رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"أريد الموت قربك يا الله".. اللحظات الأخيرة في حياة منتحر مسجد المنوفية

جريدة الدستور

«أقف بين يديك يا الله، لأخبرك أني لا أستطيع أن استمر أكثر من هذا، سأصلي لك صلاتي الأخيرة، وأدعوك دعائي الأخير بأن تعفو عني، اخترتك شاهدا أخيرا وحيدا على نهايتي».. مجرد تصور لصراع نفسي كبير قد يكون دار في نفس رجل خمسيني من قرية "إبنهس" التابعة لمركز قويسنا بالمنوفية، قبل أن يقدم على الانتحار داخل المسجد.

المشهد هو: كابل كهرباء معلق في أحد مواسير الصرف، ورقبة الضحية داخله، وكرسيين أسفله يبدو أنه استخدمهما كوسيلة للصعود، ثم الرحيل، حسب ما روى أسامة دندش، سائق توكتوك من أهل القرية، مشيرا إلى أنه علم بالأمر قبل صلاة الظهر حين دخل المسجد، فاقترب منه ظنًا منه أنه لم يمت بعد، ثم خرج مسرعًا يستنجد بآخرين لكن المنتحر قد انتهى.

الأهالي يقولون إن "أحمد. ش. ص،٥٤ سنة"، دخل مسجد الشيخ حلمي ولَم يخرج منه عقب الانتهاء من صلاة الفجر، فهو اعتاد على ترتيل القرآن مع أقرانه عقب الصلاة ثم البقاء حتى صلاة الضحى، وخرجوا هم وهو فضل البقاء وحده.

"أحمد" عمل في المملكة السعودية لأكثر من عشرين سنة، في مجال المقاولات، وكان يستضيف الحجاج من قريته "إبنهس" ويساعدهم خلال فترة إقامتهم هناك، وكان دائم التواجد في الحرم المكي وقد حفظ القرآن كاملًا فيه، ثم عاد لمصر قبل نحو عام ونصف العام، لانتهاء تعاقده، لكن لم يستطع أن يجد عملا بديلا هنا، فما كان منه إلا تأجير وحدات منزله والمحال الملحقة به والعيش في منزل عائلته، حيث أنفق كل مدخراته لبناء عقار خاص به، لكن تكالبت عليه الديون فكل ما كان يتحصل عليه هو أربعة آلاف جنيه نظير ذلك وهم ما لم يكن يكفي لإعالة أسرته المكونة من 5 أبناء، أكبرهم في أولى سنوات الجامعة وأصغرهم في الصف الأول الابتدائي، إلى جانب زوجته وأمه.

العبء أصبح ثقيلا على الرجل، ظل يقارن بين حاله اليوم وما كان عليه سابقًا، باتت زوجته مضطرة للعمل وفتحت محل لبيع المنظفات لكن سرعان ما أغلقته لعدم تحقيقه أي مكسب، لأكثر من شهر ونصف يعاني من الأرق لم يستطع النوم، طلب من دكتور أمراض الباطنة وابن قريته، محمد ربيع، حبوب منومة، ولكنها لم تكن مجدية، ونصحه باستشارة طبيب نفسي، وبالفعل لجأ للدكتور عاطف صقر، دكتور المخ والأعصاب والنفسية.

يذكر الدكتور "عاطف" أن "أحمد" كان يعاني من اكتئاب حاد، مشيرا إلى أنه طالما كان يردد أنه يتمنى أن يصل إلى الله سريعًا ويكون قريبًا منه، لذا فكان دائم البقاء والمكوث في بيت الله وبهذا يفسر اختياره للمسجد ليكون مكان موته.

أسرته لم تتخل عنه خلال فترة علاجه ولَم تُزيد عليه الأعباء خلال تلك الفترة، حتى أنهم حاولوا إثنائه عن العودة للسعودية.

والدته لم تبك اليوم، فتلك كانت وصيته، حيث زارها مساء الأربعاء، أي قبل الحادث بساعات، ولَم يتفوه سوى بعبارة واحدة "هموت بكرة ما تعيطيش عليّا".

الشيخ شاكر الأشقر، إمام المسجد الذي حدثت فيه الواقعة، لم يلتزم بخطبة الأوقاف، وأراد أن يمتص ما بالأهالي من تساؤلات، وكان موضوع خطبة الجمعة بعد أن بدأه بفضل الذكر ومداومة الصلاة، عن أهمية استشارة طبيب نفسي في حالات الضيق والاضطراب، مشيرا إلى أن الراحل كان دائم التردد على المسجد مؤديًا كل فروضه مرتلًا القرآن ومُحّفظًا له، ولكن كل هذا لم يمنعه من أن يقرر إنهاء حياته، واستشارته للطبيب أفضل وسيلة للنجاة ولو كان صمد واستمر عليها فحتمًا كانت ستساعده.

وأوضح الشيخ، أن شعور الفرد بالاكتئاب ليس علاجه الصلاة والقرآن أو الاعتراف في الكنيسة فقط، كل تلك الأمور شئون ربانية، أما المشكلات النفسية فهي أصعب من الأمراض العضوية ولا يصح الاستهانة بها، كما أنه لا يجب أن يوصم أهل بيته وأسرته بما فعل فلا يُنعت بالكافر وغيرها من الألفاظ ففي النهاية هو كان تحت تأثير مرضه.

وقررت مديرية الأوقاف بقويسنا إرسال رجال الدين بشكل مستمر لمنزله مساعدة أسرته على تجاوز تلك الأزمة والتوعية أيضًا.