رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الروائي نزار عبد الستار: الحرب رفيقة نشأتي.. و"محفوظ" له الأثر الأكبر في تكويني "2 -2" (حوار)

جريدة الدستور

تحدث الكاتب والروائي العراقي نزار عبد الستار، عن مشواره مع الكتابة، وكذلك تجربته مع الصحافة، وتحدث خلال الحوار الذي نشر الجزء الأول منه أول أمس، عن حال المشهد الثقافى في العراق، خاصة بعد مقتل الروائي علاء مشذوب على يد الإرهابيين، كما تحدث عن هوسه بالتاريخ القديم والحديث.

في الجزء الثاني من الحوار "عبد الستار"، يتحدث عن مصادر إلهامه، وأثر الحرب التي نشأ وترعرع في كنفها على وعي قلمه، ومن العراق يعود للقاهرة، إذ يشير للأثر الذي تركه عدد من أدباء مصر الكبار على الثقافة العربية وعلى الأدباء العرب وعليه هو بشكل خاص، ووضع على رأس القائمة نجيب محفوظ الذي ظل يقرأ له وحده ثلاث سنوات متواصلة.. وإلى نص الحوار:

• الكتابة الإبداعية تبدأ بدوافع داخلية.. فما هو مصدر إلهامك؟
- أؤمن بوجود قدرية في الكتابة واعتقد أن حواسي مسخرة تماما لكتابة القصص والروايات، لذلك كل ما يقع عليه بصري أو يترسب في أعماقي هو مصدر إلهام. الفكرة قد تتوارى في ذاكرتي لزمن طويل لكنها تظهر حين يأتي أوانها. هي عملية معقدة جدًا لكنها تبدو لي مسيرة، والتعاقب في تأليف الكتب يخضع إلى إيعازات غامضة. الشيء المهم هو أني بعد سنوات من الكتابة تطورت لدي ملكات المعالجة وزادت عندي قدرات التحكم واستطعت أن انتبه سريعا إلى ما يمكنني توظيفه في الرواية أو القصة.

• يقال إن الكاتب يقول نفسه عادة في أول رواياته.. هل كتب "عبدالستار" نفسه على لسان أحد أبطال أعماله؟
ـ في كل عمل لي هناك جزء من ذاتي أخفيه بحرص أو أخلق له تضليلا محكما. نحن نستمد المعرفة من أنفسنا أولا، وتجربتنا الإنسانية تتشكل من فوارق الخسارات ومن نمو الوعي؛ لذلك لا تخلو قصصي ورواياتي مني.

• أي من الكتاب المصريين له تأثير عل تكوينك الفكري؟
- نجيب محفوظ له المكانة الأرفع والأسمى في مسيرتي. كانت كتبه ممنوعة في العراق بسبب موقفه من التطبيع، ولكنني استطعت جمعها كلها. كنت وقتها قد نشرت نصي القصصي الأول في جريدة محلية، وأنا دون سن البلوغ، وبقيت مدة ثلاث سنوات لا أقرأ سوى نجيب محفوظ، أكمل قراءة سلسلة أعماله لأعيد قراءتها من جديد، ثلاث سنوات وأنا أفعل هذا بمعدل قراءة يومية مكثفة ومنتظمة وكنت أسجل ملاحظاتي وأدرس كل تفاصيل أعماله بعدها، قرأت كل ما كتب عنه وكل حواراته، وكنت مهتما بقدرته على تطويع بيئة الطبقة الوسطى وتنقلاته الفنية من التاريخية إلى الواقعية إلى الرمزية، وأيضا أسلوبه الفذ الجامع لكل التيارات الأدبية.

