الدكتور محمد كمال إمام: مسؤولية تجديد الخطاب الديني جماعية ولا تفرض بقانون "1- 2" (حوار)
قال الدكتور محمد كمال إمام أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإسكندرية، إن تجديد الخطاب الديني لا يعني تغيير القرآن الكريم ولا إقصاء السنة النبوية الصحيحة عن دائرة التشريع، وأكد خلال حواره لـ"الدستور"، على أن مهمة التجديد هي مهمة جماعية وليست فردية ولا توجد مؤسسة تمتلك التجديد وحدها، كما تحدث عن فكرة عزل الدين عن الدولة والتي رفضها تماما، وإلى نص الحوار..
• بداية.. ما هي الحلقات الفقهية المفقودة في مؤتمرات التجديد الديني للتأثير في أرض الواقع؟
- الأحكام الشرعية جاءت لتطبق وليلتزم بها الناس، وليست الأحكام مجرد الصلاة والصيام والزكاة، وليست البيع والشراء، وإنما أيضًا الأخلاق أحكام شرعية، مثل ألا يغش الإنسان في بيعه وشراءه، وأن يكون في نفس الوقت قادرا على أن يتقن عمله عملا بقوله صل الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، فقدرة الإنسان على أن يرعى بيته وأولاده وأن يدافع عن دولته وأن يناصر الحق فيما يرى كل هذا جزء أساسي من الشريعة، ولا بد أن تستقر هذه الأشياء في النفوس، وأن يتناول الدعاة وأساتذة الشريعة والصحافة والإعلام، كل هذه القيم أصول إسلامية وباعتبار من يتجاوزها يكون متجاوزا للآداب والأخلاق الإسلامية والأحكام الشرعية، فمحاولات العزلة بمعنى أن يكون الدين في المسجد فقط وليس للحياة فهذا لا يجوز.
• البعض يدعو لعزل الدين عن الدولة؟
-الدولة تدار عن طريق الرئاسة، عن طريق الحكومة، عن طريق المؤسسات، وعن طريق السلطات الثلاث، لكن كل هذا من خلال دستور، ونحن إذا نظرنا إلى دستورنا المصري، فنجد أن مصادر التشريع في البيوع والتعاقدات ليست مخالفة للشئون الإسلامية باعتبارها دين بالنسبة للمسلمين وباعتبارها ثقافة بالنسبة لغير المسلمين، وهي النهاية تضع المواطنين جميعا على السواء أمام الوطن الذي يعيشون فيه.
• "التجديد".. أصبح سؤال العصر، فما المقصود به؟
- التجديد هو سنة الحياة، فكما أن كل شيء يتجدد فكذلك أيضًا الأحكام التي تضبط هذا المتغير تجدد.
• ما المقصود بكلمة "الأحكام التي تضبط هذا المتغير"؟
- هي الأحكام التي ليست ثابتة مستمرة، مثل حرمة القتل وحرمة الأعتداء على العرض وعلى الدولة وعلى المال والنفس، كل هذه حرمات لا تتغير من جيل إلى جيل ومن عصر إلى عصر، لكن السؤال كيف ننظم أمورنا التعليمية؟، كيف نضع نظام الأنتخابات والنظام الاقتصادي؟، هل نجعله نظام اقتصادي حر أم لا، وكذلك البنوك، والقضاء ودرجات التقاضي، هنا تأتي مقاصد الشريعة، من كل ما يحقق مقاصد الناس ويحقق العدل.
• هل التجديد يدخل على القرآن والسنة النبوية؟
- هذه مصادر، والتجديد لا يدخل على المصادر، هذه مصادر تشريعية وليست أحكام، هذه مصادر الأحكام، ومصادر الأحكام تعني ما نستمد منه الحكم، وهذه لا نفكر في تجديدها، لأنه كيف تجدد القرآن وهو كلام الله؟.
• البعض يقول أن القرآن نزل مواكب لظروف بيئية غيرنا؟
- لا توجد رسالة سماوية خاتمة تنزل لعصرها فقط، عندنا القرآن يقول مثلا: "وأطيعوا الله والرسول"، فهل أطيع الله وقت نزول الآيات القرآنية ولا أطيع الله الآن؟، هذا منطق معوج لا يدل على فهم لمقاصد الشريعة ولا فهم لطبيعة هذا الدين، لكن هناك بيوع جديدة ظهرت وقواعد لم تكن موجودة للإيجار، لكن تعريف الإيجار نفسه على مر الزمن من وقت الوحي القرآني إلى يومنا هذا ثابت.
