رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

عبدالرحيم طايع يكتب: إسعاف العاصمة الطائر

جريدة الدستور

كلما كنت فى زحام طريق بالعاصمة وسمعت سرينة الإسعاف، أشفقت على المريض الذى بداخل العربة الطبية إشفاقًا كبيرًا ودعوت له بالنجاة والسلامة.. إن الطرق فى القاهرة مغلقة، خصوصًا فى ساعات الذروة، والمرض ليس له وقت محدد وكذلك الإصابات البالغة مهما تكن، والسائقون المتزاحمون حول عربة الإسعاف لا يفهمون فى الحقيقة معنى أن الدقيقة فارقة بل الثانية فى أحوال كثيرة.. وقد نجد عذرًا لمن لا يجدون منفذًا لفتح الطريق وتوسعته لكننا لن نجد مثله للذين لا يبالون مع وجود هذا المنفذ أمام أعينهم وأظن من حقنا وصفهم بالمستهترين وربما القتلة.. نعم.. فأدنى التفكير يفيد بأن كثيرين لقوا حتفهم فى سيارات الإسعاف قبل بلوغ الوحدات الصحية والمستشفيات بسبب البرود والتبلد وعدم الإحساس بمصائب الآخرين.
من طول ما راقبت الأمر فى الطرق وصلت إلى نتيجة واحدة: الإسعاف الأرضى لا يصلح للعاصمة ولا للمدن المكتظة بالسكان عمومًا، وما يصلح حقًا هو الإسعاف الطائر بجانب الإسعاف الأرضى الذى لا يمكن الاستغناء عنه ويمكن ضبطه وقصره على الحالات الأقل خطرًا التى يمكن صمود المريض أو المصاب خلالها مسافة زمنية أطول.
هنا أنا لا أتكلم عن إمكانيات العربة، أهى ممتازة أم بائسة؟ ولا عن مهارة المسعفين، أهم مؤهلون للمهمة الدقيقة أم لا؟؛ فهذا موضوع آخر «له خطره الشديد أيضًا» لكنه يلى وصول الإسعاف إلى من يطلبونه ثم وصوله بهم إلى المكان الآمن المنشود.. ومهما تكن العربة عظيمة والمسعفون بارعون؛ فما قيمة ذلك كله لو كان الوصول إلى أيدى الأطباء والممرضين مستحيلًا بصورة عاجلة ضرورية؟!.
أسأل نفسى كثيرًا، مع الوميض الأحمر للإسعاف وصوت نفيره الذى يبدوا كاستغاثة ملهوف، ترى كم شخصًا مات فى الطريق كان أهله بحاجة إليه وأطفاله فى انتظار عودته؟.
أسئلتى لا تنتهى، وما من حل إلا فى الطائرات الهليكوبتر المجهزة التى يجب أن تحل محل العربات المتعثرة فى صعوبة المسارات المختنقة بزحام الناس ووسائل المواصلات المنوعة.. طبعًا أعلم أن ميزانية الحكومة لن تستطيع الوفاء بالمطلوب وسط التقلبات الاقتصادية الحادة الجارية وموجات الغلاء العاتية فى العالم، سيما والموضوع يتطلب وفرة العملة الأجنبية التى تريدها الحكومة لشئون تراها أكثر نفعًا.
ليس أهم من حياة الإنسان بلا شك.. لكنها تتصل بظروف المناطق التى تولد فيها وبطبائع الإدارات الحكومية التى قد ترفع مثلها على كل شىء وقد ترفع على مثلها كل شىء.
حسنًا.. يمكن إعلان اكتتاب عام بشأن الموضوع، يشارك فيه الجميع لصالح القاهرة الكبرى مبدئيًا، متطلعين إلى نجاح التجربة بأمل كبير وراغبين فى تعميمها مع مرور الوقت.. وليتنا نتفهم أننا سنكون بحاجة إلى العربات المسعفة مهما استبدلنا بها الطائرات؛ ففى كثير من الأماكن التى لا تحتمل جغرافيتها الطائرة بشكل مباشر ستكون العربات هى وسيلة التقريب بين المستنجد طالب الخدمة وبين الطائرة.. وعلى ذلك يجب أن تتغير ثقافة الناس تغييرًا جذريًا حتى بتغير الوسيلة؛ فيسرعون بتحضير مريضهم للإسعاف بصورة صحيحة مسترشدين بمن يعلم منهم كيفية فعل ذلك ومتجنبين الدعى الجهول، ويكفون عن محاصرة مريضهم بدعوى حمايته بينما بالحصار هم يؤذونه، ويفسحون له مسار العربة فى كل طريق طال أم قصر، ضاق أم اتسع.
المصريون قادرون على التعاون حتى لو اضمحلت قدراتهم المالية.. روحهم القوية تؤكد مثل ذلك وفلكلورهم يشير إليه فى معظم تجلياته، ولعل شرطهم الوحيد أن يجدوا أثرًا سريعًا لأفعالهم الطيبة على الأرض.. ولو كانت عرفتهم حكوماتهم المتعاقبة معرفة يقينية إذن لتحقق التضامن والاتحاد وما وقع شىء من أزمات عدم الثقة.
إن الجريح النازف بشدة والمضروب بعنف والذى أصابته جلطة فجائية فى المخ أو أزمة قلبية أو اضطراب بجهازه التنفسى أو غيبوبة ما؛ إن هؤلاء، وأمثالهم، لن يصبروا حتى تنقلهم العربات إلى دور الرعاية الصحية التى قد تكون بعيدة عن مساكنهم بُعدًا مميتًا فى زحام طرق لا تفرغ حتى تمتلئ ولا تروق حتى تتعقد ولا يصل يقين المارة والعابرين بعرباتهم فيها أبدًا إلى كونهم قد يكونون بالإسعاف يومًا.. فهكذا يجعل الله الأرواح، بالتداول، مرهونة بتصرفات بعضها فى لحظة اختبار يجرى علينا كلنا لحكمة ما «ليبلو بعضكم ببعض».. والله المستعان.

دوري ابطال اوروبا

365Scores.comمزود من

الدوري السعودي

365Scores.comمزود من

الدوري الانجليزي

365Scores.comمزود من

الدوري الاسباني

365Scores.comمزود من