رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

العلاقات الصينية العربية



وسط عالم تفرض فيه الدول الرأسمالية الكبرى «المعسكرة والمتوحشة» وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية هيمنتها على السوق العالمية وتفرض سياساتها غير الشرعية بالعدوان المباشر على الدول التى لا تخضع لهيمنتها أو بالعقوبات الاقتصادية التى تخنق الشعوب والتى تصل فى بعض البلدان إلى التسبب فى المجاعات والموت نتيجة عدم توفر الغذاء والدواء. وفى وسط نمو الفجوة الطبقية، سواء داخل بلدان المركز أو الشمال أو البلدان المهيمنة الكبرى، كما يقول المفكر العالمى سمير أمين، وداخل أيضًا بلدان الأطراف أوالعالم الثالث أو البلدان النامية أو الجنوب وذلك نتيجة لتركز الثروات فى يد قلة من المحتكرين على حساب غالبية الشعوب التى تزداد فقرًا ومعاناة وتردى الأحوال المعيشية.
وسط هذه الظروف استطاعت الصين أن تشق طريقًا للبناء تحت اسم الاشتراكية ذات الخصائص الصينية، والذى كانت معالمه نمو وبناء الدولة، اقتصاديًا والانفتاح على السوق العالمية مع الحفاظ على الاستقلالية. وتحتل الصين الآن موقعًا محوريًا فى الاقتصاد العالمى، حيث تحتل المركز الثانى عالميًا من حيث الناتج المحلى الإجمالى، بل والمركز الأول إذا تم تقييمه بتعادل القوة الشرائية للدولار وتحتل المركز الأول فى التجارة العالمية وثالث دولة عالميًا بعد الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا فى ميزان القوى الاستراتيجية العالمية. لقد حدد المؤتمر الوطنى التاسع عشر للحزب الشيوعى الصينى فى أكتوبر ٢٠١٧ أن الاشتراكية ذات الخصائص الصينية دخلت عصرًا جديدًا وطرح السياسة الأساسية للحوكمة ووضع خطة تنمية فى ٣٠ عامًا بحلول أواسط القرن الحالى لتكون الصين دولة اشتراكية قوية حديثة ديمقراطية على مرحلتين وتبدأ بالحياة الرغيدة والكريمة عام ٢٠٢٠ مع معدل نمو يزيد عن ٦٪ وتحقيق التحديثات الاشتراكية مع حلول ٢٠٣٥. منذ تولى السيد شى جين بينج منصبه كأمين عام للحزب الشيوعى الصينى فى نوفمبر عام ٢٠١٢ ورئيس للصين مارس ٢٠١٣ تم إطلاق مبادرة الحزام والطريق فى سبتمبر ٢٠١٣، كما طرح إنشاء مؤسسة مالية أسيوية (البنك الآسيوى) للاستثمار فى البنية التحتية وتقديم الدعم المالى للبنى التحتية فى الدول النامية، كما أعلن عن مبادرة المئات الست لمساعدة الدول النامية فى خفض معدل الفقر لمدة ٥ أعوام (مائة برنامج للحد من الفقر- مائة برنامج للتعاون الزراعى-مائة لتعزيز التجارة- مائة للمساعدة- مائة لحماية البيئة وتغير المناخ- مائة مستشفى وعيادة ومدرسة ومركز تدريب مهنى). وتم إنشاء البنك فى أكتوبر ٢٠١٤ من ٢٢ دولة أسيوية ومقره الرئيسى بكين.
فى عام ٢٠١٦ قال الرئيس الصينى فى خطابه أمام الأمم المتحدة دعونا نتحد من أجل تحقيق مزيد من التقارب لخلق شراكة جديدة تحقق المنفعة المتبادلة وبناء مجتمع المصير المشترك.
ومن السياسات التى أكد عليها الرئيس الصينى اقتراح من ٤ نقاط لتوسيع التعاون بين الجنوب والجنوب:
١- التعاون فى مجالات الاقتصاد والتجارة والتمويل والاستثمار وبناء البنية التحتية وحماية البيئة وتحسين القدرات التنافسية.
٢- حث الدول النامية على استكشاف مسارات متنوعة للتنمية وتقاسم التجارب الناجحة للحوكمة وبناء القدرات وتحسين مستوى معيشة الشعب.
٣- الاستفادة من الآليات الجديدة مثل البنك الأسيوى للاستثمار ومجموعة البريكس للأسواق الصاعدة.
