رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

كيف تفوق ساديو ماني مع ليفربول؟

ساديو ماني
ساديو ماني

فى ليلة ٨ يناير الماضى، جلس محمد صلاح، نجم فريق ليفربول، بجوار زميله بالفريق، السنغالى ساديو مانى، خلال المؤتمر الصحفى الخاص بتتويج الفرعون بجائزة أفضل لاعب فى إفريقيا ٢٠١٨.
تحدث «صلاح» عن سعادته بالجائزة، وكم هو رائع أن يكرر الإنجاز للمرة الثانية على التوالى، ولما جاء الدور على صديقه صاحب المركز الثانى لم يكن دبلوماسيًا فى كلماته، ولم يكن ناقمًا على ما جرى، بل بدا متناسيًا ما فات، ومستعدًا لما هو قادم، حينما قال بلغة واضحة وصوت قوى: «لن أتنازل عن الأفضل فى إفريقيا هذا الموسم، واثق بأننى سأعود للتتويج بالجائزة».
مرت هذه الكلمات الجريئة مرور الكرام، ولم ينتبه الكثيرون حينها إلى أن «مانى» قرر أن يطلق المنافسة والصراع النفسى مع «صلاح» منذ هذه اللحظة، ولم يتمهل حتى لحين العودة إلى ليفربول والانضمام إلى صفوف الفريق.
فى أوروبا يؤمن كبار المدربين بأن مباراة كرم القدم لا تقتصر على الـ٩٠ دقيقة فحسب، بل تبدأ مع انطلاق المؤتمر الخاص بالمباراة، الذى يُعقد غالبًا قبلها بـ٢٤ ساعة، وتنتهى بالمؤتمر الصحفى الذى يعقب المباريات.
يرى هؤلاء، وعلى رأسهم بيب جوارديولا، أن المعركة النفسية هى أساس صناعة الإنجازات، وأن تلك المؤتمرات ليست مجرد أحاديث للاستهلاك أو أداء واجب كما يعتقد المدربون فى الدوريات البعيدة عن الاحترافية مثلنا، ولذلك يعرف أولئك كيف يوظفون أحاديثهم فى أمرين مهمين، أولهما تهيئة لاعبيهم وتزويد دوافعهم مع رفع معدلات التركيز من جهة، وزيادة ضغوط الخصوم من جهة أخرى.
هذا ما آمن به «مانى» فى تلك الليلة التى انشغل فيها «صلاح» بعرسه، ولا يستطيع أحد أن يلومه على ذلك، فماذا جرى بعد تلك الليلة؟.
مر على حكاية جلوس «صلاح» بجوار «مانى» ثلاثة أشهر، أى ربع موسم، نجح خلال «مانى» فى تسجيل ٨ أهداف، بينما اكتفى «صلاح» بتسجيل ٤، بعدما كان هداف «البريميرليج» الأول، والذى يبعد عن أى لاعب فى فريقه بفارق قد يقارب الضعف. لم يتوقف الأمر عند التسجيل فحسب، بل تحول «مانى» إلى المفتاح الرئيسى فى هجوم ليفربول، وفى آخر شهرين، على وجه التحديد، أصبح تحقيق الثلاث نقاط فى «البريميرليج» مرتبطًا بجهوده وجهود المدافع الهولندى، فان ديك.
تألُّق «مانى» وتسببه فى إنقاذ «الليفر» فى كثير من المرات بالأسابيع الأخيرة دفع مدربه الألمانى، يورجن كلوب، إلى الاعتماد عليه كأكثر الأوراق التكتيكية ربحًا، وأصبح السلاح الأكثر قوة فى الفريق، والأكثر فاعلية أينما ذهب، وهو ما جعل «كلوب» يعتمد عليه فى مركز رأس الحربة الصريح كثيرًا، ويقربه أكثر من مرمى الخصوم، فهو اللاعب الذى بات يسجل بيمناه ويسراه، ويُجيد التعامل مع الكرات العرضية برأسيات رائعة.
استمر «مانى» فى التألق بالشهور الأخيرة، ولم يكتفِ بأن يكون الأفضل فى هجوم «الليفر» فحسب، بل قفز بأدائه ليجاور «رونالدو» و«ميسى» مؤخرًا فى صراع الأفضل بالجولة الأخيرة، بدورى أبطال أوروبا، بعدما كان مفتاح الفوز على بطل ألمانيا، بايرن ميونخ، بتسجيل هدفين.
بدأ «مانى» تلك المباراة فى مركز الجناح الأيسر مكان «صلاح»، وكانت فكرة «كلوب» هى الاعتماد على القوة البدنية لـ«مانى» فى تعطيل خروج ظهير أيسر بايرن ميونخ، ديفيد ألبا، ولمّا وجد ثغرة فى الجهة الأخرى عند «رافيينا»، أعاد «مانى» إلى موقعه الطبيعى، ومع نهاية المباراة، عندما ظهرت المساحات، حوّله إلى العمق ليكون أقرب لاعبى فريقه إلى المرمى بعدما بات واثقًا وأكثر زملائه فاعلية أمام المرمى.
لا شك لدى فى أن جزءًا كبيرًا من الضغوط التى يعانيها «صلاح»، التى دفعته للانفجار فى وجه منتقديه مؤخرًا، هو ما مثله السنغالى من ضغوط كبيرة للغاية، فبعدما كان بعيدًا عنه بفارق ٨ أهداف فى صراع الهدافين مع انطلاقة ٢٠١٩، أصبح الفارق هدفًا وحيدًا، وبعدما كان «صلاح» النجم المدلل والأوحد، بات له منافس قوى وشرس، وبعدما كانت المنظومة جميعًا تبحث عن التخديم على «صلاح»، أصبح «كلوب» مؤمنًا بأن هناك من الأوراق ما يمكن التخديم عليها.
نجح «مانى»، فى ليلة ٨ يناير، فى صناعة الضغوط على «صلاح»، وعمل بتركيز شديد، لكن ما زالت الفرصة أمام «مو» ليستعيد الثقة فى نفسه أولًا، ومعها ستعود ثقة زملائه ومدربه وجمهوره، وسيعود المرمى يستقبل أهدافه كما كان، عندما تتلاشى تلك الضغوط.
المعركة كانت وما زالت، وربما ستظل، لفترات مستقبلية معركة نفسية بالأساس، فهل يحتاج صلاح إلى تكرار زياراته إلى عيادة الدكتور أحمد عكاشة؟.