كنت في وقت مبكر كثير الانشغال بمسألة تطويع البيئة العراقية وقضية اللغة الثالثة. بعدها قرأت كل ما كتبه الجيل الستيني المصري وتوقفت طويلا عند تجارب الجيل الذهبي في القصة أمثال يوسف إدريس ويحيى الطاهر عبد الله وعبد الحكيم قاسم وإبراهيم أصلان ومجيد طوبيا ومحمد البساطي. هؤلاء هم رواد التكنيك الفذ وكنت أتابع مشاغلهم بشغف لأنهم تمكنوا من سبر أغوار الشخصية المصرية في مساحاتها الريفية والمدنية وكانوا رواد النص القصصي الفني الجديد. المدرسة المصرية كان لها الدور الأساس في تنشئتي الأدبية.

• رواية "يوليانا" تناولت أبعاد زمنية مختلفة.. هل قصدت منها الإشارة لشيء معين في التاريخ العراقي؟
- رواية يوليانا سلطت الضوء على فترة الثمانينيات من القرن العشرين وكانت الحرب العراقية الإيرانية في ذروتها وهي فترة شكلت ضغطا إنسانيا في أبعاد مختلفة. لم أتطرق لمجريات الحرب على الحدود ولكنني رصدت الانكسارات التي تصيب الإنسان وهو يرى الحرب تأكل من حياته وتصبغه باللون الأسود. إنها الحزن والخيبة والموت السريع والآمال المحطمة وهذا إسقاط متعمد.

بإمكان قارئ يوليانا أن يتلمس ذلك التوق الجارف إلى الحقيقة، وأيضا ذلك الشعور العميق بالضياع. هناك الكثير من العلامات التي تنسج في النهاية الانطباع المترسب والخوف الإنساني. لا أحبذ توجيه القارئ إلى أشياء بعينها. من المهم أن نكون فكرتنا عن الآخر من إحساسنا وتفاعلنا ومن درجة التوافق الوجداني وهذا ما يحدث لنا أثناء القراءة.

• أهديت "يوليانا" إلى مسيحيي العراق.. فما السبب؟
- فعلت هذا بعد أن أجبرت "داعش" المسيحيين في الموصل على الخروج من المدينة. كان الحدث جريمة إنسانية كبرى وأنا كتبت يوليانا كي أدين هذا الفعل ضمنا وأقول إن الجميع يبذلون في الحياة مجهودا كبيرا من أجل رفعة الإنسان وتعزيز القيم النبيلة.

• لماذا لم تلجأ إلى السينما العربية - المصرية تحديدا- لتقديم أعمالك الروائية على الشاشات؟
- يوم أكملت دراستي الابتدائية نشبت الحرب العراقية الإيرانية واستمرت بعدها سلسلة الحروب بلا انقطاع وجاء الحصار في أعقاب حرب الكويت وبعدها جاءوا الأمريكان واحتلوا العراق. هو سوء حظ بالتأكيد وكل ما استطعت فعله أن أنشر قصصا متفرقة في جريدة الأهرام وأخبار الأدب وفي أدب ونقد وسطور. لم أتمكن وقتها من الخروج من العراق ولم أكن أظن في حينها أن ما أكتبه يصلح للسينما بسبب العزلة التي كان العراق عليها والضباب الضارب في الأجواء.

في مرحلة التسعينات تحديدا كنت مهتما بمشغلي الأدبي وكانت روايتي الأولى "ليلة الملاك" الفائزة بالعديد من الجوائز، انعطافة بالغة الأهمية بالنسبة لي حتى أن الدكتور مصطفى محمود كتب عنها دراسة في ثلاث حلقات نشرت في جريدة الأهرام، وقد اهتم إبراهيم اصلان بهذه الرواية وسعى إلى إعادة طباعتها عن الهيئة المصرية للكتاب أو عن إحدى السلاسل الأدبية التابعة لوزارة الثقافة المصرية، ولكن لم ينجح الأمر.

اعتقد أن الفرصة قائمة فروايتي الأخيرة "ترتر" مناسبة تماما للسينما وأيضا للدراما التلفزيونية.

لقراء الجزء الأول من الحوار اضغط هنا