رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

تكليفات الرئيس والخلل الثقافى السائد


«لأن مصر من أعلى البلاد فى نسبة الطلاق، فقد كلّف الرئيس السيسى وزارة التضامن بإعداد ملف متكامل عن أسباب تفكك الأسرة المصرية، وكيفية الحفاظ عليها وسبل حمايتها.. وقامت وزارة التضامن بناء على هذا التكليف الرئاسى، بإطلاق مبادرة (مودة) للقيام بإعداد هذا الملف».
قرأت هذا الخبر منذ يومين، فى إحدى الصحف القومية الكبرى. وفكرت هل قُدر علينا، فى هذه الفترة المهمة، أن تبقى كل مؤسسات الدولة، ساكنة لا تفعل شيئًا، يضرب فى جذور المشكلات، إلا عندما يقوم الرئيس السيسى، بإعطاء التكليف؟.
إن تكليف الرئيس، يدخل فى عمق الفكر السائد، والثقافة السائدة. أين إذن جهد المؤسسات الثقافية المسئولة فى البلد؟. للأسف، المؤسسات الثقافية تفهم الثقافة على أنها افتتاح المهرجانات، فى المدن، والمحافظات، والأقاليم، وإلقاء كلمات المديح والإشادة، واستضافة فنانين وفنانات، وصحفيين ونقاد، وإعلاميات، وتقديم جوائز وشهادات تقدير وتكريم، وسط التصفيق، وتصوير الكاميرات، وتسليط الأضواء.
عفوًا أيها السيدات والسادة، كل هذا ليست له علاقة بالثقافة. ما تفعلونه، مجرد «أنشطة إعلامية ثقافية»، ويمكن لأى جهاز، أو إدارة صغيرة، أو جمعية، أو مركز، أو حتى مركز شباب، أن يقوم بها، وربما بشكل أفضل. فالكيانات الكبيرة، متخمة بالروتين، والبطالة المقنّعة، متضخمة بقيمة «البقاء على الكرسى»، المهدد فى أى وقت.
«افتتاح المهرجانات»، ليس بأى إنجاز ثقافى. الإنجاز الثقافى، هو «افتتاح التغيير فى الثقافة». «افتتاح المعارض»، ليس بأى تحدٍّ ثقافى. التحدى الثقافى هو «تأسيس لحرية الإبداع».
كما أن الجلوس على كراسى الصف الأول فى الحفلات، ليس بأى إضافة ثقافية. الإضافة الثقافية هى «جلوس الفكر الثقافى على الكراسى الأولى فى صف التقدم». حينما أتأمل أوضاعنا بعد ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أكتشف أن جميع الأفكار، والاقتراحات، الجريئة، المبدعة، المتعلقة فعلًا بالتغيير، والنهضة، والتقدم، كلها جاءت بتكليف من الرئيس السيسى. وهذه بعض الحالات على سبيل المثال، لا الحصر طبعًا.
تجديد الخطاب الدينى، جاء بدعوة من الرئيس.. تمكين الشباب وانتظام اللقاءات معه، جاء بقرار من الرئيس ومتابعة شخصية منه.. إلغاء الطلاق الشفهى، لحماية الأسرة من التفكك وصيانة كرامة الزوجات والأمهات، وحماية مصير الأطفال، جاء بمطالبة من الرئيس، ورفضته مؤسسة الأزهر، الممثلة للمؤسسة الدينية الرسمية الكبرى فى البلد. إلى متى سيظل الأمل فى التغيير الثقافى، والفكرى، مرهونًا بتكليفات الرئيس؟. إلى متى سيظل الرئيس، سابقًا فى ثقافته، الثقافة السائدة، التى لا تريد التزحزح، ولو طوبة واحدة من جدارها العتيق؟.
ولننظر كيف تمت البداية، بمبادرة «مودة». مع الخبر نفسه الذى قرأته، عرضت الأفكار التى تسترشد بها، لإعداد الملف الكامل عن ارتفاع معدلات الطلاق، وتفكك الأسرة المصرية، وكيفية حمايتها. أولًا: الآراء الدينية. حرص الرأى الدينى، على البدء باستحسان عنوان المبادرة المشتق من التعبير الدينى «مودة ورحمة». ثم ترى أن تفكك الأسرة هو نتيجة انعدام الدين، وغياب الوازع الدينى، وعدم التحلى بالأخلاق الإسلامية. إذن، الآراء الدينية، هى نفسها، فى كل القضايا المختلفة. وبالتالى لن تسعفنا.
ثانيًا: الآراء الاجتماعية، تدور فى الفلك المعتاد المتوقع التقليدى. فهى تتحدث عن ضرورة تأهيل أسرى لدور الزوج والزوجة، ومعنى وأهداف الزواج. إذن هى الأخرى لا تقدم الجديد.
ثالثًا: الآراء النفسية، تتحدث عن فهم نفسى متبادل، بين الزوج والزوجة، وتلبية كل منهما للاحتياجات النفسية للآخر. وهذا كلام جرائد، عام، مرسل، لا يفيد. جميع الآراء، لا «تخبط»، فى العمود الأسمنتى المسلح، الذى يصد أى «إصلاح»، أو «حماية» للأسرة، والزواج، والأطفال، ألا وهو جوهر قانون الزواج والطلاق، أو قانون الأحوال الشخصية، المؤسس دينيًا، على «السلطة المطلقة للزوج»، على الزوجة، واعتبار الزوجة من «ممتلكات الزوج ومتاعه الشخصى»، وأن «الطاعة العمياء فى كل الأشياء» واجب الزوجة الفاضلة، المتدينة، الطبيعية، مقابل «اللقمة» التى يؤكلها لها الزوج، حسب هواه، وكسب رزقه، وأولويات الإنفاق التى تحددها هواياته، ومزاجه، والسهر مع أصحابه.
بدون قانون مدنى موحد، يعامل الزوج، والزوجة، على قدم المساواة، وبمبدأ العدل الإنسانى لا الذكورى، ويتناغم مع حقوق الإنسان فى كل البلاد المتحضرة المتقدمة، ويحقق علاقة الزواج كأساس للحرية والسعادة، والتحقق، وليس علاقة لاستعباد، وقهر النساء الزوجات والأمهات، لن يتحقق تكليف الرئيس السيسى، بحماية الأسرة المصرية.
لمنْ يهمه الأمر، المفتاح السرى السحرى، هو «الثقافة»، بها تبدأ كل الأشياء، وللأسف بها أيضًا، وكما نعاصر، تنتهى.
من واحة أشعارى
من النافذة.. أرى بائع الطماطم وأسمعه ينادى:
«القوطة المجنونة يا قوطة».. فجأة تنشق الأرض
ويخرج منها زحام.. يتنافس على شراء «القوطة المجنونة»
أشرد فى حالى.. أبكى على عقلى
مثل القوطة مجنون.. لا أحد يشتريه
أتذكر قلبى.. مجنون آخر يسكننى
لا أحد يشتريه.