• منكرو حجية السنة يقولون أنها عبارة عن توجهيات جاءت للصحابة فلماذا نطبقها في عصرنا؟
- الله عز وجل يقول عن نبيه: "وما ينطق عن الهوى أن هو إلا وحي يوحى"، فإذا كنت أنت تؤمن بالقرآن بصدق فلا بد من أن تؤمن بالسنة النبوية، لكن هناك فرق بين أن السنة حجة، وثبوت حديث من عدمه من الأحاديث المروية عن النبي صل الله عليه وسلم، فقد نتناقش في ثبوت حديث من أيام البخاري ومن قبل البخاري الناس بتتناقش هل هذا الحديث ثابت أم لا، لكن طالما ما ثبت الحديث عن رسول الله صل الله عليه وسلم فهو مصدر حجة، وليس للناس إلا أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
• البعض يقول: الفقه في وادٍ والواقع الذي نعيشه في واقع آخر، بمعنى أن ما زال هناك آراء تحرم البنوك والديمقراطية؟
- لم يقل أحد ذلك، الإسلام قال الحكم مهمته يحقق مصالح الناس ويقيم العدل، فإذا عملناه عن طريق انتخابات فجائز، وإذا فعلناه بطريق أخرى غير انتخابات فجائز أيضًا، فإذا كان النظام عبارة عن ديمقراطية مباشرة عادي، وإذا كان ديمقراطية برلمانية فجائز، كل أشكال الديمقراطية جائزة، فالمهم الهدف، وهو تحقيق الغاية، وهو أن نحقق مجتمع رشيدا حرا قادر على العطاء، قادر على التفكير والتعلم والتفكير في مصالح الناس، هذا هو المطلوب.
• الفقه يقول: لا يقتل مسلم بكافر، أليس هذا تمييز؟
- هذه أفكار علماء، كل هذه المناقشات فيها آراء مختلفة وليست قانونا مطبقًا، فعلى ولى الأمر أن يختار الرأي الأصلح للمجتمع، والأقدر على تحقيق مصالح الناس وأن يضعه في قانون ويلزم به الناس، هذه آراء الفقهاء وليست ملزمة للأخذ بها، فمن حقك أن تسأل إماما آخر وتأخذ برأيه، ونحن عندنا في الشريعة الإسلامية آراءً كانت في زمانها تؤدي واجبا ودورا ولم تعد تؤدي هذا الدور في هذا الزمان فنبحث عن رأي آخر، فإذا لم نجد رأي آخر نصنع نحن رأيًا آخر.
• هل أخطأ الإمام الشافعي العقل حينما اهتم بعلم سند الحديث ولم يهتم بعلم "فقه الحديث"؟
- هذا كلام من لا يفقهون، فالإمام الشافعي هو الذي فتح للعقل ميدانا، وهو من أسس أصول الفقه.
• البعض يقول أنه استوثق من علم "السند" ولم ينظر إلى علم فقه السنة؟
- هؤلا لم يقرأوا الشافعي لأنهم لو قرأواه ما قالوا ذلك.
• إذن لماذا غاب المجددون عن عصرنا؟
- مثلما غاب العلماء والمبدعون.
• ألا تتفق مع من يقول إن مع الماضي القريب كان يوجد علماء أكابر مثل "عبدالحليم محمود" وشلتوت وحسن مأمون؟
- لأن زمان كان فيه حركة ثقافية وحركة فنية، وكانت قبلهم ثورة 1919.
• السؤال الآن.. من أين نبدأ حتى نعود لعصر الإبداع؟
- أن نتعلم، إذا صلح نظام التعليم من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية صلحت الثقافة، فهو المنتج.
• نحن نمتلك عدد كبير من الجامعات ومن المعاهد؟
- عندك تعليم هذا حقيقي، لكن الطالب الذي يأتي من الابتدائي إلى أن يصل إلى المرحلة الثانوية مستواه التعليمي ضعيف، وكذلك خريجي الجامعات مستواهم التعليمي ضعيف، يبقى إذن لا يوجد تعليم.
• ما الحل حتى نمتلك تعليم قوي؟
- هناك عوامل لابد أن تكون موجودة، مثل المبادرات التي تفعلها الآن الدولة لإعادة التعليم، مثلما يفعل وزير التعليم الحالى.
• ما رأيك فيما يفعله الدكتور طارق شوقي وزير التعليم؟
- مبادرة جميلة، وتجعل أوقاف للتعليم حتى تستمر أمكانية التعليم، بمعنى نرجع لأيام زمان لما كان التعليم تابع لأوقاف معينة وليس تابعا لميزانية الدولة.
• ما الفرق بين ميزانية الدولة وجعل أوقاف معينة للتعليم؟
- الوقف لا يستطيع أحدا أن يأخذه أبدا أو أن يلغيه، أما ميزانية الدولة فتوسع وتتضيق حسب أحوال البلد.
• دعوة الرئيس للتجديد نبدأها من أين؟
- تبدأ من كل المؤسسات.
• ما هي المؤسسات المسئولة عن التجديد؟
- المؤسسة التعليمية، المؤسسة الدينية، المؤسسة الإعلامية، المؤسسة الثقافية، المؤسسة السياسية.
• هل المؤسسة الدينية لديها القدرة على ذلك من وجهة نظركم؟
- وهل باقي المؤسسات على قدر كافٍ أنها تستطيع أن تجدد أيضًا؟، هذه أجنحة الدولة وكل جناح عليه دور، هل الأجنحة الإعلامية قوية بدرجة أنها تساعد الأجنحة الدينية على التجديد وتحمل أفكارها وتوصلها للناس؟، التجديد ليست عملية تقوم بها مؤسسة وحدها بل هو حق المجتمع كله.
• هل التجديد يفرض بقرار أو بقانون؟
- في النهاية العقل لا يحبس في قانون، وبما أن التجديد يراد به تجديد العقل فلا تستطيع أن تحبسه في قانون، لكن تستطيع أن توجد وسائل قانونية تنمي ذلك العقل، وتطوير نظام التعليم والنظام الثقافي والاقتصادي، كل هذا التطوير يصب في النهاية في عقل رشيد.