رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

انتصار أصحاب المعاشات.. ضد منْ؟!



العناوين الرئيسية لكل الصحف، الصادرة صباح الجمعة، حكومية، حزبية، وخاصة، اتفقت على أن «الرئيس انتصر لأصحاب المعاشات». ما أوحى بأن هناك معركة بين طرفين، انتصر الرئيس لأحدهما وألحق الهزيمة بالآخر. وانطلاقًا من هذا الإيحاء، اعتقد كثيرون أن الحكومة، وزارة التضامن تحديدًا، هى الطرف الآخر، أو المهزوم!.
ما حدث صباح الخميس، هو أن الرئيس عبدالفتاح السيسى أمر الحكومة، خلال اجتماعه برئيس مجلس الوزراء، ووزراء التضامن، التخطيط، المالية، ورئيس المخابرات العامة، بسحب الاستشكال على الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا، بجلسة ٢١ فبراير الماضى، بشأن العلاوات الخاصة لأصحاب المعاشات. ووجّه بعرض الأمر على الجمعية العمومية بمجلس الدولة، لاستطلاع الرأى فى بيان التسوية وفقًا لمنطوق الحكم المشار إليه. كما قام الرئيس بتوجيه وزارة المالية لعمل تسوية يتم بموجبها رد إجمالى مديونية صناديق المعاشات لدى الوزارة وبنك الاستثمار القومى، اعتبارًا من موازنة العام المالى الجديد ٢٠١٩٢٠٢٠، من خلال إعداد تشريع خاص ينظم إجراءات تلك التسوية. ومن البيان، الصادر عن الرئاسة، عرفنا أن إصلاح منظومة الأجور، سيبدأ تطبيقه فى ١ يوليو المقبل، بعد أن وجه الرئيس اللجنة المشكلة لهذا الغرض، بأن تنتهى من أعمالها وتتخذ كل الإجراءات اللازمة، خلال شهر من الآن.
مع تطابق عناوين الصفحات الأولى لصحف الجمعة، كان هناك شبه إجماع على وصف تلك القرارات أو التوجيهات، بأنها دليل على انحياز الرئيس لمصلحة المواطن، وتأكيد على سعيه إلى تحسين دخله ورفع مستوى معيشته. وكأن ما فعله الرئيس هو الاستثناء، بينما العادى هو ألا ينحاز الرئيس، أى رئيس وأى مسئول عمومًا، لمصلحة المواطن. وعليه، واستمرارًا لهذا العبث، ظن البعض أن وزيرة التضامن انحازت ضد المواطن بتقديمها للاستشكال، الذى أمر الرئيس بسحبه، وطالبوا بمحاسبتها لأنها حاولت تعطيل تنفيذ أحكام القضاء.
النظام الاقتصادى، بحسب المادة ٢٧ من الدستور، يهدف إلى تحقيق الرخاء فى البلاد من خلال التنمية المستدامة والعدالة الاجتماعية، بما يكفل رفع معدل النمو الحقيقى للاقتصاد القومى، ورفع مستوى المعيشة، و.. و.. ويلتزم النظام الاقتصادى، اجتماعيًا، بضمان تكافؤ الفرص والتوزيع العادل لعوائد التنمية وتقليل الفوارق بين الدخول والالتزام بحد أدنى للأجور والمعاشات يضمن الحياة الكريمة. ومع ذلك، اضطر عمنا «المناضل العجوز»، البدرى فرغلى، حتى ينتزع حقًا كفله الدستور، إلى استصدار حكم قضائى بات ونهائى، من المحكمة الإدارية العليا. واضطرت الحكومة، تحايلًا على عدم قدرتها على التنفيذ، إلى الاستشكال على الحكم، أمام محكمة، غير مختصة، لكسب مزيد من الوقت.
مع أن الفرق كبير بين عدم القدرة وعدم الرغبة، إلا أن عدم تنفيذ الحكم، فى الحالتين، يعنى مخالفة المادة ١٢٣ من قانون العقوبات التى تعاقب «بالحبس أو العزل». والإشارة هنا قد تكون ضرورية إلى أن زيادة الحد الأدنى للمعاشات التأمينية إلى ٥٠٠ جنيه، التى حدثت فى يوليو ٢٠١٦، واستفاد منها ٢.٦٢٤ مليون مصرى، كلفت الخزانة العامة للدولة ١٥ مليار جنيه. ونشير هناك إلى الرئيس، حين قرر تلك الزيادة، أى منذ حوالى ثلاث سنوات، شدّد على ضرورة الانتهاء بسرعة، من إعداد مشروع قانون جديد للتأمينات والمعاشات، يحقق الاستدامة المالية للصناديق، ويصلح منظومة التأمينات والمعاشات.
هناك أيضًا ما يؤكد أن أزمة المعاشات لم تكن غائبة عن بال الحكومة. ولو عدت إلى منتصف أكتوبر ٢٠١٥ ستجد أن وزيرة التضامن قالت: إن «مخصصات أموال المعاشات ارتفعت من ٤٣ مليار جنيه سنة ٢٠١٠ إلى ١١٠ مليارات هذا العام». وأوضحت أن «الخزانة العامة، وفقًا للقانون الحالى، تتحمل ٥٥ مليارًا منها». وحذّرت من أن هذا «لا يمكن أن يستمر دون إصلاح جذرى وحقيقى لمنظومة المعاشات والتأمينات». وأكدت على أن «الوزارة تعمل حاليًا على جمع كل التشريعات والقوانين المتعلقة بمنظومة التأمينات والمعاشات لإعداد قانون جديد موحد لتنظيم تلك العملية يتواكب مع التغييرات والتحديات الجديدة فى سوق العمل». وأتمنى أن تكون قد ترجمت «حاليًا» إلى منتصف أكتوبر ٢٠١٥ أى منذ ثلاث سنوات ونصف السنة!.
أخيرًا، ولو كنت ممن يرون أن وزارة أو وزيرة التضامن الطرف الآخر فى معركة انتصر فيها الرئيس للطرف الأول، يطيب لنا أن نلفت نظرك إلى أن الرئيس أمر بعرض حكم الإدارية العليا على الجمعية العمومية بمجلس الدولة، «لاستطلاع الرأى فى بيان التسوية وفقًا لمنطوق الحكم»، بينما نقل موقع «مصراوى» عن وزيرة التضامن سببًا آخر مختلفًا، هو تعارض الحكمين الصادرين من القضاء الإداري. بالنص قالت: «الحكمان متعارضان ونحتاج لرأى مجلس الدولة فى كيفية التنفيذ»!.