رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"سيد درويش".. معجزة صنعها كتاب موسيقى بنصف قرش

الفنان سيد درويش
الفنان سيد درويش

أشهر من غنى مؤلفات التراث العربي، وأكثر من أثر في وجدان المستمع، بعد أن ظهر في أوائل القرن الـ19، فيما شهد القرن العشرين عصره الذهبي.

الفنان سيد درويش، ولع بالموسيقى منذ نعومة أظفاره، حيث كان يحرص على سماع الشيخ حسن الأزهري، وبطانته، في كل الحفلات التي كان يحييها في أحياء الإسكندرية، وكان يجلس مع السامعين في السرادق الذي يغني فيه، ولم تكن تفوته ليلة من ليالي الشيخ حسن الأزهري، وكان صاحب صوت حسن، وأداء جميل، ولم يكن يخفى إعجابه به، ولذلك كان يعمد إلى تقليده ومحاكاته في الغناء.

كان "درويش"، في اليوم التالي للغناء، يستعير قفصًا فارغًا من أقفاص الدجاج، ويضع عليه قطعة من الخيش، ثم يجعل من القفص منصة يجلس عليها كالتي يجلس عليها الشيخ حسن الأزهري، ثم ينطلق يحاكيه في فن الغناء.

يقول الدكتور جمال الدين الرمادي، في كتاب "أدب وطرب"، كان أبوه المعلم "درويش البحر"، نجار بسيط يشتغل في عمل الطبالي والرفوف وكراسي الحمام والقباقيب، في أحد أذقة كوك الدكة بالإسكندرية، يضيق من عمل سيد، وينصحه أن يقلع عن هذه العادة الذميمة، ويتجه في حياته إلى ما هو أجدى وأنفع، بيد أن سيد درويش لم يكن يلقى بالًا لنصيحته، ولم يكن يستطيع انصرافًا عن إطاعة موهبته، وحدث أن وقع في يده كتاب في الموسيقى اشتراه من بائع كتب قديمة عند سراية الحقانية، فعكف على قراءته، والإستفادة منه، رغم أنه اشتراه بثمن بخس إذ لم يكن ثمنه يزيد عن نصف قرش.

واتصل سيد درويش بالشيخ على الحارث، وغيره من أقطاب الغناء في هذه الفترة، ممن كانوا يجيدون ترتيل القصائد الدينية، وغناء القصائد والمواويل وسلك مسلكهم في الغناء، ومضى يغني في بعض المقاهي الوطنية، أدوار عبده الحمولي، ومحمد عثمان، ودادود حسني.

ولم يلبث الشيخ المعمم، عقب ذلك، أن اندمج في الوسط الفني اندماجًا، ولم يلبث أن اضطر إلى مجاراة الندماء وسمار الليالي، وهنا ترك زيه الأزهري، وارتدى البدلة الأفرنجية فوجد المجال أمامه فسيحًا للغناء في المقاهي الوضيعة في حي البغاء المسمي "بكوم بكير"، أو "الجنينة"، أو ما إليها من أحياء عابثة، حيث اضطر أن يغني لفريق من بائعات الهوى والساقطات، وروداد هذه المناطق من العابثين.

لكن سيد درويش لم يدم في هذه المجالات طويلًا، إذ سرعان ما خرج من هذه البؤر إلى النور، واختلط بالمجتمع الراقي بوحي من نفسه الكريمة الفاضلة.