٤- تعزيز إصلاح حوكمة النظام الاقتصادى العالمى وتدعيم النظام التجارى المتعدد الأطراف وبناء مجتمع المصالح المشتركة.
ومنذ نشأة منتدى التعاون الصينى العالمى فى يناير عام ٢٠٠٤ تسعى كل من الصين والدول العربية إلى التعاون والفوز المشترك والتنمية المشتركة وتقوم العلاقة بينهما على أساس التكامل. وتسعى الصين إلى تبادل الخبرات مع الدول العربية، كما تؤيد الدول العربية فى البحث عن طريق يتفق مع ظروف كل دولة لتطور صناعاتها ونموها الاقتصادى وتلتزم الصين بالتعاون والاحترام المتبادل، كما تعمل على مساعدة الدول العربية لتعزيز قدرتها على التنمية المستدامة.
فى يناير ٢٠١٦ قال الرئيس الصينى أمام جامعة الدول العربية «نعمل على تشكيل مجتمع ذى مصير مشترك للبشرية يتسم بأهمية أن نكون بناة سلام فى منطقة دول الشرق الأوسط ودافعين لتنميتها ومساهمين فى تطوير صناعتها وداعمين لتثبيت استقرارها وشركاء فى تعزيز تفاهم شعوبها» وتم توقيع عدد من الاتفاقيات بين الصين مع الدول فى جامعة الدول العربية تناولت مختلف جوانب العلاقات وأكدت خمسة مبادئ هى الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضى- عدم الاعتداء- عدم التدخل فى الشئون الداخلية-المساواة والمنفعة المتبادلة والتعايش السلمى والتأكيد على موقف الصين الداعم لإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة الكاملة على حدود ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، هذا بجانب القضايا السورية واليمنية ومكافحة الإرهاب فى الشرق الأوسط، كما تم التأكيد على معارضة الجانبين الصينى والعربى سياسات فرض الهيمنة والقوة مع الدعوة إلى الحفاظ على مبادئ ميثاق الأمم المتحدة والحفاظ على حقوق الدول النامية.
تواصل العلاقات الصينية العربية تطورًا ونموًا فى الجوانب الاقتصادية والثقافية والتعليمية مع زيادة حجم التبادل التجارى وتعتبر الصين ثانى شريك تجارى للدول العربية، حيث بلغ حجم التبادل التجارى الصينى العربى عام ٢٠١٧ مائتى مليار دولار وحجم الاستثمار الصينى المباشر فى الدول العربية ١ مليار و٢٦٠ مليون دولار أمريكى ويشمل التعاون مجالات الفضاء والطاقة، وخاصة فى مجال الكهرباء ومشروعات البنى التحتية فى العديد من البلدان ومنها ميناء خليفة بالإمارات والسكك الحديدية فى العاشر من رمضان فى مصر وشركة الألياف الزجاجية فى منطقة السويس، وفى مجال الأقمار الصناعية تم إطلاق أول قمر اصطناعى جزائرى للاتصالات. ويشمل التعاون أيضًا مد جسور المعرفة بين الشعبين الصينى والعربى وتبادل الثقافات وتشجيع السياحة.
إن من مصلحة البلدان العربية التعاون وبناء علاقات مع الصين تقوم على الندية والمصلحة المشتركة وتبادل الخبرات بدلًا من الاعتماد على سياسات التبعية للدول الرأسمالية المتوحشة، ومنها الاعتماد على القروض من صندوق النقد الدولى والتى تشترط خصخصة المشروعات والخدمات وسياسات التقشف على حساب غالبية الشعب، مما يؤدى لزيادة الفجوة بين غالبية الشعب والقلة المتحكمة فى السلطة ورأس المال، أى زيادة الفقر ورفع أسعار السلع الضرورية، هذا غير سياسة تعويم العملة، والتى تؤدى إلى خفض القوة الشرائية للعملة المحلية وتردى الأحوال المعيشية مع زيادة وتراكم الديون. ومن الواضح فى الفترة الأخيرة اشتعال الأزمات داخل البلدان النامية التابعة والدائرة فى فلك القطب الأمريكى. لذا من مصلحة البلدان العربية مد جسور التعاون مع الصين ومجموعة البريكس، وكما يقول الرئيس الصينى شى جين بينج التعاون والمصير المشترك بين دول الجنوب، وبالتأكيد ستكون مبادرة الحزام والطريق أساسًا لهذا التعاون.