكثر إذا لم يكن للمتهم محل إقامة معين بمصر أو إذا كان صادرًا ضده أمر بالحبس الاحتياطى أن تأمر بناءً على طلب النيابة العامة بالقبض عليه وحبسه».
على أى حال، فإن الرقم الضخم، لا يجوز وضعه فى أى سياق مع «المشروعات القومية الكبرى»، بل إنه قد نكتشف كوارث، لو تم إجراء تحقيق أو تدقيق، نتمنى أن تقوم به لجنة يشكلها مجلس النواب، السُلطة التشريعية والرقابية، للوقوف على حقيقة الرقم، وغيره من الأرقام، ومقارنة عدد ما تم تنفيذه من الأحكام النهائية، واجبة النفاذ، بعدد الأحكام الغيابية، غير واجبة النفاذ، التى يتم التركيز عليها، ويجرى تنفيذها بأساليب تتنافى مع صُلب القانون وروحه، وتنتهك حكمًا أصدرته أرفع هيئة قضائية فى مصر.