رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل يعلم بوتفليقة أنه مرشح لولاية خامسة؟!


إذا أخبروك بأن هناك لصًا يحوم حول بيتك ويسعى لاقتحامه وسرقته، فهل تلقى إليه بالمفتاح لتسهيل مهمته؟، هذا السؤال ينطبق تمامًا على الحالة السياسية الحالية فى الجزائر، فمنذ شهور والحديث لا يتوقف عن محاولات تهريب السلاح من تركيا إلى ليبيا، بهدف إدخال كميات منه إلى الجزائر، بالإضافة إلى ضبط عدد من الإرهابيين الهاربين من مناطق التوتر فى العالم العربى بعد تسللهم إلى الصحراء الجزائرية.
هذا ما تحدثت عنه صحيفة «الوطن» الجزائرية فى نهاية شهر ديسمبر الماضى، حيث نقلت عن مصدر عسكرى تأكيده استهداف الأسلحة التى حملتها سفينة قادمة من تركيا وضبطت فى ميناء الخمس الليبى، لزعزعة الاستقرار فى بلدان المغرب العربى بما فيها الجزائر، وأشار هذا المصدر إلى حجز كميات هائلة من السلاح على الحدود الجنوبية للجزائر نهاية ديسمبر أيضًا، مؤكدًا أن عشرات الإرهابيين العائدين من مناطق صراع مثل سوريا والعراق، دخلوا إلى الجزائر بهويات مزورة.
‎وهذا بالطبع يفسر زيارة رئيس أركان الجيش الجزائرى الفريق أحمد فايد صالح،، إلى المنطقة الحدودية مع ليبيا، فى تلك الفترة وإعطاءه الأوامر بطلعات جوية استعراضية لطائرات «ميج ٣٥» فى سماء المنطقة، وقيامه بتدشين ثكنة مخصصة لوحدة من وحدات الدفاع الجوى فى هذه المنطقة.
‎وبالتأكيد هذه لم تكن المحاولة الأولى لتهريب أسلحة أو إرهابيين إلى الجزائر، لنشر الاضطرابات هناك بنفس السيناريو الذى وقعت به أحداث ما سمى الربيع العربى، فى تونس ومصر وسوريا واليمن وليبيا، وهو ما يعنى أن المسرح كان يعد منذ فترة لنشر رياح الفوضى والخراب فى الجزائر، ومن المرجح أن هناك شبانًا جزائريين صغار السن تم تدريبهم على خطط التحرك، وربما سافر بعضهم إلى عواصم أخرى للتدريب على السلاح تمامًا، كما حدث فى كل السيناريوهات السابقة، ومن المؤكد أن إخوان الجزائر وسلفييها قد تلقوا مزيدًا من المال والسلاح خلال الأشهر الماضية، خاصة أن أشهر قادتهم وهو عباسى مدنى، رئيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ «المنحلة»، يقيم فى الدوحة منذ عام ٢٠٠٤، أما نائبه على بلحاج الذى تم القبض عليه مؤخرًا استخدم قناة الجزيرة للهجوم على التحالف الرباعى المناهض للإرهاب «مصر والسعودية والإمارات والبحرين» لمقاطعته قطر.
‎ويبدو أن سيناريو الفوضى-كما جرت العادة- يحتاج دائمًا إلى حدث يثير الجماهير، ويتم التعامل معه كساعة الصفر التى تنطلق منها خفافيش الإرهاب من جحورها، تمامًا كما تم استغلال قضية «محمد البوعزيزى» لإشعال تونس، وحكاية خالد سعيد لإشعال مصر، ويبدو أنه تم اختيار موعد فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية الجزائرية لتكون لحظة الانطلاق، وبالفعل فبمجرد الإعلان عن ترشح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة للرئاسة بدأ التحرك غير المسبوق فى الشارع الجزائرى، وكان الوقود الذى أشعل هذه التظاهرات شبان من دون الثلاثين ومن خارج الأحزاب التقليدية، كما قال كثير من المراقبين، وبعدها رأينا فى الشارع جميلة بوحيرد وقادة المعارضة وحتى أعضاء الحزب الحاكم ينضمون للحراك الشعبى.
‎الكل كان يعرف أن بوتفليقة منفصل عن الواقع منذ مرضه وإصابته بجلطة دماغية فى عام ٢٠١٣، ولكن الشائعات لم تتوقف من يومها عن حالته الصحية، فقيل إنه يعانى من سرطان المعدة، وقيل إنه يعانى من متاعب فى الكلى تستدعى خضوعه لجلسات غسيل كلوى، وتردد الحديث عن إصابته بحالة من الاكتئاب، وبعيدًا عن كومة الشائعات ظهر بوتفليقة فى حالة يرثى لها فى الانتخابات الرئاسية الماضية، منذ خمس سنوات حيث كان صامتًا وذاهلًا على كرسيه المتحرك، وفشل فى وضع ورقة التصويت فى الصندوق الانتخابى.
‎ولم يكن سرًا أن بوتفليقة غير قادر على ممارسة مهامه الرئاسية منذ سنوات، وأن حاشيته العائلية والسياسية هى التى تقوم بهذه المهمة، وكان الجميع يلقبون شقيقه الأصغر سعيد بوتفليقة برجل الجزائر القوى، أو بحارس بوابة الرئاسة الجزائرية، كما سمته صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية.
‎ولا شك أن من يحكمون الجزائر سرًا لم يتوقعوا هذا السيناريو عندما قرروا ترشيح الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، خاصة بعد نجاح إخماد التظاهرات التى جرت مطلع ٢٠١١ عقب أحداث مصر وتونس بكل سهولة.
‎ربما توافرت لديهم معلومات عن المحاولات المتكررة لتهريب الأسلحة إلى بلدهم، والإرهابيين الذين يتسللون إلى الصحراء الجزائرية، لكنهم لم يدركوا السيناريو كاملًا، وإلا ما قاموا بإلقاء المفتاح للمتآمرين ليفتحوا به أبواب الجحيم، وهذا بالتأكيد لن يعفيهم من الخطأ، ولن يرحمهم من المساءلة والمحاسبة العسيرة.
‎المعلومات كلها تؤكد أن هناك فشلًا سياسيًا كبيرًا، لا يعرف أحد إلى أين سيقود الأمور فى الجزائر، خاصة أن هناك تخبطًا واضحًا فى معالجة التداعيات، والمثير أن كل الذين يتحدثون من الجزائريين إلى وسائل الإعلام يلقون بأصابع الاتهام على هذه الحاشية ويحملونها المسئولية، ولم نر أحدًا يسىء للرئيس عبدالعزيز بوتفليقه نفسه، فلا أحد يستطيع أن يجزم بأن الرجل الذى يبلغ من العمر ٨٢ عامًا ويعيش وضعًا صحيًا حرجًا، يعرف إذا كان مترشحًا للرئاسة أم لا؟.